كردستان روژئافا وموازين القوى في المنطقة

فجأة اكتشف العالم أن لا قيمة لتضحيات الأكراد في مواجهة داعش.

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سحب قواته من روژئاڤا كسر قاعدة سيطرة اميركا على الشرق الأوسط بسبب تداخلات قوى إقليمية اخرى في المنطقة وبالاخص في المناطق التي حاربت فيها داعش العراق وسوريا، فنرى التدخل الإيراني والروسي والتركي والسعودي ودول اخرى والتي تجمع على عدم انشاء قوة كردية في المنطقة.
وفي الوقت الذي كان كرد روژئافا يحاربون داعش، سيطرت داعش على اغلب المناطق العربية الا ان الكرد لم يتوقفوا عن محاربتهم عند حدود روژئافا بل شملت الحرب كل المناطق التي سيطر عليها داعش والى ان انهوا التواجد الداعشي في سوريا، وكان كل ذلك بمساندة دولية وعلى رأسها اميركا.
وبعد عقد قمة سوتشي بين روسيا وايران وتركيا والتي تم خلالها الاتفاق على تسوية وتوحيد الجهود للقضاء على المكاسب التي حققها الكرد في روژئافا، جاء موقف ترامب المعزز والمساند لتحقيق ذلك.
ارى ان موقف ترامب ادى الى خسارة اميركا لحلفائها في المنطقة، الامر الذي سيكون له تداعيات سياسية واقتصادية سلبية وان معالمها اصبحت واضحة عند سفر بوتين الى السعودية ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الى ايران والتي تزامن ذلك باتفاق روسي سوري على قيام الاخير بفرض سيطرته على روژئافا بحجة إنهاء مخاوف اردوغان فيها وبذلك جعل الكرد في وضع مجبر على القبول بهذا القرار غير الوجداني خاصة مع التطورات الجديدة وطروحات أميركية غير مطمئنة للكرد كطرح الدبلوماسي الاميركي روبرت فورد والذي يؤكد فيه على ان الكرد عليهم ايجاد حليف اخر لهم، وقد اعتبر محاربة الكرد لداعش من اجل أنفسهم فقط وان اميركا ساعدت الكرد في تحقيق ذلك. بمعنى ان الكرد لم يحاربوا داعش من اجل العالم وبمعنى ان اميركا غير مسؤولة عن حقوق الكرد او استقرار المنطقة ولا الحفاظ على حقوق الانسان فيها فضلا عن انه اشار الى ان العالم يتفهم سياسة تركيا في المنطقة.
وعند دخول جيش تركيا وقصفه للمدن الكردية وقتل المدنيين بالجملة مع سكوت دولي وترك تركيا تتفرد بمصير كردستان روژئافا، بدا وكأن الامر محبوك من كل الأطراف لرضخ الكرد وجعلهم امام خيار لا ثاني له.
المعادلة في غاية الصعوبة وغير منصفة ابدا في وقت أعطت روژئافا 11 ألف الى 12 الف شهيد وتقبل بالرجوع الى بشار الاسد وتحت إمرة الجيش الذي يدعونه بالجيش العربي وكأن شي لم يحصل، هنا سؤال يفرض نفسه وبقوة: هل يعقل ان روژئافا تخسر كل مكتساباتها التي اتت بتضحيات جسيمة وتتنازل عنها مقابل حكومة سابقة ظالمة وجيش ملطخ اصلا أيديه بدماء السوريين؟
في اول وهلة يمكننا القول ان التنازل كان من اجل حقن الدماء ولكن عندما ناتي ونحسب حسابات بعيدة المدى نرى ان الخسارة اكبر بكثير من أي تنازل تقوم به كردستان روژئافا فتركيا وسوريا وجهان لعملة واحدة. كلا الطرفين لها تاريخ دكتاتوري في التعامل مع الكرد، في المقابل كردستان روژئافا لا تحتاج أي قوات مساندة في محاربتها لجيش تركيا سوى الحظر الجوي فان تحقق الاخير مع إدامة المقاومة وكسب الرأي العام العالمي لابد للقوى الدولية ان تدخل على الخط وتقوم بمنع استمرار الحرب وسحب تركيا قواتها.
ارى ان تركيا خاطئة جدا في سياستها نحو كردستان روژئافا فتركيا لها علاقات اكثر من جيدة مع اقليم كردستان والاخيرة لم تسبب أي زعزعة لأمنها واستقراراها وبذلك احتفظت تركيا بحليف داخل العراق بينما اذا سيطرت قوات بشار الاسد على روژئافا سيختل توازن تركيا في المنطقة وستخسر اهم منطقة جيوبوليتيكة لصالح ايران.