قطاعات حيوية في تونس تترنّح مع استمرار إضراب المهندسين

مهندسو المؤسسات والمنشآت الحكومية يضربون عن العمل لاكثر من شهر ونصف مطالبين بتفعيل اتفاقات مالية، ما قد يفضي لتعطيل خدمات حساسة مثل الماء والكهرباء وشبكات المجاري والاتصالات.

تونس – يخوض مهندسو المؤسسات والمنشآت الحكومية بتونس منذ مطلع أبريل/نيسان اضرابا مفتوحا تتوسع رقعة المشاركين فيه كل يوم وسط تجاهل حكومي ما يهدد بشلل قطاعات حيوية وخسائر مالية ضخمة في وقت تمر فيه البلاد بأسوأ ازماتها الاقتصادية.

ويطالب مهندسو القطاع الحكومي بسحب اتفاق مالي عقدته الحكومة مع مهندسي القطاع العام في 2018 عليهم.

ويقضي الاتفاق بزيادة الاجور بنحو 200 دولار لمكافحة هجرة الكفاءات.

وكانت حكومة هشام المشيشي التزمت في فبراير/شباط من العام 2021 بتنزيل الاتفاق على أرض الواقع.

ويهاجر سنويا 3500 مهندس تونسي خارج البلاد بما يكلف الدولة خسائر مصاريف تدريبهم بنحو 350 مليون دينار (129.6 مليون دولار).

وشهدت احتجاجات المهندسين اكثر من مرة رفع المشاركين جوازات سفرهم ويافطات تحمل مطلب هجرة جماعية في تهديد صريح بمغادرة البلاد.

لا افق لحل قريب

والخميس شهد صراع المهندسين مع الحكومة فصلا جديدا بتجمعهم في ساحة القصبة بالعاصمة (مقر الحكومة التونسية).

واتهم عميد المهندسين  كمال سحنون خلال التحرك الحكومة بهرسلتهم وقمعهم عبر مداهمات امنية للمضربين عن العمل وحجب للاجور في ما اعتبره "سابقة لم تحصل في عهد الاستبداد ولا بعد الثورة".

وقال سحنون خلال استضافته في الاذاعة الوطنية (عمومية مستقلة) أنّه ليس ضدّ الإقتطاع ولكنّه ضدّ التميّيز، مشيرا الى دخول عديد من القطاعات  في إضراب في نفس فترة إضراب المهندسين دون لجوء الحكومة الى اقتطاع أجورهم. 

وشدّد العميد على أن " أساليب القمع والترهيب والهرسلة وسياسة العقاب الجماعي والتجويع، التّي تعتمدها الحكومة الحالية مع المهندسين لن تزيدهم إلا إصرارا على النضال والصمود وإفتكاك حقوقهم بكل السبل القانونية والنضالية المشروعة، وتدفع بالمهندسين إلى التصعيد ومزيد إستعمال وسائل الضغط، التي في حوزتهم".

وتطالب عمادة المهندسين بصرف الزيادات المتفق عليها لوقف الاضراب بلا تأجيل رافضة اي وعود جديدة، مؤكدة فقدانها الثقة في الحكومة سيما بعد مسار من الاتفاقات التي تمّ التراجع عنها والمماطلة في تنفيذها.

من جهة اخرى ترى الحكومة ان المهندسين خارج أولويتها العاجلة باعتبارهم من غير القطاعات المتضررة بشدة من ازمة كورونا.

وقال وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي في تصريح لراديو موزاييك (خاص) بتاريخ 7 ماي/ايار إن تونس تعيش على وقع ظاهرة تتمثل في قيام الأطباء والقضاة والمهندسين وأعوان المالية بالاحتجاج في ظرف صعب وقاس على الجميع.

واعتبر لطرابلسي أن هذه الفئات ليست الأكثر احتياجا أو تضررا خلال أزمة كورونا "ومع ذلك اختاروا الاحتجاج للحصول على منح وامتيازات... نحن لا نناقش المطالب لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والصحية التي تمر بها تونس حاليا".

