كيف رصدت الصحافة المصرية الأحداث السياسية والاجتماعية؟

دراسة للباحثة الزّهراء أحمد رشاد تتطرق الى المفاهيم السياسية والاجتماعية في عينة من الصحف المصرية اليومية والأُسبوعية المنتمية لتوجهات مختلفة للكشف عن التطور الذي لحق بها سواء بالظهور أو الاختفاء.
الباحثة تركز على عينة زمنية تمتد من 2011 الى 2017 نظرا لتنوّع الأحداث التي شهدتها مصر خلالها

تأتي أهمية هذه الدراسة "المفاهيم السياسية والاجتماعية في الخطاب الصحفي" للباحثة الزّهراء أحمد رشاد، انطلاقا من تفاعل هذه المفاهيم سياسية أو اجتماعية مع السياق المجتمعي العام، والزمان والمكان، وتطورها بتطور الأحداث وأولويات القضايا والاهتمامات المجتمعية، وما يفرضه ذلك على المعالجة الصحفية لهذه المفاهيم، وطرحها ومناقشتها في إطار متطلبات النشر الصحفي، وخصائص القراء ودوافعهم واحتياجاتهم، ومدى تفهم الكاتب لكل ذلك، والتزامه بمواثيق الممارسة المهنيّة، واهتمامه بتحليل وتفسير ما يجري من أحداث وقضايا في كل المجالات السياسية والاقتصاديّة والاجتماعية والثقافية. خاصة تلك التي تكون محل الاهتمام لدى جماهير القراء والتي تطرحها وتفرضها الأحداثُ والقضايا المختلفة.
 وتحتاج إلى المزيد من الشرح والتحليل، والتعرف على وجهات النظر المختلفة نحوها، خاصة تلك المفاهيم الجدليّة، أو التي تتراجع أولويّة الاهتمام بها، ثم تعود لتطفو على السّطح مرة أُخرى، وتحتاج إلى تفسير وتذكرة، أو تلك التي يكتنفها التطوّر والتغيير على مرّ الوقت، وما يتضح من معلومات تصحّح وتضيف أو تنفي، بناء على ما اتضح من معلومات، وما توافر من دلائل، وما أسفر عنه العلم والخبرات الحياتيّة.
أوضحت الباحثة في دراستها الصادرة عن دار العربي أنه "لما كان المفهوم مرنا يحتمل التغيير والإضافةَ والحذف وإعادة الترتيب والنظر إليه والتعامل معه، من خلال منظور مختلف، وأُطر جديدة وزوايا مختلفة، نظرا لتفاعُله مع الواقع السّياسي والاجتماعي السائد.
 لذا كان الهدف الرئيسي للدراسة رصد المفاهيم السياسية والاجتماعية التي تضمّنها الخطاب الصحفي في عينة من الصحف المصرية اليومية والأُسبوعية، والكشف عن مدى التطور الذي لحق بهذه المفاهيم، سواء بالظهور أو الاختفاء، في ضوء ارتباطها بالأحداث السّياسية والاجتماعية المطروحة، أو في ضوء اختلاف الصحف وتنوعها، أو في ضوء اختلاف الكُتابِ وتوجهاتهم الفكرية وخلفياتهم التعليمية والثقافية، ومواقعهم الوظيفية.
تمثلت عينة الدراسة من الصحفِ في صحف "الأهرام"، و"الوفد"، و"الأهالي"، و"الشروق الجديد"، و"صوت الأمة"، بالإضافة لصحيفة "الحرية والعدالة" فترة حكم الاخوان المسلمين.
 وقد راعت الباحثة في اختيار عينة الصحف تمثيلها لتوجهات وأنماط ملكية مختلفة، ما بين صحف قومية وحزبية وخاصة، بما يسمح للتنوّع الفكري للصحف، وتناولها المفاهيم نفسَها من زوايا مختلفة، تعكس اتجاهاتِ كُتابها وتخصصاتهم وخلفياتهم.
وتمثلت العينة الزمنية في الفترة ما بين عامي 2011و2017، نظرا لامتداد هذه الفترة الزمنية وتنوّع الأحداث والقضايا، التي شهدها المجتمع المصري خلال هذه الفترة.
