قصة 'الطلقة الأخيرة' تسرد مآسي الحروب وتنتصر للقيم الإنسانية
الرباط -فازت الأديبة د. بلقيس بابو بالجائزة الثالثة عن قصتها "الطلقة الأخيرة"، إثر مشاركتها في المسابقة التي نظمها مركز الدراسات والأبحاث "ذرا" في فرنسا بدورته السادسة، والتي حملت اسم "جائزة يوسف إدريس"، إذ تميزت القصة بإبداعها وسط منافسة شديدة، حيث اختارت لجنة التحكيم أربعين قصة من بين ألف مشاركة، لتتألق "الطلقة الأخيرة" وتحصد المركز الثالث بجدارة، وفي هذا السياق كان ل"ميدل إيست أونلاين" حوار مع الأديبة بلقيس بابو حول هذا الانجاز، وفيمايلي نص الحوار:
كيف تلقيتِ خبر فوز قصتك "الطلقة الأخيرة" بالمركز الثالث في جائزة يوسف إدريس؟ وما الذي يمثله هذا التتويج بالنسبة لكِ؟
شاركت في مسابقة يوسف إدريس، بدافع التحدي و إثبات الذات بالكتابة في موضوع لم أعايشه أبدا، وكانت تيمة الحرب مناسبة لهذا الدافع لكنها كانت صعبة جدا في الوقت ذاته، خاصة بالنسبة لشخص لم يعش ظروف الحرب وأوجاعها، ما عدا ما يمكن أن نراه على التلفاز، لهذا فقد جاء خبر التتويج حاملا معه فرحةً جميلة ونشوة نجاح التحدي، واعتبرت ذلك حافزا قويا على المضي في الكتابة السردية والعمل على تطويرها نحو الأفضل.
ما الذي دفعكِ لكتابة "الطلقة الأخيرة"؟ وهل القصة مستوحاة من أحداث واقعية أم أنها وليدة الخيال؟
القصة وليدة الخيال بكلّ تأكيد، لكن الإبداع الهادف في تقديري يأتي نتيجة تفاعل ذات المبدع مع جملة من العوامل الخارجية في محيطيه الاجتماعي أو القومي أوالانساني، وواقعنا اليوم كما تعلمون موبوء بمظاهر المعاناة الإنسانية، كما حاولت من خلالها تصوير مدى بشاعة الحروب ومخلفاتها من موت و دمار، حيث تفقد الانسانية أدنى قيمها، وبما أنها قصة قصيرة فقد حاولت تكثيف مشاهد العنف وأثره على البيئة والانسان الذي قد يعيش في زمن الحرب تناقضات وصراعات نفسية عميقة قد يطول أمد علاجها وقد يستحيل.
ركزتِ في القصة على وصف المكان وتأثيره النفسي على الشخصيات، فكيف تعاملتِ مع هذا الجانب لتوصيل الرسالة الإنسانية للنص؟
المكان أو الفضاء عامة في الابداع السردي كما تعلمون ليس مجرد حيز مادي تدور به أحداث، بل هو عامل مؤثر تأثيرا قويا في الصراع الدرامي يكفي أن نتذكر البحر في رواية ارنست هيمنغواي الشهيرة "العجوز والبحر"، فالمكان لا يحضر بوصفه معطى جغرافيا كما هو في الواقع فقط، بل يتحول إلى مكان نفسي يتفاعل مع نفسية الشخصيات، فيتأثر بها ويؤثر فيها، لذلك يلزم أن يتلاءم مع أجوائها النفسية والوجدانية ، وهذا ما دفعني إلى تأثيث الأمكنة ( الطريق/ المدينة/ المنزل..) تأثيثا يمنحها قدرة على شد اهتمام و تعاطف المتلقي ويزيد من تشويقه.
استخدمتِ ضمير الغائب في السرد، وهو ما جعل القارئ يتفاعل مع النص، فما سبب اختيارك لهذا الأسلوب السردي؟
إستخدام ضمير الغائب في هذه القصة، ليس اختيارا اعتباطيا بقدر ما هو ضرورة فنية يفرضها موضوع القصة و تفاصيلها و الهدف منها، ففي هذه الحالة يصبح السارد عليما بظاهر الشخصية و أسرارها وكأنه كاميرا مجهرية تمكن المتلقي من رصد أحوال الشخصية وقراءتها من الداخل والخارج و كذلك تسليط الضوء على محيطها الخارجي مما يدفع القارئ للتفاعل معها أكثر.
