فرنسا تنتفض ضد المروجين للتطرف الإسلامي

الشرطة الفرنسية تطلق عمليات ضد عشرات الأفراد المرتبطين بالتيار الإسلامي بعد صدور فتوى بذبح أستاذ تاريخ من قبل متشدد ديني بدعوى نشره رسما مسيئا للرسول محمد.
فرنسا من أكثر الدول الاوروبية المكتوية بنار التطرف والارهاب
الحملات ضد المتطرفين في فرنسا تأتي متاخرة لكنها ضرورية
باريس تعلن إجراءات ملموسة لحماية المدارس ومراقبة الدعاية المتطرفة

باريس - أطلقت الشرطة الفرنسية الاثنين عمليات ضد "عشرات الأفراد" المرتبطين بالتيار الإسلامي، وفق ما أعلن وزير الداخلية جيرار دارمانانن، مشيرا إلى أن "فتوى" كانت صدرت في حق أستاذ التاريخ الذي قتل بقطع رأسه الجمعة.
وقال الوزير لإذاعة "أوروبا1" في إشارة إلى مشتبه بهم تمّ توقيفهم "من الواضح أنهم أصدروا فتوى ضد الأستاذ". وأضاف أنه تم فتح أكثر من 80 تحقيقا بشأن الكراهية عبر الإنترنت، وأن توقيفات حصلت في هذا الإطار.
وقال مصدر من نقابة الشرطة الفرنسية الأحد إن فرنسا تستعد لطرد 231 أجنبيا مدرجين على قائمة المراقبة الحكومية للاشتباه في أنهم يتبنون معتقدات دينية متطرفة.
وحسب تعريف الحكومة الفرنسية، فإن المتطرفين هم "أناس على علاقة بالراديكالية، يرجح أنهم يرغبون في السفر إلى الخارج للانضمام إلى جماعات إرهابية أو المشاركة في أنشطة إرهابية".
وتعرضت حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون التي تتبنى نهجا وسطيا للضغط من الأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه غير الفرنسيين الذين يُنظر إليهم على أنهم يشكلون تهديدا أمنيا.
وطلب وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين من مسؤولي الشرطة المحليين إصدار أوامر الطرد في اجتماع عقد عصر اليوم الأحد، حسبما ذكر المصدر وقناة أوروبا 1.
وقال المصدر من نقابة الشرطة إن من بين العدد الإجمالي للمشتبه بهم 180 مسجونا و51 آخرين من المقرر اعتقالهم خلال الساعات المقبلة.
وقال المصدر إن دارمانين طلب أيضا من الهيئات التابعة للوزارة أن تفحص عن كثب طلبات من يرغبون في الحصول على وضع لاجئين في فرنسا.
وكانت فرنسا من أكثر الدول الأوروبية التي اكتوت بنار التطرف الإسلامي حيث شهدت عدة عمليات إرهابية كان أبرزها الهجوم على مقر صحيفة شارلي ايبدو الساخرة قبل سنوات من قبل متشددين.
وتجمّع الآلاف الأحد في كلّ أنحاء فرنسا، تكريماً للمدرّس صامويل باتي الذي قُتل الجمعة لعرضه رسوماً كاريكاتوريّة للنبي محمّد على تلاميذه في الصف، في جريمة أثارت حزناً شديداً في البلاد ووُضع على خلفيّتها عشرة أشخاص قيد الحبس الاحتياطي.
وفي باريس، تجمّع متظاهرون في ساحة الجمهوريّة التي انطلقت منها مسيرة حاشدة في 11 كانون الثاني/يناير 2015 عقب الهجمات التي شنّها جهاديّون على مقرّ صحيفة شارلي إيبدو.
وهتف المجتمعون في المكان "أنا صمويل" و"حرّية التعبير وحرّية التدريس"، وسط تصفيق طويل بين حين وآخر.
وشاركت في التجمّع شخصيّات سياسيّة عدّة من كلّ التوجّهات، بينها رئيس الوزراء جان كاستكس ورئيسة بلديّة باريس الاشتراكيّة آن هيدالغو والرئيس اليميني لمنطقة إيل دو فرانس التي تضمّ باريس، فاليري بيكريس، وزعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون.
وانضمّ الرئيس السابق الاشتراكي فرانسوا هولاند إلى التجمّع.
وكتب رئيس الوزراء على تويتر "أنتم لا تُخيفوننا. نحن لسنا خائفين. لن تفرّقونا. نحن فرنسا!".
وحمل متظاهرون لافتات عليها رسوم كاريكاتورية للنبي محمد نشرتها الأسبوعيّة الساخرة شارلي إيبدو. كما أدّى الحاضرون النشيد الوطني.
كذلك، نُظّمت تجمّعات أخرى في مدن فرنسيّة كبيرة، خصوصاً في ليون (شرق) وليل (شمال) ونيس (جنوب شرق).

الالاف تظاهروا في كامل أنحاء فرنسا تنديدا بالعملية الارهابية
الالاف تظاهروا في كامل أنحاء فرنسا تنديدا بالعملية الارهابية