 لذا قسمت الباحثة هذه الفترة الزمنية الممتدة إلى أربع فترات زمنية فرعية الفترة الزمنية الأولى شملت العام ونصف التاليين على ثورة 25 يناير 2011 والتي تولى فيها السلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بدءا من يوم 11 فبراير 2011 وانتهت بإجراء الانتخابات الرئاسية في يونيو 2012 والفترة الزمنية الثانية التي تولى فيها محمد مرسي مرشح الإخوان حكم مصر والتي استمرت على مدار عام من يونيو 2012 وحتى يونيو 2013.
 ثم الفترة التالية على ثورة 30 يونيو 2013 والتي بدأت بتولي المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا في يوليو 2013 وحتى إجراء انتخابات الرئاسة في يونيو 2014 ثم الفترة الرئاسية الأولى للرئيس عبدالفتاح السيسي منذ إجراء الانتخابات الرئاسية يونيو 2014 وحتى نهاية فترة رئاسته الأولى 2017 قبيل الاستعداد للانتخابات الرئاسية عام 2018.
وأكدت الباحثة أن الهدف من ذلك المقارنة بين عرض هذه المفاهيم في فترات زمنية مختلفة، إلى جانب الكشف عن ترتيب المفاهيم وأولويات ظُهورها واختفائها، طبقًا لأولويات الأحداث والقضايا المطروحة في كل فترة زمنية.
جاءت الدراسة في خمسة فصول رئيسية، عرض الأول "الواقع السّياسي والاجتماعي في مصر خلال الفترة من 2011 إلى 2017"، الأحداث والقضايا، التي شهدها المجتمع المصري في أربع فترات زمنية، حيث اشتمل هذا الفصلُ على أربعة مباحث، يعرض كل مبحث كل فترة من هذه الفترات الزمنية.
 فيما تناول الثاني "المفاهيم السّياسية والاجتماعية في الخطاب الصحفي المصري خلال الفترة من 2011 إلى 2017"، من خلال أربعةَ مباحث، المفاهيم السّياسية والاجتماعية في الخطاب الصحفي في كل فترة زمنية من الفترات التي تنقسم إليها الدّراسة. 
وناقشت الباحثة في الفصل الثالث "تطور المفاهيم السياسية والاجتماعية في الخطاب الصحفي المصري خلال الفترة من 2011 إلى 2017"، جوانب تطور المفاهيم السياسية والاجتماعية في خطاب صحف الدراسة حيث تؤثر عدة عوامل ومتغيرات في تناول وطرح الخطاب الصحفي للمفاهيم السياسية والاجتماعية مثل ارتباطها بالأحداث والقضايا التي شهدها المجتمع المصري خلال فترة الدراسة مما يؤثر عليه بالظهور والخفوت أو باختلاف الصحف وتعدد وتنوع أنماط ملكيتها ما بين قومية وحزبية وخاصة أو باختلاف الكتاب ومواقعهم الوظيفية وما لذلك من تأثير في كيفية عرض وطرح نفس المفهوم.
وتناولت في الفصل الرابع طرح وتقديم صحيفة الحرية والعدالة وصحيفة وطني للمفاهيم المرتبطة بشكل الدولة وهويتها، حيث تم اختيار صحيفة وطني المعبرة عن المسيحيين بشكل غير رسمي أي أنها لا تمثل الكنيسة بشكل رسمي، وكذلك صحيفة الحرية والعدالة لسان حال حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الاخوان. 
وقد تم اختيار قضية شكل الدّولة المصرية بعد ثورة 25 يناير 2011 واحدة من أبرز القضايا المطروحة، خاصة مع الخطوات التي اتخذت لتعديل دستور مصر الصادر عام 1971، بدءا بقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتشكيل لجنة لتعديل الدستور ذات توجه إسلامي، برئاسة المستشار طارق البشري، وعضوية أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين. 
وقد صاحب استفتاء التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011، حشد ديني، وتصاعدت القضية مع فوز التيار الديني بأغلبية البرلمان بغرفتيه (الشعب والشورى)، وتخوّف التيارات المدنية من أحزاب يسارية وليبرالية وقوى شبابية من غلبة التيارات الدينية على لجنة كتابة الدستور، وكيف سيتم صياغة ما يتعلق بمدنية مصر في الدستور الجديد، ونتيجة لذلك صدرت عدة وثائق للاسترشاد بها عند كتابة الدستور، مثل وثيقة الأزهر المعبّرة عن رأي الأزهر، ووثيقة الدكتور علي السلمي، وكان النص على مدنية الدولة موضع الخلاف بين القوى السياسية والشعبية، هل سيتمّ النص على أن مصر دولة مدنية، أم ذات مرجعية إسلامية؟.