القصة تأتي بحمولة قيمية إنسانية نبيلة مثل السلم والحب والوفاء، كيف ترين دور الأدب في تعزيز هذه القيم في عالم مليء بالصراعات؟
كان الأدب الحقيقي دوما وإلى يومنا هذا هو الأدب الحامل لرسالة ما، تحرك المشاعر الانسانية و تنبه العقول المتيقظة لموضوع يخص الانسانية، وقصة "الطلقة الأخيرة" ولّدتها الرغبة في التعبير عن موقف رافض لآثار الحرب المدمرة للعمران وللطبيعة وللعلاقات الإنسانية، لذلك فالقصة عبارة عن رسالة استنكار وفي الوقت ذاته تحمل إبرازا لحاجة هذا العالم إلى قيم إنسانية نبيلة تُمارس قولا وفعلا.
أظهرتِ براعة في الجمع بين الوصف والحوار، وكيف توفقين بين الوصف الذي يشحن القصة بالمشاعر والحوار الذي يعزز التفاعل الدرامي؟
غالبا ما يتم توظيف الوصف في بعض الكتابات السردية في شكل محطات توقيف لمسار الحدث، بينما وأنا أكتب أفضل أن يتزاوج الوصف والسرد والحوار بالتزامن وليس بالتعاقب، فوصفي للأزقة صاحَبَه تنقل الجندي عائدا إلى بيته، ووصفي للمنزل رافقه سرد أطوار مأساة الأم والأبناء، وقد تخللت ذلك لقطات حوارية عبرت عن هول المأساة وعمقت من حدة الصراع الدرامي وغاصت في أعماق نفوس الشخصيات.
هل كنتِ تخططين منذ البداية لترك النهاية مفتوحة على هذا النحو؟ وما الرسالة التي أردتِ إيصالها من خلال هذا الغموض؟
سؤال من الصعب الحسم في جوابه، لأن القصة تنكتب رغما عنا، ومع ذلك نحاول أن نكتب بوعي ولو تحت تأثير هيجان المشاعر والتعاطف مع الشخصيات، لذلك نراعي انتظارات القارئ أيضا، فمن حقه أن يساهم في بناء المحطة النهائية، وبما أن زمن الحروب لم ينته بعد، فلم لا نورط القارئ بشكل من الأشكال في البحث عن أجوبة عبر طرحه لجملة من الأسئلة:( من أطلق؟ وكيف؟ ولماذا.. ).
تمزجين في كتاباتك بين الإبداع السردي والشعري، فكيف تؤثر خلفيتك الشعرية على أسلوبك في كتابة القصة؟
سبق أن لاحظ بعض النقاد ذلك في كتاباتي السردية، والحقيقة بحكم تنويعي لأشكال الكتابة فإنني أحاول ألا أبقيَ على حواجز بين شكل أو جنس أدبي وآخر، فقد تجدني أحبذ الشكل القصصي في القصيدة أو أوظف بعض خصائص الخطاب الشعري في القصة مثل التكثيف والإيحاء والتعبير المجازي وغيرها، إذ إن الكتابة الأدبية في تقديري لا تخضع لقوالب أو نماذج محددة سلفا، فبكل صراحة، فطبيعة النص هي التي تقودك إلى اللغة وطرائق التعبير التي تكتب بها وليس العكس.
ما الذي تمثله لكِ جائزة يوسف إدريس، وما تأثيرها على تطلعاتك المستقبلية ككاتبة؟
جائزة يوسف إدريس تحمل رمزية عميقة لأنها تحيل على اسم كبير و مبدع رائد، قدم للكتابة القصصية خدمات تجاوزت بها حدود الوطن العربي، ومن حظي أنني اتخذه قدوة، خاصة أنني أتقاسم وإياه اهتمامات مهنية وأدبية.