لا انتخابات مبكرة في العراق

لا توافقات للكتل السياسية على قانون انتخابات يلبي طموحها وتضمن فوزها، ولا تفاهم الكتل على إيجاد نوع من "الصلح" بين المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى. عن أي انتخابات نتحدث؟
الأزمة أكبر من مجرد خلاف سياسي بشأن موعد الانتخابات المبكرة
قانون المحكمة الاتحادية يوجب ألا يكون انعقادها صحيحا إلا بحضور جميع أعضائها

لو فرضنا ان الكتل السياسية العراقية اتفقت على التعديلات في قانون الانتخابات، ولنفرض ان تلك الكتل اتفقت أيضا على موعد محدد لاجراء الانتخابات المبكرة، ولنفرض أيضا انه تم توفير المليار دولار التي تطالب بها مفوضية الانتخابات قبل الموافقة على اجراء الانتخابات، نقول لنفرض ان كل ذلك تم الاتفاق عليه، ومع ذلك فان الانتخابات المبكرة لم ولن تجري على الأقل خلال هذا العام والنصف الأول من العام المقبل.

واذا ما سألتم عن سبب ذلك، نقول هناك سبب مهم وربما لم تنتبه له الكتل السياسية المتصارعة على المناصب والمكاسب دون الانتباه إلى قانون المحكمة الاتحادية الذي لا يسمح باجراء الانتخابات المبكرة ولا حتى اية انتخابات أخرى حتى لو أراد ورغب بذلك الرئاسات الثلاث!

وكلامي أعلاه ليس انشائيا، وهاكم الأدلة والبراهين.

نقول، برغم ان اغلب رؤساء الكتل يطالبون بالانتخابات المبكرة الا ان الحقيقة خلاف ذلك تماما، فهذا النائب عن تحالف "سائرون" المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بدر الزيادي يقول "بصراحة كل القوى السياسية لا تريد إجراء هذه الانتخابات"، مضيفا أن "القوى السياسية تريد إبقاء الوضع على ما هو عليه حالياً، من دون الذهاب إلى الانتخابات المبكرة، ولهذا تجد هناك مَن يعرقل إكمال تشريع قانون الانتخابات الجديد".

على الصعيد ذاته قال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني عرفات كرم في تغريدة على "تويتر"، أن "الأحزاب التي تخشي على مستقبلها السياسي ستعرقل إجراء الانتخابات المبكرة إلّا إذا ضمنت مقاعد لها بالتزوير كما حصل في الانتخابات السابقة".

تصريحات النواب ومن مختلف الكتل السياسية كلها تشير إلى عدم رغبة تلك الكتل باجراء الانتخابات المبكرة.

حسنا... ومع ذلك نقول لنفرض ان الكتل السياسية اتفقت على تعديل قانون الانتخابات واتفقت على اجرائها وفق صيغة الدائرة الواحدة وليس تقسيم المحافظة إلى عدة دوائر وهو ما ترفضه الكتل التي تخشي خسارة الانتخابات، لكن نقول لنفرض ان الكتل اتفقت على ذلك برغم ان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي اجتمع الأسبوع الماضي مع رؤساء الكتل النيابية الا ان الاجتماع فشل في الاتفاق على صيغة معينة لتعديل قانون الانتخابات، ولنفرض ان الكتل اتفقت أيضا على موعد لاجراء الانتخابات، ولنفرض أيضا انه تم توفير مليار دولار وهو المبلغ الذي تطلبه مفوضية الانتخابات للموافقة على اجراء الانتخابات، إضافة إلى طلبها مدة من تسعة اشهر إلى سنة لتهيئة مستلزمات إنجاح الانتخابات!

ومع كل هذا الطلبات، الا اننا نقول لنفرض انه تم تهيئة وتنفيذ كل هذه الطلبات، وهنا ستبرز مشكلة المحكمة الاتحادية وقانونها!

اذ من المعروف ان المحكمة الاتحادية ضرورية للمصادقة على نتائج الانتخابات، والبت في صحة عضوية أعضاء مجلس النواب والطعون الانتخابية على النتائج، ضمن الحقوق الحصرية للمحكمة الاتحادية العليا.

ولكن نقول ان خبراء القانون يقولون إن الأزمة أكبر من مجرد خلاف سياسي بشأن موعد الانتخابات المبكرة، إذ أن اختلال نصاب المحكمة الاتحادية العليا قد يحول دون إجراء الاقتراع أساسا، اذ ومنذ شهور، تعجز المحكمة الاتحادية العليا المختصة بالنظر في النزاعات الدستورية، عن الانعقاد، بسبب إحالة أحد قضاتها التسعة على التقاعد، والافتقار إلى آلية واضحة لتعويضه، نتيجة نزاع قانوني داخل السلطة القضائية في البلاد.

ولمن لا يعرف حيثيات المحكمة الاتحادية نقول أن "قانون المحكمة النافذ يوجب أن تتكون المحكمة من رئيس وثمانية أعضاء، ولا يكون انعقادها صحيحا إلا بحضور جميع أعضائها، وطالما أن أحد أعضاء المحكمة أحيل على التقاعد لذا فقد اختل نصاب المحكمة، وبالتالي فإن كل ما يصدر عنها معدوم ولا يمكن أن يوصف قرارها بأنه ملزم"!

لكن، لماذا لا يمكن للمحكمة الاتحادية تعويض العضو التاسع الذي احيل على التقاعد؟ وهنا نقول ان المحكمة الاتحادية والي سنوات قريبة خلت كانت تعوض أعضاءها الأصليين الذين يحالون على التقاعد بأعضاء من قائمة الاحتياط. لكن آخر قوائم الاحتياط في المحكمة كشفت أن جميع أعضائها أحيلوا على التقاعد فعلا لبلوغهم السن القانونية، ولا يمكن اختيار أحدهم لعضوية هيئة المحكمة، ما يعني أن نصابها سيبقى مختلا.

ولتوضيح اكثر، نقول من المعروف أيضا ان المحكمة العليا تتبع إداريا لمجلس القضاء الأعلى، لكن تفاهما سياسيا رعاه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي قبل أعوام، مكّنها من الحصول على استقلالية كبيرة عن المجلس، حتى في ما يتعلق بتعيين أعضائها. لكن ذلك التفاهم لم يعد موجودا في الوقت الحاضر، لذا لا يمكن للمحكمة الاتحادية تعويض عضوها الذي احيل على التقاعد دون تفاهم مع مجلس القضاء الأعلى حيث وكما يبدو هناك اختلاف كبير بين المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى، ودون تسوية المحكمة الاتحادية لنزاعها مع مجلس القضاء، فلن تتمكن المحكمة الاتحادية من استكمال نصابها، ما يعني تعذر المصادقة على نتائج الانتخابات. ودون مصادقة النتائج، لا يمكن الإعلان عنها، وفقا للدستور والقوانين النافذة.

ودون توافقات الكتل السياسية على قانون انتخابات يلبي طموحها وتضمن فوزها، ودون تفاهم الكتل على إيجاد نوع من "الصلح" بين المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى، فنستطيع القول بالفم المليان: لا انتخابات مبكرة في العراق في الوقت القريب على الأقل!