'قسوة' البيت الأبيض تمنع طهران من التفاوض حول برنامجها النووي

الرئيس الإيراني يؤكد تمسك بلاده برفع العقوبات لقبول التفاوض مع الولايات المتحدة وحتى مع قادة الدول الست الموقعة على الاتفاق النووي.

طهران - أكدت إيران الثلاثاء أنها لا تزال مستعدة للتفاوض مع الولايات المتحدة ضمن إطار متعدد الأطراف، إذا رفعت واشنطن العقوبات التي أعادت فرضها على الجمهورية الإسلامية بعد انسحابها الأحادي من الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني.

وأعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني في خطاب بثه التلفزيون الحكومي "إن كانوا على استعداد لرفع العقوبات، فإننا جاهزون للتحاور والتفاوض حتى على مستوى قادة الدول" الست، أي الدول التي أبرمت الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 وهي الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا وألمانيا.

وأشار روحاني إلى أن إيران عرضت ذلك "بشكل واضح" في السابق.

وبموجب اتفاق فيينا، وافقت طهران على خفض أنشطتها النووية بشكل كبير بهدف ضمان أن يكون طابعها مدنياً حصرا، مقابل رفع العقوبات الدولية التي تخنق اقتصادها.

وانسحبت الولايات المتحدة بشكل أحادي الجانب من الاتفاق في أيار/مايو 2018 وأعادت فرض العقوبات التي رفعتها عن إيران، وتواصل منذ ذلك الحين تشديد تلك العقوبات.

واعتمد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على عقوبات شديدة لإجبار إيران على الجلوس مجددا حول طاولة المفاوضات حتى يتمكن من إبرام اتفاق جديد يكبح برنامجيها النووي والصاروخي ويضع حدا لأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، لكن طهران رفضت الحديث عن تسوية جديدة تحت لغة التهديد بالعقوبات.

وتقول ادارة ترامب إن الاتفاق الذي توصل إليه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ضعيف للغاية لانقضاء كثير من شروطه في غضون عشر سنوات ولا يشمل القضايا غير النووية مثل برنامج إيران الصاروخي وسلوكها الإقليمي.

وأدخلت إيران خفضا واسعا على الالتزامات المنصوص عليها في الاتفاق من أجل الضغط على الدول الأخرى الأطراف به لاتخاذ خطوات ملموسة لضمان المزايا الاقتصادية المنصوص عليها في الاتفاق لصالح إيران.

وقال روحاني "نحن خاضعون لعقوبات. وهذا الوضع ليس من صنعنا" بل هو "فعل قاسِ من البيت الأبيض".

وأضاف "لا خيار أمامنا سوى الصمود والمثابرة بوجه من يفرضون العقوبات علينا".

إيران تراهن على الخطاب الإعلامي المعادي للولايات المتحدة علنا لتهدئة الشارع في حين تحاول البحث عن وساطات دول أخرى حليفة لفتح باب التفاوض مع واشنطن في الخفاء

وتابع الرئيس الإيراني "في الوقت نفسه، لم نغلق الباب أمام المفاوضات"، حاصراً أي حوار محتمل مع الولايات المتحدة في إطار الأطراف المشاركة في اتفاق فيينا.

وأكد "أقول للأمة الإيرانية، إنه في أي وقت، إذا كانت الولايات المتحدة جاهزة لرفع العقوبات الجائرة والقاسية وغير الشرعية وغير المتناسبة والإرهابية ووضعها جانباً، يمكن لقادة دول 5 زائد واحد (وإيران) أن يجتمعوا، ولا نرى في ذلك أي مشكلة".

وكان روحاني أبدى مواقف مماثلة في أيلول/سبتمبر قبل مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وفشل حينها عقد لقاء بين روحاني ونظيره الأميركي دونالد ترامب كانت فرنسا قد دفعت نحو تنفيذه.

ويؤكد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي مراراً معارضته لأية مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.

ويعمل تيار المحافظين على استعادة السلطة من الإصلاحيين من بوابة عجز روحاني عن حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وعدم تحقيق نتائج ايجابية تذكر من الاتفاق النووي الموقع في العام 2015 والذي انسحبت منه واشنطن في مايو/ايار 2018.   

وتراهن إيران على الخطاب الإعلامي المعادي للولايات المتحدة علنا في حين تحاول البحث عن وساطات دول أخرى حليفة لفتح باب التفاوض مع واشنطن في الخفاء.

ويسوق النظام في طهران لفكرة أن العقوبات التي فرضتها واشنطن تعد السبب الرئيسي في الأزمة الاقتصادية في البلاد حتى تتمكن من تهدئة قلق الإيرانيين وتستميل الشارع إلى صفها، خصوصا مع تصاعد موجة الاحتجاجات التي اجتاحت المدن الإيرانية مؤخرا، وسط مخاوف من انزلاق التوتر الراهن إلى مواجهة عسكرية أو انهيار اقتصادي شامل تحت وطأة العقوبات الأميركية.

ويشهد الشارع الإيراني حالة غليان فجرتها زيادة مفاجأة في أسعار البنزين رفضها الإيرانيون بالخروج في احتجاجات كبيرة بدأت منذ حوالى أسبوعين شملت مدنا ومحافظات إيرانية عديدة لكن السلطات قمعتها بشكل عنيف ودموي ما خلف قرابة 208 قتيل من المحتجين بحسب منظمة العفو الدولية. وهي حصيلة تعتبر الأدمى منذ انتفاضة عام 1979 التي أطاحت بالشاه الموالي للولايات المتحدة وجاءت برجال الدين الشيعة إلى الحكم.

وخلف تزايد الغضب على الركود الاقتصادي والفساد في أوساط رجال الدين ورجال الأمن منذ إعلان ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، سخطا شعبيا على النظام الذي أدى فساد رموزه إلى المزيد من تكبيل الاقتصاد القائم على النفط.

لكن إيران واصلت سياسة الهروب إلى الأمام باتهام "أطراف خارجية" منها الولايات المتحدة في إشعال الاضطرابات التي وصفها خامنئي بـ"مؤامرة خطيرة للغاية"، بعد أن فشلت في تهديد أمن الملاحة البحرية في مضيق هرمز عبر استهداف السفن ومنشآت نفطية سعودية في الأشهر الأخيرة في محاولة لعرقلة امدادات النفط العالمية.