وهكذا بحث هذا الفصل كيفية معالجة الصحف ذات التوجه الديني للمفاهيم المتعلقة بقضية هوية الدولة من دولة مدنية وما يقابلها من دولة دينية ومفاهيم العلمانية، فقد ظهرت العديد من القوى السياسية بعد ثورة 25 يناير 2011 ما بين قوى شبابية كان لها دورا في ثورة 25 يناير وأحزاب تقليدية إلى جانب التيار الديني الذي تصاعد دوره بشكل ملحوظ مع سيطرته على لجنة كتابة الدستور ومجلسي الشعب والشورى.وظهر الخلاف بين هذه القوى حول شكل الدولة وطبيعتها وهل ستكون دولة مدنية أم دولة دينية وظهر ذلك الخلاف بشكل ملحوظ بين التيار الديني الإسلامي والمسيحيين إلى جانب بعض القوى المدنية.وقد اقتصر التحليل على المقالات والأعمدة الصحفية لما لهم من قدرة على توضيح الفكرة التي يريد منتج الخطاب توصيلها للمتلقي كما أشارت الدراسات السابقة.
 وقد بلغ إجمالي المادة التي تم تحليلها في 11 مادة صحفية حيث اقتصر التحليل على مقالات وأعمدة الرأيالتي ظهرت فيها مفاهيم الدولة المدنية والدولة الدينية والعلمانية بشكل صريح.
وخلصت الباحثة من تحليلاتها في هذا الفصل إلى أن الاختلاف ظهر واضحا بين صحيفتي وطني والحرية والعدالة في بيان المفاهيم المتعلقة بقضية هوية الدولة فظهر الدفاع عن الدولة المدنية وبيان أسسها وركائزها من حريات وتداول للسلطة ورفض سيطرة الحزب الواحد بصحيفة "وطني" كما ظهر الدفاع عن النظام العلماني باعتباره يوازن بين السياسة والدين ولا يسعى الى تهميش الدين. وأكد الخطاب أن الأقباط كانت لهم محاولات لاستعادة الدولة المدنية في التاريخ الحديث لكن بعض القوى تصدت لمحاولات الأقباط وظهرت التخوفات داخل صحيفة "وطني" من صعود تيار الإسلام السياسي بعد ثورة 25 يناير وسيطرتهم على اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور ومجلسي الشعب والشورى. وكان هذا على النقيض من صحيفة "الحرية والعدالة" التي رفضت رفضا باتا فكرة العلمانية واعتبرتها تهميشا للدين ورفضت فكرة الفصل بين السلطة السياسية والسلطة الدينية ودعت إلى إعمال حق المواطنين في اختيار نظام الحكم ببلدهم ودعت إلى دولة مدنية بمرجعية إسلامية واعتبرت أنه لا تناقض بين هذه المرجعية والدولة المدنية ورفض بعض كتاب صحيفة الحرية والعدالة مفهوم الدولة المدنية واعتبروا أنه اصطلاح يطلق للتخفيف من حدة وطأة مصطلح العلمانية.
وحللت الباحثة في الفصل الخامس والأخير "معالجة الخطاب الصحفي لمفهوم الإرهاب خلال الفترة التالية على ثورة 30 يونيو 2013"، أوجه الاختلاف والتشابه في الأطروحات التي قدمتها مجموعة من الصحف المصرية لمفهوم الإرهاب في الفترة التالية على ثورة 30 يونيو 2013 وحتى نهاية 2016. وقد تمثلت الصحف التي تم تحليل هذا المفهوم بها في الأهرام، الوفد، الأهالي، الشروق، وقد تم التحليل باستخدام تحليل المضمون فئات ماذا قيل؟ وكيف قيل؟ ومن الذي قال؟وقد تم اختيار مفهوم الإرهاب بالتحديد نظرا لأهمية ذلك المفهوم لدى المجتمع المصري وما كان لذلك انعكاس على الخطاب الصحفي، بسبب العمليات الإرهابية التي قامت بها التنظيمات المتطرفة في الشارع المصري وبالتحديد بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس 2013.