وشدد الوزير على أنّ الإضراب المفتوح الذي ينفذه المهندسون منذ أكثر من شهر يصنّف حسب معايير العمل الدولية إضرابا سياسيا لا يخدم مصلحة أيّ طرف.

ورغم اعترافه بان مهندسي المؤسسات العمومية من حقهم المطالبة بتحسين وضعيتهم، يرى الوزير ان " الإضرابات المفتوحة لم تعد مقبولة، متابعا "سنواجهها بالقانون من خلال التسخير وقرارات أخرى مصاحبة وذلك لمنع تعطيل مصالح الدولة والمواطنين".

كلفة الاضراب قد تكون كارثية

والاضراب المتواصل بلا أفق حل قريب تمس قطاعات حساسة مثل الماء والكهرباء وشبكات المجاري والاتصالات فضلا عن تأثيرها على السير العادي لمرافق حيوية للمواطنين.

ويتوقع خبراء ان يشهد فصل الصيف عدة اضطرابات في التزود بالماء والكهرباء بسبب غياب الصيانة الاستبقاية، إضافة إلى تعثر مشاريع حكومية حيث أنّ المهندسين هم الذين يقومون بالدراسات والصفقات ومتابعة الإنجاز. 

من جهته قال  عميد المهندسين التونسيين، كمال سحنون إن 4 محافظات مهددة بانقطاع التيار الكهربائي خلال هذه الصائفة بسبب تواصل الإضراب.

ونتج عن الاضراب توقف أعمال الصيانة في احدى محطات الكهرباء في سوسة (ولاية ساحلية)، ما قد يفضي لتراجع فيّ توليد الكهرباء بـما يقارب 15 في المئة.

والخميس التحق مهندسو محطة توليد الكهرباء بمدينة برج العامري (متاخمة للعاصمة تونس) بالاضراب ما يهدد بمفاقمة الوضع.

نزيف عقول مستمر

وازمة مهندسي منشآت القطاع الحكومي ليست الا فصلا في سلسلة اضرابات لا تتوقف مست كل القطاعات بما في ذلك القضاة والأطباء والأساتذة الجامعيون وغيرهم.

تعاني تونس من نزيف هجرة كفاءات تفاقم منذ 2011.

ومنذ الانتفاضة التي شهدتها البلاد بلغ عدد مغادري تونس في قطاعات مثل الطب والهندسة وتكنولوجيا المعلومات 95 ألف كفاءة علمية.

وتستقطب أوروبا  60 بالمئة من هذه الأدمغة تليها الولايات المتحدة وكندا بنسبة 25 بالمئة ثم دول الخليج وإفريقيا بنسبة 15 بالمئة.

وتؤكد اخر الدراسات ان هذا الوضع يكلف تونس خسارة فادحة  بمقارنة كلفة التعليم على الدولة بالنتائج، اذ تحوّلت البلاد إلى مصنع لإنتاج كفاءات تستفيد منها دول أخرى.

و"فجوة الدخل" بين ما يدرّه عمل المهندس أو الباحث أو الطبيب محليا ر وما يدرّه العمل نفسه في دول المهجر مع امتيازات أخرى وظروف عمل مريحة، ابرز اسباب هذا النزيف.

وفجوة الأجور هذه تتوسع باستمرار منذ سبعينيات القرن الماضي لتتضاعف بأربع مرات وأكثر في الوقت الحالي.

كما ان سلم الاجور في القطاع العام يشهد اختلالا كبيرا، اذ تعاني الكفاءات من رواتب لا تتماشى مع خبراتهم ولا تثمن تصحيلهم العلمي.

والمناخ في تونس، والذي يشهد تدهورا مستمرا وتفاقما للاضرطرابات السياسية والاجتماعية وموجات العنف يشكل ايضا وقودا للهجرة بشكل عام، ولهجرة الادمغة بشكل خاص.