فنان تشكيلي يعرِّي الواقع التونسي ويفضحه 

رياض بلحاج أحمد يؤمن بالوصول لعين الرائي ضمن اعتقاده بضرورة تغيير السائد في واقع الممارسات التشكيلية التونسية بحثا عن متلقي جديد.
يتحوّل الأثر إلى راو أو حكواتي يقصّ أحابيل الحكاية
تداخل اليومي في التشكيلي والتشكيلي في التشكيلي

دكتور رياض بلحاج أحمد فنان تشكيلي جامعي مختص في تدريس الفنون التشكيلية لطلبة الجامعة التونسية. فنان يمارس الإنتاج الفني التشكيلي ويقدمه ضمن معارضه الخاصة والمشتركة داخل تونس وخارجها. يؤمن بالوصول لعين الرائي ضمن اعتقاده بضرورة تغيير السائد في واقع الممارسات التشكيلية التونسية بحثا عن متلقي جديد. 
التقيناه في تظاهرات أيام قرطاج للفن المعاصر بمدينة الثقافة التونسية، فكان هذا الحوار حول تجربته التشكيلية وعلاقتها بالمتلقي وبالممارسة التشكيلية التونسية وأفق التنافذ مع الساحة التشكيلية العربية والغربية.
عن اشتغاله على التنصيبة كتوجه يتجاوز اللوحة وهل هو توجه نحو افق جديد للتلقي؛ قال: إن ظاهرة التّنصيبة كما عرّفها « Jean-Yves Bosseur» من خلال معجم الفنون التشكيلية للقرن العشرين "أنّها نابعة نتيجة عدّة عوامل تؤثّر في انفجار أصناف فنيّة، بحثا عن فضاءات تساءل الجانب الجبهي للإدراك التقليدي للأثر". فالعمل ضمن التنصيبة هو توجّه تشكيلي أسعى من خلاله أن أحوّل الأثر إلى مادّة تفاعليّة لا تتفاعل مع الفضاء فقط بل مع ذاته ضمن تفاصيله وجزئياته ومع المحيط ضمن مختلف طرق التنصيب التي تقتضي فضاءات مغلقة أو مفتوحة ناهيك أيضا مع المتلقّي. 

جدليّة المفاهيم

وتجربتي تقوم على كشف الواقع، فضحه، وتعريته بما يعتمله من أحداث ومواقف، تلك التي يكون الجسد الإنساني عادة مدارها. فتراني متقفّيا سيره، عيشه، مسيره، ومساراته، مراوحا في ذلك بين الرّسم، النحت، فالتنصيبة. تتعدّد الطّرق دون أن تختلف، إذ تجدني في بعض الأحيان أستقي من الرّسم بعض العناصر لتتحوّل إلى أحد مكوّنات تنصيبتي أو منحوتتي والعكس كذلك، هو تداخل اليومي في التشكيلي والتشكيلي في التشكيلي. هي جدليّة المفاهيم وتوالديّة البناء الإنشائي الذّي يختال الألوان ليحضر متخفّيا في ثنايا البياض والسّواد، لينسج من خلالها نسيجا حكائيّا، ليتحوّل الأثر إلى راو أو حكواتي يقصّ أحابيل الحكاية، أُطُرها، شكلها، أطوارها، تمفصلاتها، ضمن ثنائيتي اللّيل والنّهار، هو شكل قصصي تشكيلي يُقصّ فيه نواميس البناء الإنشائي التوالدي لرحلة الإنسان المتشعّبة بين بياضها وسوادها.
وفي أعمالي أبتعد عن المباشرة، وأنحو إلى أن تكون منوطة برؤية مفاهيمية، تتعدّد فيها القراءات وتتنوّع وهو ما يفتح باب التأويل وانفتاح الأثر بدوره، وهو ما سيسهم في إنشاء الأثر ثانية، بل إنّني أسعى لأن أجعل المتلقّي شريكا ثانيا في العمليّة الإبداية، وهو ما ارتهنه نزر من الفنانين التونسيين أيضا ضمن محاولة منّا لمقارعة السّائد وتحفيز الذّأئقة الفنية التونسية والعربية ضمن محاولة التعريف بفنّهم في مختلف المعارض. 
ويرى رياض بلحاج أحمد أنّ تعدّد معاهد الفنون الجميلة والفنون والحرف بالبلاد التونسيّة هو ما أنتج طفرة على مستوى الطلبة والباحثين بالبلاد التونسية ممّا أدّى بدوره إلى الانفتاح نحو تعدّد المعارض المحليّة والدوليّة، البيناليات، الندوات. إنّ ذلك وغيره ما أسهم في تكوين وولادة جيل من الفنانين الشبان يروم المغامرة الإبداعيّة ضمن مختلف تجلّياتها التشكيلية. 
ويعتقد الفنان أنّ الحركة التشكيلية التونسيّة تشهد تعدّد التجارب الفنيّة وتنوّعها نظرا للزخم والطفرة التي أشرنا إليها آنفا لتعدّد كليّات الفنون والجمعيّات العاملة بالقطاع وإقامة العديد من التظاهرات والصالونات... وآخرها تنظيم أيام قرطاج للفن المعاصر والذّي نرجو أن يتوجّ بتأسيس متحف للفن الحديث والمعاصر، وأعتقد أنّ مثل هذا الحراك من شأنه أن يخلق هوّيّات متعدّدة، هويّة للفنّان من خلال مكين التزامه بقضاياه التي من شأنها أن تعرّفه وتحدّد كنهه وكنه أثره حتى وإن تعدّدت الأساليب، ناهيك هويّة المكان من خلال تأصيل الفعل التشكيلي، لتكتسي إشعاعا عربيا وعالميّا وهو ما يتّضح من خلال بعض التظاهرات كمهرجان المحرس للفنون التشكيلية، سمبوزيوم الخزف بسيدي قاسم الجليزي، الأيّام المتوسطيّة للفنون التشكيلية بالحمّامات.
ويوضح رياض بلحاج احمد أنّ هناك تقصيرا لعدد كبير من الفنّانين التّونسيين في رقمنة أعمالهم ونشرها، حيث إنّه في بعض الأحيان قد ينتهي المعرض ولا تتمكّن من الزّيارة فتعوزك المعاينة المباشرة وقد تصل أحيانا إلى أن تفقد حتى المعاينة الافتراصيّة وهو ما أسمّيه بالولادة القيصريّة والموت السّريع وبالتالي لا بدّ للأثر من إعادة إحيائه وولادته من جديد ليتمكّن المتلقّي من الإطّلاع والباحث من الدّراسة والنّاقد من إبداء الرّأي وهي حلقات وثقى في تكوين الأثر وتطوّره.
وهو حاليّا بصدد إعداد معرض فردي سيحمل عنوان "ارتحالات" سيتمّ عرضه في جهات مختلفة في البلاد التونسيّة، وهو سعي منه لتقريب الفنّ من الجمهور والعمل على اللاّمركزيّة الفنيّة لكي لا يكون الفنّ حكرا على طائفة دون غيرها ثمّ سيتمّ عرضه خارج البلاد، مع العمل على إنشاء موقع شخصي يضمّ أعمالي والمقالات الصّادرة حولها ومنشوراتي. 

