فلسفة النكاح في حل مشكلات الشعب السوداني

يصر نظام البشير على دمج الإنساني بالحيواني ويهرب من الحديث عن غريزة البقاء - الخبز إلى الحديث عن غريزة الشهوة - الجنس.

أكان يسخر من حكومته أم من المتظاهرين ذلك النائب السوداني الذي أرجع أسباب التظاهرات التي تشهدها بلاده إلى الكبت الجنسي؟

بدلا من البحث عن حلول للمشكلات الاقتصادية التي تقف وراء الفقر والفاقة والعوز وسواها من مظاهر الحرمان التي يعاني منها الشعب السوداني في ظل حكومة تفرغ أفرادها للإثراء عن طريق التسلح كان على تلك الحكومة أن تخصص جزءا من وقتها الثمين لتزويج الشباب.

بعد ذلك لن تكون هناك مشكلة في السودان.

كشف ذلك النائب من حيث لا يدري عن الطريقة التي يفكر من خلالها أهل الحكم في السودان الذين يخطئ المرء حين ينظر إليهم باعتبارهم سياسيين أو أنهم على صلة بالسياسة.

النائب عوض عبدالنور وهو صاحب التصريح المثير هو عينة تمثلهم.

لقد قال الرجل بالحرف الواحد حسب صحيفة "الانتباهة السودانية "إن خروج الشباب في المظاهرات ليس بسبب انعدام الخبز والسيولة (النقدية) والوقود، إنما الشباب خرجوا في المظاهرات يريدون النكاح وعلينا أن نعالج لهم هذه المشكلة".

المزحة التي أطلقها النائب السوداني هي ليست كذلك بالنسبة للإسلاميين الذي يحكمون السودان. فالحاجة إلى الخبز بالنسبة لهم لا تشكل سببا مقنعا للاحتجاج. وإذا ما اعتمدنا طريقة حسن الترابي أو العراقي إبراهيم الجعفري، الإسلامي هو الآخر في النقاش، فإن المحتجين لم يخرجوا إلى الشارع جياعا أو بسبب الجوع بل هم يطالبون بمادة غابت عن موائدهم وشعروا بالفراغ الذي تركه غيابها. لذلك خرجوا محتجين من أجل أن تملأ الحكومة ذلك الفراغ. إنها مشكلة تتعلق بالنظر وليس بالمعدة. لقد أعتاد السودانيون على رؤية الخبز على موائدهم، فإن غاب شعروا بأن المشهد صار ناقصا.  

اما حقيقة معاناتهم فإنها تكمن في مكان آخر.

العبقري عبدالنور هو الوحيد الذي وضع يده على الجرح.

من وجهة نظره فإنه عن طريق ذلك الاكتشاف العبقري انما يقدم خدمة جليلة لحكومته الرشيدة ولا بأس أن يهين الشعب.

ذلك الشعب الذي لا يأكل سوى الخبز يمكنه أن يحل مشكلة شبابه الجنسية لو أن الحكومة الاسلامية جدا كفت عن تطبيق قوانين شريعتها على المجتمع واحترمت الحريات الشخصية.   

غير أن ما لا يريد ذلك الابله الاعتراف به أن حكومته التي دمرت كرامة الإنسان السوداني عن طريق حرمانه من الخبز كانت في الوقت نفسه تطارده في كل مكان وتتدخل في شؤونه الشخصية ونعرضه للمساءلة القانونية والعقاب بسبب نوع الثياب التي يلبسها.     

لقد أخطأ السودانيون حين لم يخرجوا للتظاهر مطالبين بالحريات العامة والشخصية على حد سواء. فعن طريق صمتهم أوهموا حكامهم وسياسييهم ومنهم عبدالنور هذا بأنهم على حق حين يستبيحون حقوقاً، لو أن الشعب السوداني حافظ عليها لما وصل إلى مرحلة الحاجة المذلة إلى الخبز.

أذل عمر حسن البشير وعصابته الشعب السوداني ولم يُظهر ذلك الشعب أي نوع من الاعتراض إلى أن وصل الإذلال إلى الغذاء وهو الحاجة الاساسية التي يلتقي الإنسان من خلالها مع الحيوان وحين ثار الشعب صار النظام يُرجع أسباب تلك الثورة إلى الجنس وهو الآخر حاجة يمتزج الإنساني بالحيواني من خلالها.

ما وصل إليه الشعب السوداني من انحطاط على مستوى الأوضاع الإنسانية في ظل نظام البشير ينذر بالخطر وهو ما يجعل من رحيل ذلك النظام واحدة من أهم الوسائل لإنقاذ ذلك الشعب من الانزلاق إلى هاوية التخلي عن إنسانيته. وهو أمر غير مقبول في عصرنا الذي يتعذر إخفاء الحقائق فيه.

لقد أنتج ذلك النظام ظاهرة رثة جسدها عوض عبدالنور، السوداني المنفصل عن سودانيته بحكم انتمائه إلى نظام لا يعرف ما الفرق بين الحاجة إلى الخبز والحاجة إلى الجنس.