تكريم وطني
وجاءت غيجاني (34 عاما) التي تعمل مشرفة اجتماعية وثقافية في منطقة باريس وهي تحمل على كتفها ابنها الذي يبلغ 4 أعوام، لتكريم صمويل باتي ولتعبير عن "السخط حيال هذا العمل البغيض والمخيف".
وقالت "يجب ألا يترسّخ هذا العنف ويتحول إلى جزء من حياتنا اليومية أو أن نعتاد عليه".
بعد ظهر الجمعة، قُطع رأس باتي، وهو ربّ عائلة يبلغ 47 عاماً، قرب مدرسة كان يدرّس فيها التاريخ والجغرافيا في حيّ هادئ في منطقة كونفلان سانت -أونورين، في الضاحية الغربية لباريس. وأردت الشرطة منفذ الجريمة وهو عبدالله أنزوف، لاجئ روسي من أصل شيشاني يبلغ 18 عاماً.
ويأتي الهجوم على المدرّس، بعد ثلاثة أسابيع من اعتداء إسلامي نفذه شاب باكستاني بساطور أمام المقرّ القديم لشارلي ايبدو وأسفر عن إصابة شخصين بجروح بالغة وفي خضمّ جدل أثاره الرئيس الفرنسي بعد كشفه عن خطة للدفاع عن قيَم فرنسا العلمانية.
في كونفلان سانت-أونورين حيث حصلت الجريمة، تجمّع حوالى ألف شخص هم أهالي تلاميذ ومسؤولون ومواطنون، بحزن شديد أمام المدرسة التي كان باتي يدرّس فيها. ورفع كثيرون لافتات كُتب عليها "أنا استاذ"، ما يعيد إلى الذاكرة شعارات "أنا شارلي" التي رفعت حول العالم بعد الهجوم على مقر شارلي إيبدو.
وتأثر أيضاً التلامذة كثيراً على غرار ماري، وهي في الصف الثانوي الأول، وقد جاءت إلى أمام مدرستها القديمة لتضع وروداً "تكريماً لأستاذها السابق".
وقالت الشابة المذهولة "أتذكّر درسه عن حرّية التعبير. لقد تحدّثنا عن شارلي (إيبدو)، ورسمنا رسوماً لا تزال معلّقة في المدرسة".
وسيُنّظم تكريم وطني للضحية الأربعاء بالتنسيق مع عائلة المدرّس، وفق ما أعلنت رئاسة الجمهورية الفرنسية من دون تحديد المكان.
وبحسب العناصر التي كشفها النائب العام لمكافحة الإرهاب جان-فرانسوا ريكار، نظم أستاذ التاريخ مع تلاميذه نقاشاً في إطار صفوف التربية المدنية، عرض خلاله رسوماً كاريكاتورية للنبي محمد. واقترح على التلاميذ الذين لا يرغبون برؤية بعض هذه الرسوم، بعدم النظر إليها.
مراقبة
وأعرب والد تلميذ موضوع في الحبس الاحتياطي حالياً، عن استيائه من هذا الدرس في مقاطع فيديو ناشراً بذلك على الانترنت اسم الأستاذ وعنوان المدرسة، كما التقى مديرة المدرسة للمطالبة بطرده. وتلقّى الأستاذ بعدها اتّصالات تهديد عدّة.
ولدى عبدالله أ. سوابق في القانون العام وهو معروف لدى الاستخبارات لسلوكه الراديكالي. وقال ريكار إنّ عبدالله أ. قام بعد ظهر الجمعة بعمليات مراقبة قرب المدرسة.
وعُثر في هاتف المهاجم على رسالة موجّهة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "زعيم الكفّار" تتضمن رغبته في الانتقام من الشخص الذي "تجرّأ على التقليل من شأن محمد" إضافة إلى صورة الضحية مقطوع الرأس. وكانت قد نُشرت الرسالة والصورة على تويتر.
وتحدّث جيرانه عن شاب "كتوم" و"غارق في الدين" منذ نحو ثلاث سنوات.

فرنسا شهدت هجمات دموية على غرار الهجوم على مقر صحيفة شارلي ايبدو الساخرة
فرنسا شهدت هجمات دموية على غرار الهجوم على مقر صحيفة شارلي ايبدو الساخرة

إجراءات ملموسة
وقرّر ماكرون الأحد تعزيز أمن المدارس ومراقبة الدعاية الإسلاميّة المتطرّفة على الإنترنت، بعد مقتل مدرّس التاريخ في ضاحية باريس.
وقالت الرئاسة الفرنسيّة إنّ ماكرون أمر بعد اجتماع حضره ستّة وزراء والمدّعي العام لمكافحة الإرهاب جان-فرنسوا ريكار، باتّخاذ "إجراءات ملموسة" سريعة ضدّ الدعاية الإسلاميّة المتطرّفة على الإنترنت، مطالباً باتّخاذ خطوات سريعة "وبعدم منح أيّ مجال لأولئك الذين يُنظّمون أنفسهم بغية الوقوف بوَجه النظام الجمهوري".
ويريد ماكرون تعزيز أمن المدارس ومحيطها قبل بدء العام الدراسي في 2 تشرين الثاني/نوفمبر، من خلال تدابير يُفترض أن تستمرّ أسبوعين.
وأشارت الرئاسة إلى أنّ وزيرَي الداخليّة والعدل، جيرالد دارمانان وإريك دوبون موريتي، قدّما "خطّة عمل ستُنفّذ خلال الأسبوع" وستُتّخذ بموجبها "إجراءات ملموسة" ضدّ أيّ مجموعات وأشخاص قريبين من "الدوائر المتطرفة" ينشرون دعوات كراهية يمكن أن تُشجّع على تنفيذ هجمات.
من جهتها، شدّدت موسكو من خلال سفارتها لدى باريس على أنّ جريمة قتل المدرّس "لا تخصّ روسيا بشيء" إذ إنّ الشاب غادر البلاد عندما كان قاصراً.
وأوقف 11 شخصاً في القضية ووُضعوا قيد الحبس الاحتياطي منذ مساء الجمعة، خصوصاً أقرباء المهاجم إضافة إلى بعض الأشخاص الذين شجّعوا على الانتقام من الأستاذ.
وفي المجمل، تسببت موجهة الاعتداءات الجهادية غير المسبوقة التي بدأت عام 2015 في فرنسا، بمقتل 259 شخصاً.