لابد من لقمان سليم ليُقتل

لم يقاتل لقمان سليم أشباحا لذلك لم يكن قتلته أشباحا.
لقمان سليم قال الحقيقة كاملة من غير حذف أو سهو أو نقصان
أغتيل لقمان سليم لأسباب معروفة وقتلته لا يحتاج الكشف عنهم إلى بذل جهد كبير.
انتصر لقمان سليم عليهم حين أضطرهم إلى أن يكشفوا عن ابتذالهم ووضاعتهم وتدني أخلاقهم

أكان اغتيال لقمان سليم ضروريا من أجل أن يتم لبنان دورته في العنف وتصمت الأصوات المناهضة لهيمنة السلاح الذي سرق الدولة؟

سيُقال إنه لم يكن سوى باحث وكاتب وناشر كتب فلمَ كل هذا العناء؟

مغامرة القتل باعتباره جريمة قد تؤدي إلى فضيحة. ولكن القتلة كما يبدو لا يخشون الفضيحة. فالجريمة وقعت على أرضهم. في دولتهم المحكومة بأجهزة أمنية تتقن عملها في اصطياد اللبنانيين المعارضين وغير المعارضين.

ليس المطلوب أن يكون في لبنان معارضون. لقد حسمت الطبقة السياسية الخانعة أمرها وسلمت قياد البلد لحزب الله وصارت إيران هي السقف.

غير أن الممثل الرسمي لإيران في لبنان كان أكثر ديمقراطية من الآخرين بحيث أنه يسمح بالكلام المزعج لكن في حدود معينة.

تضيق تلك الحدود وتتسع غير أن حزب الله كان يمارس من خلالها سخريته من الحقيقة التي يجب أن تظل ناقصة.

لقمان سليم قال الحقيقة كاملة من غير حذف أو سهو أو نقصان. ما كان اللبنانيون يتداولونه همسا وفي الغرف المغلقة قاله سليم بصوت عال وأمام عدسات التصوير. وكان في ذلك مخلصا لوظيفته التاريخية. وظيفة المثقف العضوي في اللحظات الحرجة.

حمل سليم الفانوس وحيدا في ليل لبنان.     

"أن يقتلوه" كان ذلك متوقعا بل ومعلنا من قبل أفراد القطيع الذين تظاهروا أمام بيته الذي يقع في "حارة حريك" حيث المربع الأمني لحزب الله. لقد وضعوه يومها في سلة شيعة السفارة الأميركية وكان قتله متاحا. لم يكن كائنا من حديد. رصاصة واحدة تكفي لصنع جريمة كاملة.

ولكن لا أحد في إمكانه الآن أن يتكهن بالسبب الذي كان يجعله يثق بسلامته "لن يجرؤا على قتلي". لا يا لقمان إنهم أسوأ مما تظن وأكثر خساسة. حين قتلوك لم يغدروا بك فجأة. لقد نفذوا قرارهم الذي تعرفه.

كانوا قتلة صغارا، الوضاعة هي شيمتهم العليا ولم يكونوا نبلاء ليفهموا درسك. لا يزال لبنان ممكنا. لبنان الذاهب بتنوعه إلى الحرية. حريته وحرية الآخرين الذين كانوا يلجأون إليه. لم يكونوا برفعة ما حلمت به من أفكار تنويرية، تصورتَ أن في إمكانك أن تحولها إلى نهج حياة ليستعيد لبنان صورته ومضمونه وكفاءة حضوره في العالم العربي.

لقد قزموا لبنان فكان أصغر من حجمه الجغرافي بكثير. كانوا قد حملوه في جيوبهم وذهبوا به إلى طهران في الوقت الذي كنت تراه فيه كبيرا بل وأكبر من طوائفه وأحزابه ونحله. لم يقل لقمان لمَن يرون فيه خصما "لكم لبنانكم ولي لبنان" كان يريد لبنانا واحدا وموحدا يضم الجميع ويحنو على الجميع من غير أن يقمع طرف الأطراف الأخرى ويتآمر عليها بالسلاح ويسلبها حقها في المواطنة والعدالة والاجتماعية ويغتصب سيادة الدولة.

أغتيل لقمان سليم لأسباب معروفة وقتلته لا يحتاج الكشف عنهم إلى بذل جهد كبير. هم شياطين حزب الله. ليس هناك من عدو آخر للقمان سوى حزب الله. كان الرجل صريحا في رفضه للسياسات الفاشية التي يتبعها الحزب وكان الحزب قد أرسل رسائل بمختلف الوسائل إليه يؤكد من خلالها أنه صار هدفا للقتل إذا لم يتخل عن الظهور بصورة المحارب العنيد.

لا أحد يملك مصلحة في قتل لقمان سليم سوى حزب الله.

قد يكون ذلك هو السبب الذي دفع سليم إلى أن يثق بأن خصومه لن يجرأوا على قتله. ذلك أمر محتمل. ولكن ثقته لم تكن في محلها. لقد قتلوه. لم تقف بينهم وبين القتل حقيقة أنه كان على أرضهم وأن أحدا سواهم لا يجرؤ على ارتكاب جريمة على تلك الأرض أو حتى الاقتراب منها مسلحا.

انتصر لقمان سليم عليهم حين أضطرهم إلى أن يكشفوا عن ابتذالهم ووضاعتهم وتدني أخلاقهم وانحطاط قيمهم فقتلوه في المكان الخطأ وفي اللحظة الخطأ.

فإذا كان حزب الله قد هيمن على لبنان بجيشه ومطاره وموانئه وأجهزته الأمنية وقصر رئاسته وسرايا حكومته ومقر مجلس نوابه ووزاراته ومصارفه بما يمكن أن تفعله قوة احتلال اجنبي وهو كذلك بحكم ارتباطه بإيران فهل من المعقول أن يخيفه صوت معارض واحد؟

من الصعب التفكير في لقمان سليم باعتباره صوتا واحدا. إنه صوت وطن وصوت شعب وصوت تاريخ. وهو ما أقض مضجع حسن نصر الله شخصيا. وحين الرجوع إلى كل معطيات الجريمة فإنها ما كان لها أن تُنفذ إلا بعد أن صدرت الأوامر العليا من حسن نصرالله شخصيا.

لم يقاتل لقمان سليم أشباحا لذلك لم يكن قتلته أشباحا.