قطار التلقيح في تونس يصطدم بحواجز الفوضى والمحسوبية

التونسيون يتفاجأون بتلقي شخصيات نافذة وسياسيين الطعوم دون انتظار ادوارهم، فضلا عن عشوائية في استدعاء المعنيين بالتلقيح دون مراعات الأولويات المعلن عنها مسبقا.

تونس – تحارب تونس فيروس كورونا بامكانيات محدودة تحت وقع ازمة اقتصادية خانقة، لكن في الأيام القليلة الماضية كشفت فضائح واخلالات شابت حملة التلقيح المتعثرة اصلا ان اخطبوط الفساد قد انضم لغول الجائحة على جبهة معركة يبدو انه كتب لها ان تطول في وقت تشهد فيه البلاد موجة تفش ثالثة هي الأقوى.

ونظريا وضعت وزارة الصحة التونسية منظومة الية تحت اسم "ايفاكس" تقوم باستدعاء المعنيين باللقاح تباعا عبر اساليات قصيرة وفق استراتجية أولويات معلنة تنطلق بمهنيي الصحة ومن تفوق اعمارهم الـ75 سنةـ

لكن تفاجأ التونسيون تباعا بتلقي اشخاص من غير ذوي الأولوية الطعوم خاصة بعد نشر مؤثرات على إنستغرام صورا لهن بصدد أخذ الجرعة الأولى.

واشتكى آخرون من عدم مراعات اولوية استدعاء المعنيين باللقاح في محيطهم العائلي، وكشف مستخدمو الشبكات الاجتماعية عن تجاوزات حصلت معهم أو مع ذويهم، مطالبين بمزيد الشفافية في ترتيب الأولويات، وتمكين الفئات الأكثر احتياجا لجرعات اللقاح من حقها في التطعيم.

وبرر رئيس اللجنة الوطنية للتلاقيح ووزير الصحة التونسي الهاشمي الوزير هذا الوضع بعطب فني طرأ على منظومة التلاقيح وتسبب في تجاوز شريحة عمرية مسجلة فيها، في حين تم تحديد مواعيد لمواطنين ينتمون لفئة تليها في الترتيب وتلقوا التلاقيح ضد فيروس كورونا.

وبلغ الغضب ذروته بعد تلقي نائبة برلمانية عن حركة النهضة الاخوانية جرعة من اللقاح دون ان تكون حتى مسجلة في منظومة "ايفاكس" فضلا عن تلقي مسؤوليين حكوميين اللقاح بشكل مبكر.

والخميس فجرت منظمة انا يقظ (غير حكومية معنية بالشفافية مقاومة الفساد) ما اعتبرته فضيحة تحصل النائبة أروى بن حسين على اللقاح "بفضل تدخلات صديقتها المديرة الجهوية للصحة بولاية منوبة نبيلة قدور التي تمت إقالتها من مهامها الأمر الذي حرم النائبة من الحصول على الجرعة الثانية".

واستنكرت المنظمة الحادثة خصوصا وان "النائبة عضو في اللجنة البرلمانية المكلفة بالاصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد".

وفيما هاجم التونسيون هذا السلوك، تتالت ردود فعل قياديين في النهضة للتعبير عن التفهم والتعاطف.

وقال عضو المكتب التنفيذي للحركة وصهر رئيسها راشد الغنوشي رفيق عبدسلام "يجب لفت الانتباه إلى أن المرأة لها وضع صحي خاص، فضلا عن كونها فاقت الستين من العمر"، مضيفا "يجب على الأخت أروى عباس عدم التردد في الاعتذار عن الخطأ.. ومن ثم إغلاق هذا الملف والاتجاه الى ما هو أهم".

ورد تونسيون على رفيق عبدسلام بنشر روابط تعريفية بالنائبة تثبت ان سنها لم يتخطى الـ57، مستنكرين هذا التساهل في حين اقالت دول اخرى مسؤولين كبار لم يحترموا أولويات اللقاح.

من جهتها ردت حركة النهضة ببيان طالبت فيه النائبة الاعتذار، "رغم تقديرها للاعتبارات الصحية التي دفعت بها إلى هذا التصرف".

وسخر مدونون من رد الحركة الاخوانية متسائلين هل ان بيانها يأتي في سياق الاعتذار من التونسيين ام التعاطف مع النائبة.

ولم تتأخر بن عباس نفسها في تقديم الاعتذار الذي طالبها به حزبها، غير ان اعتذارها جاء هو الآخر منقوصا محملا بالتبرير.

