قانون الغاب يحكم الفضاء الرقمي المغربي بدل قوانين حقوق النشر
الرباط - تحولت الصفحات الفايسبوكية في المغرب، في ظل التطور السريع لوسائل التواصل الاجتماعي، إلى منصات خصبة لتبادل المحتوى، لكنها أصبحت أيضًا ساحة لفوضى مقلقة ظهرت في سرقة الأفكار واستنساخ المحتوى دون بذل أي جهد إبداعي يُذكر. إذ اعتمدت العديد من هذه الصفحات، التي غالبًا ما افتقرت إلى الترخيص الرسمي ومنها ما هو مرخص، على نهب إبداعات صحف ومنصات إعلامية معتمدة، فأعادت صياغتها بشكل سطحي وسوّقتها كإنتاج محلي. هذا السلوك يعبر عن أزمة إبداعية وأخلاقية، ويكشف عن فراغ رقابي زاد من استغلال جهود الآخرين لتحقيق الربح المادي أو المعنوي، فلماذا يغيب المجلس الوطني للصحافة عن هذا العبث؟
تتفاقم ظاهرة الاستنساخ في الفضاء الرقمي المغربي مع تزايد اعتماد الصفحات غير المرخصة على سرقة المحتوى من مصادر موثوقة، سواء محلية أو دولية. هذه الممارسات، التي تعرف بـ"الكوبي-بيست"، تشمل إعادة صياغة بدائية تفتقر إلى الأصالة، وتحويلها إلى سلعة تسويقية رخيصة. وما يزيد الطين بلة هو تورط بعض صناع السينما والدراما المغربية في استغلال هذه المنصات لأغراض شخصية مثل تصفية الحسابات أو الترويج الموجه عبر محتوى مسروق. هذا السلوك يكشف عن انعدام الروح التنافسية الشريفة ويُعمق من الأزمة الأخلاقية.
ويُفاقم هذه الفوضى غياب الرقابة الفعالة من المؤسسات المعنية. فالصفحات التي تتستر تحت مسميات مثل "جرائد إلكترونية" أو "منصات فنية" تعمل دون أي إطار يحكمها، مستفيدة من فراغ رقابي يتركها تتربح على ظهر المبدعين الأصليين دون محاسبة. هذا الواقع يكشف عن تقاعس واضح في تطبيق القوانين وتفعيل دور الهيئات الرسمية، كما يُكرّس شعور الإفلات من العقاب ويشجع على استمرار هذه الممارسات بشكل علني، ليصبح بذلك مجال الصحافة والإعلام في المغرب كسوق أسبوعي للمواد المستعملة.
فعلى سبيل المثال، يوفر القانون المغربي إطارًا لحماية الملكية الفكرية من خلال نصوص مثل قانون 17-97 المتعلق بحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، الذي يغطي الإبداعات الأدبية والفنية، وقانون 31-05 الخاص بالعلامات التجارية، إلى جانب تشريعات أخرى تتناول براءات الاختراع وحقوق التصميم. المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية هو الجهة الحكومية المسؤولة عن تسجيل هذه الحقوق وتسهيل حمايتها، من خلال توفير آليات لتسجيل الإبداعات ومتابعة الانتهاكات. نظريًا، يُفترض أن تكون هذه القوانين كافية لحماية المبدعين، لكن تطبيقها في الفضاء الرقمي يواجه عقبات كبيرة بسبب طبيعة الانتهاكات السريعة والمتنوعة.
ويُعتبر المجلس الوطني للصحافة، بموجب الدستور وقانون 90-13، مؤسسة وطنية مستقلة تتولى مهام تنظيمية وحمائية لقطاع الصحافة والنشر. تشمل اختصاصاته التنظيم الذاتي للقطاع، وضع ميثاق أخلاقيات المهنة والسهر على تطبيقه، منح بطاقة الصحافة المهنية، الوساطة والتحكيم في النزاعات، تتبع احترام حرية الصحافة، والنظر في القضايا التأديبية ضد المؤسسات الصحفية والصحفيين المخالفين للواجبات المهنية. كما يُكلف بوضع أنظمة تضمن ممارسة المهنة باحترام قواعدها، إبداء الرأي في مشاريع القوانين، اقتراح إجراءات لتطوير القطاع، تنظيم التكوين المستمر، وإقامة شراكات مع هيئات وطنية ودولية. ومع ذلك، فإن تطبيق هذا القانون غائب عن تلك الصفحات الفيسبوكية، خاصة الفنية، وكذلك المواقع الإلكترونية التي تنسخ دون ذكر المصدر، وهلم جرا من المواقع غير المرخصة التي تقتات على مجهودات الآخرين.
ورغم هذه الصلاحيات الواسعة، التي تؤهله لمواجهة الاستنساخ غير المشروع وحماية حقوق المبدعين، يظل دور المجلس شكليًا في الواقع. فهو لا يتخذ إجراءات حاسمة ضد الصفحات المخالفة، ولا يُفعل آليات المحاسبة أو التوعية، ويترك الفضاء الرقمي عرضة للفوضى. كذلك، فإن الهيئات النقابية الصحفية، مثل النقابة الوطنية للصحافة المغربية، عاجزة عن ملء هذا الفراغ أو الدفاع عن حقوق المهنيين. بينما يتعين تفعيل الإطار القانوني من خلال تعزيز دور مراقبة الانتهاكات الرقمية، وتطوير تشريعات تواكب التحول الرقمي. كما يجب على المجلس الوطني للصحافة أن يُفعل اختصاصاته، خاصة في السهر على تطبيق ميثاق الأخلاقيات والنظر في القضايا التأديبية، إلى جانب توعية الجمهور بأهمية احترام الملكية الفكرية. فبدون هذه الخطوات، سيظل الفضاء الرقمي المغربي ساحة للتقليد الأعمى والربح على ظهر المبدعين، بعيدًا عن أي أفق للإبداع الحقيقي أو التميز.
وتبرز أخلاقيات الصحافة في المجال الفني والثقافي كضمانة للحفاظ على القلم الصحفي الشريف كأداة تعبر عن الإبداع والحقيقة دون تقليد أو سرقة. يُطالب الصحفي الفني بتقديم رؤية خاصة ومبتكرة عند تغطية الأحداث الثقافية، مثل المعارض الفنية أو العروض المسرحية، أو تحليل الأفلام دون الاكتفاء بنقل ما كتبه غيره أو استنساخ تقارير جاهزة. ووفقًا لمدونة السلوك الصحفي الصادرة عن جمعية الصحفيين المحترفين، فإن احترام الملكية الفكرية والابتعاد عن الانتحال يعززان من قيمة العمل الصحفي، ليجعل الصحافة الفنية مصدر إلهام يساهم في تحفيز الحركة الثقافية بنزاهة وصدق.
ويرفض القلم الصحفي الشريف في الصحافة الفنية والثقافية أي شكل من أشكال الرشوة التي تُستخدم للإشادة بفنان أو عمل دون مبرر، أو للهجوم على آخرين بدوافع شخصية أو مادية. هذا الالتزام بالنزاهة يحمي المشهد الفني من التحيز، ويحافظ على مصداقية الصحفي كمرآة صادقة للإبداع. وتشير دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث إلى أن الثقة في الإعلام تتآكل عندما يكتشف تدخل المصالح المالية أو الشخصية في المحتوى. هذا ما يؤكد أهمية استقلالية الصحفي الفني في تقديم تقييمات موضوعية بعيدة عن التأثيرات الخارجية، ليكون بذلك داعمًا حقيقيًا للفن والثقافة. فالسارق يبقى سارقًا، سواء سرق المال أو الأفكار.