قنابل دخانية عابرة

قنبلة جديدة من النوع الذي عودنا عليه المرشد الأعلى الإيراني ومساعدوه العسكريون والسياسيون أطلقها نائب قائد الحرس الثوري، الجنرال حسين سلامي، حين خاطب الإسرائيليين قائلا: "الأيادي على الزناد، وصواريخنا جاهزة للإطلاق، أنتم محاصرون، وتعيشون في فم الثعبان، لا تعقدوا أمالاً على أميركا وبريطانيا، لن يبقى لكم أثر عندما يَصِلون. في حال اندلاع حرب كونوا على يقين بأنها ستؤدي إلى محوكم".

والسبب القوي الذي يقنعنا بأنها واحدة من قنابل الإيرانيين الدخانية هو أن النظام الإيراني، ومعه وكلاؤه العراقيون واللبنانيون والسوريون واليمنيون، ظل عشرات السنين، يهتف بحرقة وحماس "الموت لإسرائيل" دون أن يفعل أحدٌ من كل هؤلاء أيَّ فعلٍ حقيقي يُذكر لتحرير فلسطين ورمي إسرائيل في البحر، كما يَعدون.

وتهديدات الإيرانيين، وما قابلها من تهديدات نتياهو، إذا ما صحت، فإنها تعني أن إسرائيل وإيران قد اتخذتا قرارهما المصيري القاطع بخوض معركة إنهاء وجود أحدهما في القريب العاجل، دون ريب.

ولكن الذي يمنع الطرفين من خوضها شيء مهم حقيقي واقعي لا يمكن تجاوزه أو إنكاره، هو رخاء المواطن الإسرائيلي وخوفُه عليه من حروبٍ جديدة ذاق مرارتها كمن قبل، وتعاسة المواطن الإيراني الذي لم يعد يتحمل مزيدا منها بحرب يخوضها النظام الفاشل، لا من أجل فلسطين ولا غيرها.

وحربٌ من النوع الذي رسم كثيرٌ من زملائنا الكتاب والمحللين أبعادها وتفاصيلها، وأكدوا قرب اشتعالها بين إسرائيل ونظام ولاية الفقيه، لا بد أن تكون شاملة وحازمة وحاسمة، ولا بد أن تكون من أول الخائضين فيها أميركا، وربما أوروبا، ليس في سوريا وحدها بل في العراق ولبنان أيضا واليمن وفلسطين.

وقد ترى جيوشٌ أخرى وأحزاب ومنظمات وعشائر عربية أن فرصتها الذهبية المواتية للخلاص النهائي من الكابوس الإيراني تفرض عليها أن تنخرط في هذه الحرب، حتى لو كانت المستفيدة النهائية منها أميركا وإسرائيل، على قاعدة "عدو عدوي حبيبي"، وأن تتحمل نتائجها، أيا كانت، وأيا كان ثمنها، لتحرير حاضرها ومستقبلها من غزو فارسي أهوج لا يُحتمل.

ولا بد لحربٍ بهذه السعة والجدية أن تقلب المنطقة، كلَّها على أعقابها، فتختفي أنظمة، وتتبعثر دول، وتظهر أخرى بديلة.

والقيادة في طهران، رغم حماقاتها الدائمة، ليست على درجة من السذاجة لكي تعمى عن هذه الحقيقة الصارخة. ولا الإسرائيليون أغبياء وحمقى إلى هذا الحد، أيضا.

ولكي نقتنع بأن هذا ما يريده الإسرائيليون والأميركان والإيرانيون، صدقا وواقعا، يتوجب علينا أن نطرح ثلاثة أسئلة:

الأول، هل حقا تستطيع إيران وإسرائيل تحمل الكلفة العسكرية والبشرية والاقتصادية والسياسية لحرب مصيرية من هذا النوع، وبهذه الشمولية، وفي هذا الوقت بالذات؟

والثاني، أين ستقف روسيا والصين وديكتاتورياتٌ وإقطاعيات أخرى دولية وإقليمية تقضي مصالحُها بمناصرة من يحارب أميركا وإسرائيل، حتى لو كان الشيطان نفسَه، على قاعدة "عدو عدوي حبيبي" أيضا؟

والثالث، هل صحيح أن حاجة إسرائيل وأميركا وحليفاتهما الأوروبيات قد انتفت لوجود إيراني من هذا النوع لتمزيق الأرض وأهلها في المنطقة، بفوضويته وتهديداته وحروبه وتدخلاته العدوانية المتواصلة، وصار مقبولا لديها أن تتخفف الأمةُ العربية من أعباء الوجود الإيراني الطائفي الإرهابي الثقيل الذي أنقض ظهرها، واستنزف، وما زال يستنزف، ثرواتها وطاقاتها وجيوشها؟

وبالعودة إلى ما أثبته التاريخ، نجد أن الخميني، من أول يومٍ هبطت فيه قدمه على أرض مطار طهران، قبل نصف قرن من الزمان، صاح بحرقة وحماس "الموت لإسرائيل"، وظلت تهتف معه حشودٌ هائلة من خدمه ومساعديه، وملايين أخرى من الإيرانيين الذين صدقوه وآمنوا بولايته، مع لبنانيين وعراقيين وسوريين وفلسطينيين أحسنوا الظن به وبرسالته الثورية، ولم يفعل أحد منهم شيئا ذا قيمة لبلوغ ذلك الهدف.

فأين كانت إسرائيل، ومعها أميركا وأوروبا، وهي ترى وتسمع إيران الخميني، ومن بعدها إيران خامنئي، تقترب، يوما بعد يوم، من تحقيق هدف إزالة إسرائيل من الوجود، وليس تهديد أمنها فقط؟

خصوصا وأن الإسرائيليين والأميركان والأوربيين لم يَكفّوا، عاما بعد عام، من التشكي بأن الإيرانيين ضالعون بتهريب الصواريخ والقنابل المحللة والمحرمة، معا، وتكديسها من حول إسرائيل؟ فكيف نصدق بأن الإسرائيليين يخافون على وجوده دولتهم وليس على أمنها وحده؟

إلا أن يكون سببُ استرخاء الإسرائيليين هو أن قائد الجيش الإيراني اللواء عبدالرحيم موسوي حدد موعد زوال إسرائيل بمدة أقصاها 25 عاما، وفي هذا وجد نتنياهو ووزراءه متسعا من الوقت، ليُعدوا لذلك الموعد البعيد ما يستطيعون من قوة ومن رباط الخيل.

خصوصا وأن نتنياهو تعود على قنابل نظام الولي الفقيه الدخانية التي يحتاج إليها، بين الحين والآخر، كلما اهتزت جبهته الداخلية، وتكاثر عليه المصاعب والتحديات، لإلهاء جماهير المنتفضين الإيرانيين، في الداخل، وأعدائه الكثرين المتحفزين للانتفاض عليه، في الخارج.

والخلاصة التي نبشر بها زملاءنا الكتاب والمحللين الذين أكدوا وقوع الحرب، وشيكا، بين الإيرانيين واليهود، هي أنها لن تقع، على الأقل من الآن وحتى العام 2043، فاستريحوا.