وقالت النائبة "توجهت الى مركز التلقيح بمنوبة مثل عدد من المواطنين الاخرين الذين تواجدوا بالمناسبة في نفس المكان للاستفسار عن كيفيه التلقيح حيث كانت منظومة الارساليات القصيرة في ذلك التاريخ معطلة".

مضيفة "سمح لي مثل غيري من المواطنين ممن توجهو الى المركز يومها من تناول الجرعة الاولى مع تسجيل اسمي بكل شفافية في الدفاتر الرسمية للمركز".

وفيما تصور هذه الرواية ان النائبة تلقت التلقيح تقريبا بمحض الصدفة، كذبتها منظمة انا يقظ مؤكدة ان "الدفاتر الرسمية في ذلك اليوم (يوم تلقي النائبة التلقيح) تحتوي على إسم شخص وحيد من خارج المنظومة الصحية"، هو تحديدا بن عباس.

والخروقات لم تقصر على النائبة المنتمية لحركة النهضة، اذ كشفت المنظمة الاثنين تلقي  ثلاثة موظفين لدى مستشار برئاسة الحكومة اللقاح رغم أنهم لا ينتمون للفئة ذات الأولوية في منظومة إيفاكس ورغم أن أعمارهم لم تتجاوز الـ30 سنة.

كما أكدت انا يقظ ان نصف التلاقيح التي تسلمتها تونس مؤخرا كهبة من الصين والبالغ عددها مئة ألف جرعة لم توضع على ذمة وزارة الصحة و"يتم التصرف فيها بشكل اعتباطي دون أي ضوابط ودون احتسابها في منظومة التلقيح الالية".

وأكدت المنظمة توجيه عشرة الاف جرعة لأعوان الأمن الرئاسي من الهبة في حين أن عددهم في حدود الثلاثة الاف متسائلة عن مصير الاربعة الاف جرعة المتبقية.

وشبهات الفساد في تلقي التلاقيح لم تكن حكرا على الحكومة وأعضائها ونواب البرلمان، بل مست ايضا مؤسسة رئاسة الجمهورية التي اتهمت بغياب الشفافية في هذه المسالة.

ومطلع مارس/آذار، تداولت وسائل اعلام تلقي رئاسة الجمهورية 500 جرعة لقاحات من دولة خليحية واستخدامها، في وقت كان فيه التونسيون ينتظرون على احر من الجمر انطلاق حملة التلقيح.

واعترفت الرئاسة بوصول هذه الجرعات مؤكدة انها سلمتها إلى الإدارة العامة للصحة العسكرية، موضحة أنه "لم يتم تطعيم أيّ كان، لا من رئاسة الجمهورية ولا من غيرها من الإدارات، وذلك في انتظار مزيد التثبت من نجاعته، وترتيب أولويات الاستفادة منه".

ولمحاصرة هذه الفوضى التنظيمية وشبهات الفساد، تبدأ منظمات مدنية تونسية نشر مراقبين في مراكز التلقيح من أجل رصد الاختلالات الحاصلة في عملية التطعيم ضد كورونا.

وانطلاقا من الأحد، انتشر ملاحظون متطوعون لمراقبة عمليات التلقيح في المراكز الـ25 المفتوحة حالياً.

لكن عملية التلقيح تعطلت الاثنين بسبب إضراب للأطباء لمدة ثلاثة أيام.

وتدور الخلافات بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة حول منح مالية من بينها منحة الجوائح وتسوية أوضاع الأطباء الوقتيين والمتعاقدين وتعديل قانون أساسي للمهنة ومطالب أخرى مهنية.

وأحدث الإضراب حالة من الزحام في عدد من المراكز التي شهدت توافد مواطنين كانوا تلقوا إخطارا عبر رسائل قصيرة من السلطات الصحية بموعد تطعيمهم بلقاح كورونا.

وبعد 50 يوما من بدء حملة التطعيم تلقى 400 ألف و363 شخصا فقط لقاح كورونا بينما حصل قرابة 95 ألف شخص على الجرعتين، بحسب آخر تحديث لوزارة الصحة.

وتشهد الحملة بطئا في ظل امدادات محدودة للقاحات ما يفرض صعوبات لتطعيم حوالي 5.5 مليون شخص هذا العام وهو نصف عدد سكان تونس، وفق ما أعلنت الحكومة في وقت سابق.

وحتى الأن تسبب الوباء في وفاة 10 آلاف و868  شخصا حتى يوم الاحد، وتشهد المستشفيات العمومية ضغطا شديدا في غرف الانعاش.