في انتظار سفينة الخلاص
مهما قيل ويُقال عن حزب الله وهو القوة التي لا تُقهر على الرغم مما أصابه من أهوال محت قيادته من الوجود فإن ما أصاب إيران من أضرار من جراء دخول الحزب في حرب تصعيدية مباشرة مع إسرائيل لا يمكن التغاضي عنها. ذلك لأنها أفقدتها الجبهة الأمامية لحربها بالوكالة بحيث صار عليها أن تقف في المكان الذي أنفقت أموالا طائلة من أجل تحاشي الوقوف فيه. أن تكون جبهة مباشرة أمام إسرائيل. ذلك تحول خطير في المنطقة. لا على مستوى المناوشات الثنائية حسب، بل وأيضا على مستوى مستقبل مشروع الهيمنة الإيرانية على المنطقة الذي بات اليوم في موضع شك. بعد كل ما جرى لحزب الله صار على إيران أن تباشر حربها بنفسها.
من السذاجة القول إن إيران كانت تتوقع انتصارا في غزة أو لبنان. كانتا حربين انتحاريتين لم يسقط فيهما إيراني واحد إلا عن طريق الصدفة. وهي صدفة عرفت إسرائيل بمهارة معلوماتية كيف تصطادها. لقد خططت إيران لحرب استنزاف تستطيع من خلالها سرقة الوقت وإلهاء إسرائيل عن مراقبة مشروعها النووي. ولكنها بالتأكيد لم تتوقع أن تتحول حرب الاستنزاف إلى حرب شاملة، يكون من نتائجها أن تفقد إيران درة تاجها في المنطقة وهو حزب الله الذي هو اليوم عبارة عن كتلة بشرية لا عقل يديرها. وهو ما قد يدفع لبنان ثمنه كونه فريسة سهلة. ولا فرق بالنسبة لمنتسبي حزب الله بين إسرائيل ولبنان. تلك مشكلة أخرى لن تهتم إيران بمعالجتها. بالنسبة لإيران لا قيمة للبنان من غير حزب الله. لذلك فإن مشكلة لبنان مع حزب الله ستأخذ مع الوقت طابعا محليا هو جزء من التركيبة الطائفية اللبنانية. سيكون اللبنانيون أحرارا في البحث عن حلول لها.
فكرة أن يستعيد حزب الله المبادرة في الحرب الدائرة من حوله هي جزء من خرافة رفع المعنويات التي تعرف إيران كيف تنفخ فيها هواء أكاذيبها المبالغ فيها من خلال وسائل إعلامها التي تبث أناشيد الانتصار ليل نهار وفي كل اللغات. لا تجد إيران معنى أو ضرورة للتوقف عن عمليات غسل الأدمغة من خلال تعبئتها بالجمل والاقتباسات الجاهزة أن النصر قريب وقادم وحتمي وأن مَن لم يمت شهيدا من العرب سيخسر الكثير في آخرته. قال خالد مشعل شيئا قريبا من ذلك. وكان صدام حسين قد أكد من قبل أن العراقي مشروع شهادة دائم. كل ما يُقال عن النصر في ظل كل هذه النكبات غير المسبوقة انما يؤكد رغبة إيران وحلفائها في أن لا يستيقظ العقل العربي من سباته ويظل الموت الذي يفرضه نتنياهو مُرحبا به إلى أن تطلق إيران صفارتها.
ولكن ذلك الوضع الإنساني الشاذ في طريقه إلى النهاية، أو أنه وصل إلى الجدار. لقد انتهت اللعبة. لقد ضحت حركة حماس بأهل غزة ووضعتهم في متاهة التشرد التي لن تنتهي بعد أن أفسحت المجال لنتنياهو في أن يمارس هوايته في الإبادة الجماعية. في المقابل فإن حزب الذي لم يكن مضطرا لإشعال حرب يعرف أن لبنان غير قادر على دفع تكلفتها وليس من اليسير عليه إيواء مليون نازح من الجنوب والضاحية لم يكن يتوقع أن إسرائيل قد تمكنت من اختراقه بالطريقة التي تمكنها من اغتيال كل قادته العسكريين وصولا إلى أمينه العام.
كل الكلام لا يكفي لوصف ما حدث.
قُتل إسماعيل هنية في طهران. يبدو الأمر كما لو الرجل المقيم بأمان في الدوحة ذهب إلى طهران ليُقتل. أما مشهد قتل حسن نصرالله فإنه فتح الباب على مصراعيه على الشك بأن إيران هي التي سربت كل المعلومات. ذلك لأن ذلك المشهد كان بمثابة نهاية للفيلم. لقد شهد نصرالله مقتل كل رفاقه في قيادة تنظيمه وودعهم وهو على يقين من أن قواعد اللعبة القديمة قد انتهت وأن إيران قد حدثت علاقتها بالغرب على أساس قواعد جديدة.
ليس المهم اليوم المضي وراء التكهنات التي تؤكد بأن إيران قد خانت أتباعها وسلمتهم لعدوهم بغية أن تنتقل إلى مرحلة جديدة في علاقتها بالغرب، الولايات المتحدة بالتحديد. المهم أن لا تهدر فرصة التعلم من ذلك الدرس. فلا قضية فلسطين كانت هي الدافع لما حصل قبل سنة وما تلاه. ولا الموت باعتباره شهادة قد كُتب على أهل غزة ولبنانيي ضاحية بيروت الجنوبية ولا قيادتا حماس وحزب الله كانتا على يقين من أن إيران كانت صادقة في تعهداتها. وبغض النظر عما قاله خالد مشعل فإنه لن يجرؤ على مغادرة الدوحة. لقد حدث الطوفان فعلا. بعد سنة من وقوعه تقف إيران على التل في إنتظار السفينة التي تقلها أرض المفاوضات.