توالديّة البناء الإنشائي
أبتعد عن المباشرة

ويشير الفنان إلى أن هناك ما يمكن أن نعتبره ما يشبه السّوق الفنيّة التي تأسّس مع روّاد اللوحة المسنديّة بتونس منذ جماعة الصالون التونسي وتواصلت مع جماعة مدرسة تونس التي انساقت مع السّائد فعملت تحت جناح السّلطة ورعايتها فكان أن حقّقت الرّبح الوفير. لكن هاته السّوق لم تعمّر طويلا، لأنّها تأسّست على أساس السّائد والربحيّة والنفعيّة. وحاليا نجد أن أغلب الفنانين يعتمدون بالشّكل الأكبر على لجنة الشراءات لتكون هي الدّاعم للفنان، أمّا قاعات العرض الخاصّة فهي قليلة نسبياّ وتتمركز أغلبها في العاصمة وهي بدورها تعاني من كساد المقنيات. 
ويرى أنه من الواجب العمل على تربية الناشئة على التذّوق الفني لأنها هي التي ستتحوّل إلى مقتني للأثر الفنّي. ويبدأ بإصلاح على مستوى البرامج التربويّة وتفعيلها فعليّا وليس صوريا منذ السنوات التحضيريّة فالإبتدائي والثانوي والجامعي، وحملهم على التذوّق الجمالي من خلال التحليل الجيّد وزيارة المعارض بمعيّة أساتذتهم، إضافة لإنشاء متحف للفن الحديث والمعاصر الذّي سيكون بمثابة اللّبنة الجمالية والإبداعيّة، التي ستؤرّخ لتاريخ الحركات والتوجّهات الفنيّة في تونس وتعرّف بالفنانين، أيضا العمل على إقحام النقّاد واشتغالهم للتأسيس للرؤية الجماليّة قبل البعد المنفعي، والعمل على حيادهم وجعلهم خارج الصراعات واللعبة الترويجيّة. 
كما وجب دعم اللامركزية الفنية، إضافة للتفكير في تركيز سوق افتراضية للفن تحمل قاعدة بيانات شاملة وتساهم في تحسين وتعديل الذوق العام والتفاعل الافتراضي بين الفنان والمتلقي اعتمادا على معارض وأسواق فن افتراضيّة. 
كما يرى أنّه على الفنّان أن يخفّض نسبياّ في أسعار لوحاته لتكون متاحة لعدد أكبر من المتلقّين، وهو من شأنه أن يسهم في خلق سوق فنيّة محليّة للفنّان قبل التفكير في العالميّة.