في زمن الكرنفال: هل يمكن إحياء روح المواطنة في الكويت؟

حينما تُختزل المواطنة بالشعارات وتحتكر المكاسب، فان الشرائح الاجتماعية ستلجأ الى هويتها الخاصة بحثا عن القوة.

نتمنى انا وغيري ان يصوت الناخبون الكويتيون على أساس وطني بدلا عن التصويت على أسس طائفية أو عرقية أو قبلية، لكن ليس كل ما نتمناه يتحقق. وللامانة تظل هذه الدعوة هي مجرد شعار للاستهلاك السياسي، حتى يثبت العكس.

من المسلم به أن الوطنية هي الركيزة الأساسية لأي انجاز، فهي الشعور بالانتماء والمسؤولية تجاه الوطن، وهي أساس بناء مجتمع قوي ومزدهر. لكن إقناع الناس والجمهور بهذا الأمر لا يتم عبر بث الاغاني الوطنية.

ان تحليل هذا الامر مهم للغاية، اذ لا ينبغي ان يظل التعامل مع مفهوم الوطنية بوصفه مسيرة سنوية على شارع الخليج، او اوبريت غنائي يؤديه طلبة المدارس، او طائرات تحلق بالوان علم البلاد. هذه الفعاليات هي انشطة ترفيهية لكنها ليست تعريفا للوطنية.

من المرجح أن يفكر الناس في العديد من الأمور عند تقييم المسألة الوطنية وموقعها في الضمير الجماعي، منها:

أولا: مسؤولية القادة، اذ لا يمكن إقناع المواطنين بالتضحية من أجل الوطن وهم يرون القادة يضحون بالوطن لمصالحهم. فعندما ينعم القادة بالمكاسب والثروات ويعيش اغلب الناس ضنك العيش، فان الوطنية ستكون للفقراء فقط.

واذا لم يتخلَ قادة الدولة عن جزء من الرفاهية لصالح توسعة شريحة المستفيدين، فسيظل المواطنون يتساءلون عن قيمة الشعارات الوطنية، اذا كانت عطايا الوطن لا تطالهم؟

الثاني: المساواة في الفرص، تؤدي الفجوة في الحقوق بين الفئات الاجتماعية الى تعزيز الشعور بالتهميش، مما يدفع بعض الشرائح إلى التمسك بالهويات الفرعية كوسيلة للحماية والتعويض.

وحينما تُختزل المواطنة بالشعارات وتحتكر المكاسب، فان الشرائح الاجتماعية ستلجأ الى هويتها الخاصة بحثا عن القوة. وهذا ما يتكرر في أغلب المجتمعات المفككة، حيث يميل الفرد إلى التمسك بالانتماء الفرعي على حساب المواطنة.

الثالث: الثقة بالمؤسسات الرسمية، إذ تُعاني المؤسسات الرسمية من نقص حاد في المصداقية والفاعلية، ممّا يُعيق دورها في تعزيز الانتماء الوطني. بل ويتسبب في تسرب الناس من الاطار العام الى الاطر الخاصة والضيقة بحثا عن الامان.

فمن سيحمي كرامة المواطنين إذا انتهكتها الأجهزة الأمنية؟ ومن يكافح الفساد إذا تورطت به الأجهزة الرقابية؟ ومن يسترجع حقوق المواطنين إذا تحول النواب إلى أدوات بيد المتنفذين؟ ومن سيحقق العدالة في المجتمع إذا انحاز القضاء وأصبح طرفا في الخصومة؟

الرابع: الشراكة المجتمعية، حيث يعد المجتمع المدني رافعة اساسية لتعزيز المواطنة، من خلال نشر الوعي الحقوقي، وتحويل الانتماء إلى شراكةٍ بين مختلف أطياف المجتمع.

ومن المؤسف ان الدولة احجمت في السنوات الاخيرة عن تمويل جمعيات النفع العام، بل وصعبت من منح تراخيص لأنشطة قائمة، وآن الأوان لتعاون الدولة والقطاع الخاص لمعالجة قضايا الترخيص والتمويل، وضمان استمرارية عمل جمعيات النفع العام، بما فيها سنّ قوانين تُلزم التجار بدعم الأنشطة الاجتماعية.

الخامس: التركيبة الاجتماعية، إذ تُعاني العديد من الدول من انقسامات اجتماعية عميقة على أساس الطائفة أو العرق أو القبيلة. وتزداد المشكلة حينما تكرس الدولة الفجوات في الحقوق والفرص بين مختلف الفئات الاجتماعية.

وتقوم بعض القطاعات الحكومية على سبيل المثال بقبول المواطنين في الدورات والوظائف بناء على تقسيمة فئوية او مذهبية، تخالف مبدأ المساواة أمام القانون وتُهدد الوحدة الوطنية.

يُؤدّي الفساد إلى تآكل مفهوم المواطنة، حيث يُصبح المواطنون غير متساوين في الحقوق والواجبات، ويفقدون الثقة في الدولة والمؤسسات، ويعزز شعورهم بالتهميش والإحباط. وفي الدول التي تعاني من الفساد أو التمييز، تُصبح الشعارات السياسية مجرد أدوات لِتضليل الناس.