في الطريق إلى محو فلسطين

المقدسيون انتكسوا بحرب غزة وضاعت ثمار كفاحهم البطولي.
لماذا تظل حماس عصية على المساءلة الوطنية؟
صواريخ حماس الإيرانية أعادت الغرب إلى الوقوف إلى جانب إسرائيل برحابة صدر
حرب غزة أنهت السلطة الفلسطينية أو على الأقل نظامها الحالي الذي يترأسه محمود عباس

ليست إسرائيل معنية بالوضع القانوني لحركة حماس ومن بعدها غزة. إنها فعلت وتفعل ما رأته وتراه مناسبا لرغبتها في ممارسة أقصى درجات العنف في حق شعب تعرف جيدا أنه ضحية بحجة الدفاع عن أمن مواطنيها.

وسيتوقف العدوان الحالي سواء بقرار اسرائيلي ذاتي أو بوساطة عربية ودولية غير أن المشكلة ستظل قائمة. فلا فلسطين ستستعيد غزة ولا شعب غزة سيجد الجهة التي ترعاه وتصون كرامته وتدفع عنه العربدة الاسرائيلية وتمنع عنه طيش حركة حماس.

أولا لأن ما من جهة فلسطينية قادرة على أن تضع حركة حماس أمام مسؤولياتها عما جرى وعما يمكن أن يجري في أية لحظة. بمعنى أن حماس ستظل عصية على المساءلة الوطنية.

ثانيا لأن حماس كما هو حال حزب الله بعد حرب 2006 المدمرة ستخرج منتصرة بالرغم من كل الدمار البشري والمادي الذي لحق بغزة، لا لشيء إلا لأن إسرائيل أبقت على حياة قادتها ولأن الازعاج الذي سببه اختراق بعض الصواريخ الإيرانية للقبة الحديدية الإسرائيلية سيكون من وجهة نظرها بمثابة انجاز متقدم في طريق تحرير فلسطين.

في المقابل فإن إسرائيل لا يشغلها موضوع انتصارها على حماس بقدر ما يهمها أنها استطاعت عن طريق تصديها لعدوان منظمة ارهابية وهو التوصيف الغربي لحركة حماس أن تدمر منصات اطلاق الصواريخ الإيرانية ومخازن الأسلحة الهجومية وهو ما يؤكد أن جيش الدفاع الإسرائيلي كان حريصا على الالتزام بشروط الدفاع عن النفس من وجهة نظر غربية.

لعبت حماس إذاً دورا مهما في تلميع صورة إسرائيل غربيا بعد أن كادت تلك الصورة أن تشحب بعد أزمة حي الشيخ جراح الإنسانية. لقد أعادت صواريخ حماس الإيرانية الغرب ومعه الكثير من دول العالم إلى الوقوف إلى جانب إسرائيل برحابة صدر وكرم بعد أن كان قد انتقل إلى تأييد الفلسطينيين في حقهم المشروع بأرضهم برغم القانون الإسرائيلي.   

تلك هي الحقيقة الوحيدة التي يمكن استخلاصها من حرب نفست من خلالها إسرائيل عن نزعاتها العدوانية ورغبتها في اللجوء إلى العنف المفرط في التعامل مع الفلسطينيين وفي الوقت نفسه حصلت إسرائيل عن طريق تلك الحرب على أرفع الأوسمة من الغرب حين رُفعت الأعلام الإسرائيلية على الدوائر الرسمية في فرنسا والمانيا والنمسا.

لم يكن موقف الغرب عادلا غير أنه كان متوقعا بسبب أن الطرف "الفلسطيني" في تلك الحرب لم يكن فلسطينيا خالصا بل كانت لغته إيرانية كما أن ذلك الطرف لم ينطلق في حربه من اجماع فلسطيني وحاجة فلسطينية وجدت في الحرب وسيلة للضغط على إسرائيل من أجل تقديم تنازلات على طريق الحل النهائي.

فحماس حاربت وتحارب من غير أن تكون لها مرجعية وطنية فلسطينية. 

لو نسقت حماس مع الفعاليات الفلسطينية وليس بالتحديد مع السلطة التي تحكم في رام الله لما ورطت شعب غزة بتحمل تبعات حرب يؤكد التاريخ أن الطرف الآخر فيها يتميز بجنون ردوده بسبب تركيبته الاجتماعية المذعورة. وهو ما يعرفه الفلسطينيون أكثر من غيرهم. غير أن حركة حماس لا تجد أن عليها أن تتصرف في سياق الفهم الفلسطيني. إنها جماعة دينية تتبع في ما تفعله ما تمليه عليها الجهة الممولة لها وليس من قبيل الصدفة أن تكون إيران هي تلك الجهة الممولة هذه المرة.

لذلك يمكن اعتبار حرب غزة الأخيرة حربا بين إسرائيل وإيران. كانت حركة حماس هي الأداة الإيرانية في تلك الحرب ولكن كان على الشعب الفلسطيني أن يدفع هذه المرة الثمن مثل كل مرة وهو ما يجعل منه الطرف المهزوم في حين تخرج الأطراف الأخرى بضمنها حركة حماس منتصرة.

المؤلم في المسألة كلها أن التعامل العاطفي مع الشعب المهزوم سيغطي على ضرورة فضح الخيانة التي مارستها حركة حماس حين عرضت ذلك الشعب لعدوان وحشي من اجل تنفيذ املاءات إيرانية لا علاقة لها بما كان يجري في القدس بل على العكس تماما فالمقدسيون انتكسوا بحرب غزة وضاعت ثمار كفاحهم البطولي.

لن تكون إسرائيل بعد اعلان الهدنة معنية بمراجعة الوضع القانوني لحركة حماس. تلك مسألة على الفلسطينيين أن يهتموا بها. فأما أن تكون غزة جزءا من فلسطين أو أن تكون دولة مستقلة تحكمها أمام العالم حركة حماس. ولكن مَن سيتفاوض مع جماعة ارهابية؟

أنهت حرب غزة السلطة الفلسطينية أو على الأقل نظامها الحالي الذي يترأسه محمود عباس فهل يعني ذلك أن حماس بعد هزيمتها الجديدة في غزة ستكون الطرف المؤهل للتفاوض؟

إذا جرت الأمور في ذلك المنحى وهو ما تفكر فيه حركة حماس فإن ذلك يعني خروج فلسطين من المعادلة السياسية وهو ما تفكر فيه إسرائيل.