كيلوغرام يورانيوم لكن المقابل لا شيء

كيلوغرامات إيران من اليورانيوم المخصب هي عبء على ظهور مناصريها المضللين أكثر من أن تعني شيئا في السياسة الدولية.
ايران توجه ألغامها إلى الرأي العام العالمي بشقيه المناهض والمناصر
ليس مستبعدا ألا تكون إيران قد حققت شيئا أو أنها تجاوزت بالفعل الحد المسموح به دوليا

لا أفهم السبب الذي يدعو إيران إلى الإعلان عن كمية مخزونها من اليورانيوم المخصب ودرجة تخصيبه. ليست هي الشفافية بكل تأكيد. لم تكن إيران يوما نزيهة في تعاملها مع المنظمات الدولية فكيف إذا تعلق الأمر بالسلاح النووي الذي هو موضوع نقاش وتجاذب عالميين. وإيران لا ترغب في أن يقف شيء أو أحد كائنا من يكون عائقا دون أن تصل إلى هدفها "قنبلة نووية إسلامية لكنها ستكون هذه المرة شيعية كما تزعم إيران، فارسية في حقيقة أمرها". فرق خفي لا يستحق كثير تأمل بالنسبة للغرب وهو الطرف الثاني في الاتفاق النووي الذي صار سابقا بسبب محادثات فيينا التي ستدبر اتفاقا نوويا لاحقا لن يكون أفضل من سابقه بالنسبة للجهات المتضررة من النشاط الحربي الإيراني. وفي مقدمة تلك الجهات يقف العالم العربي وتضع إسرائيل نفسها على الخط نفسه. 
تقول إيران إنها انتقلت من مستوى العشرين بالمئة إلى مستوى الستين بالمئة في طريقها إلى أن تصل إلى التسعين بالمئة وهي الدرجة الكافية لصنع قنبلة نووية. ترافق ذلك الإعلان رغبة إيرانية متشنجة في عدم تدخل المفتشين الدوليين في شؤونها النووية. علما بأنها أوقفت أعمال التفتيش غير مرة بناء على قرارات يتخذها مجلس النواب الذي هو احدى واجهات النظام المتعددة ذات الواجبات التي تختلف في درجاتها غير أنها تنتمي إلى النوع نفسه. هناك إذاً شيء من التناقض بين الأمرين. لكن الحديث عن ذلك التناقض غير صحيح. إيران لا ترغب أن يكتشف العالم بنفسه حقيقة ما تفعل على مستوى تخصيب اليورانيوم لذلك فإنها ترمي أخبار ما تصل إليه من نتائج في طريقه لتعيق تقدمه في الكشف عن نواياها وقد لا تكون تلك الأخبار صحيحة في الاتجاهين السلبي والايجابي. فليس من المستبعد أن لا تكون إيران قد حققت شيئا في ذلك المجال كما يمكن أن تكون قد تجاوزت الحد المسموح به دوليا. لذلك يمكن القول إنها تلعب بطريقة مكشوفة مع دول تملك القدرة على أن تصل إلى الحقيقة من غير الحاجة إلى تمييز الطالح من الصالح في أقوال السياسيين وعلماء الذرة الإيرانيين. 
بناء على تلك المعلومة التي توضح معرفة الطرفين الإيراني والغربي بأن كل خبر ملفق في ما يتعلق بالأنشطة النووية سيُقابل بالسخرية من قبل المنظمات الدولية المختصة، يمكن القول إن إيران توجه ألغامها إلى الرأي العام العالمي بشقيه المناهض والمناصر لها ظانة بأنها ستخلق نوعا من الحراك الذي سينتج سؤالا حائرا يتعلق بما يسعى الحرس الثوري إلى الاستئثار به من جهة كونه قضية إنسانية في إيران. بمعنى حق إيران في الدفاع عن ثورتها بالطرق التي تناسبها. شيء من ذلك القبيل الذي لم يعد القبول الاستثنائي به محل احتفاء بالنسبة للكثيرين. فليس من باب الكيدية أن يُقال إن إيران هي واحدة من أكبر الدول التي تمول الإرهاب وليس من باب الخوف المرضي أن تشعر دول عديدة بأن إيران هي الدولة الأكثر خطورة في العالم وأن أعظم ما فعله رئيس أميركي على مر العصور ما قام به الرئيس ترامب حين أمر بقتل قاسم سليماني. كان ذلك القتل بمثابة اعتراف أميركي بأن سليماني هو بن لادن الشيعي. 
تتحدث إيران عن اليورانيوم بالكيلوغرامات كما لو أنها فتحت متجرا لبيع الأسلحة لكن من طراز خاص. فالمادة ليست معروضة للبيع الآن. الآن فقط ولكنها قابلة للانتشار غدا. ستكون جزءا من حرب عقائدية لم يعد العالم قادرا على التعامل معها باعتبارها حدثا مقبولا. ما جرى للعالم العربي حين سمح الغرب مستعينا بالظرف التاريخي لإيران أن تفعل ما تشاء وبالأخص على مستوى نقل صواريخها البالستية إلى ميليشياتها في اليمن ولبنان والعراق وغزة لا يمكن أن يكون مقبولا لو تجاوز حده في اتجاه السلاح النووي خارج حدود العالم العربي. سيكون على إيران أن تعيد النظر في حساباتها. فهي تبتز طرفا أقوى منها وهي تهدد بالفناء دولا قادرة على أن تمحوها هي وسلاحها النووي وفي مقدمة تلك الدول تقف إسرائيل. 
ولكن إيران لا ترغب في أن تكون كيلوغراماتها من اليورانيوم المخصب سببا في تعقيد أو تعثر محادثات فيينا، لذلك فإنها يمكن أن تنكر كل ما قاله سياسيوها وخبراؤها إذا ما طلب منها القيام بذلك. وبما أن ذلك لم يحدث فإنها مستمرة في اللعب الذي لن يعتبره الغرب حجة عليها. كيلوغرامات إيران من اليورانيوم المخصب هي عبء على ظهور مناصريها المضللين أكثر من أن تعني شيئا في السياسة الدولية.