لا تريد إيران حربا تقتلها
بالغ المسؤولون الإيرانيون في الآونة الأخيرة في الحديث عن بلادهم التي لا ترغب في الحرب. كانت مناسبة تلك المبالغة ولا تزال ما صاروا يتوقعونه من تشدد أميركي سيكون هو عنوان المرحلة القادمة فيما إذا لم تستجب إيران لما طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من اقتراحات في رسالته لتسوية المشكلات التي يسببها الإزعاج الإيراني بالغ السوء والذي ألحق بالآخرين أضرارا فادحة على الرغم من أن إيران نفسها كانت ولا تزال واقعة تحت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة.
كان الإيرانيون فيما مضى يُظهرون عنادا استثنائيا في مواجهة الشروط والاقتراحات والتصريحات الأميركية. غير أنهم يشعرون اليوم أن كل شيء قد تغير في العالم بشكل عام والمنطقة بشكل خاص. ففي واشنطن يحكم رئيس من طراز خاص، صفته العناد وهاجسه الوحيد أن يخرج منتصرا من غير حروب إلا إذا اضطر إلى ذلك ولا ينقصه شيء إذا ما أراد أن يقيم حفلة دمار جديدة. وفي المنطقة فقدت إيران هيمنتها على لبنان وسوريا وبات وجودها في اليمن والعراق تحت رقابة مشددة.
وإذا ما كان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قد صرح في وقت سابق بأن بلاده لن تستجيب للشروط الأميركية وليفعل الرئيس الأميركي ما يشاء فإنه عاد وقال أمام البرلمان الإيراني "كنتُ أعتقد أنه ينبغي التفاوض مع أميركا لكن عندما أعلن المرشد أنه لا يجب التفاوض مع أميركا قلنا لن نتفاوض" وهكذا يكون بزشكيان قد اعترف في تصريحه الأخير بأن موقفه رئيسا لا يقدم ولا يؤخر وهو لا يلزم أحدا. موقف المرشد هو الأساس في كل شيء. والمرشد بكل هالة الإجلال والتقديس التي تُضفى عليه كونه ممثل الإمام الغائب على الأرض انما يعبر موقفه عن مجموعة آراء خبرائه المرتبطين به مباشرة. أولئك الخبراء الذين تُحيط بهم صفات الدهاء والحكمة والذكاء انما هم صناع المواقف الإيرانية المراوغة والملتوية. وهم الذين يتشددون حين يكون الظرف بردا وسلاما ويلينون حين تلتهب الأوضاع ويبدو الخصم الأميركي قريبا من الحل. وما اللغة اللينة الشائعة اليوم في إيران إلا إنعكاس لما يجري في كواليس المرشد.
ولكن مهلا. تلك لغة ليست جديدة على إيران. لقد سبق لها وأن استعملتها في مفاوضات ملفها النووي. وهي اللغة نفسها التي حيرت الأوروبيين الذين حاولوا أن يرأبوا الصدع بين إيران والولايات المتحدة التي انسحبت من الإتفاق النووي في ولاية ترامب الأولى. غير مسؤول أوروبي كان قد صرح أن إيران تكذب وتناور وتخادع. ولقد كذبت إيران حين نفت علاقتها بما حدث في السابع من أكتوبر عام 2023. ذلك الحدث الذي أطلق جنون نتنياهو وما فتح أبواب الجحيم أمام أهل غزة. كانت إيران مسؤولة عن كل ما جرى. لقد قيل إنها نسقت مع يحيى السنوار مباشرة لأنه كان من أكثر زعماء حماس ثقة بها غير أن ذلك قد لا يكون صحيحا بدليل الزيارات المكوكية التي كان اسماعيل هنية يقوم بها من الدوحة إلى طهران ولقد تعزز ذلك بمقتله في طهران وليس في غزة.
كذبت إيران على حزب الله حين أمرت زعيمه بالمشاركة في حرب غزة انطلاقا من شعار وحدة ساحات المقاومة. لقد أوهمته بأنها لن تتركه وحيدا وستحميه من خلال خدمة استخباراتية لن تسمح لإسرائيل باختراق منظومته الشخصية. ولقد تبين من خلال كل الخطوات التي تفوقت فيها إسرائيل وفاجأت العالم بها من أجهزة البيجر إلى اغتيال حسن نصرالله أن إيران كانت تكذب وأنها لا تملك ما يؤهلها للكشف عما يخطط له العدو. هُزمت إيران في لبنان وسوريا وستكون هزيمتها في اليمن والعراق يسيرة إذا ما قررت الولايات المتحدة ذلك. لا لشيء إلا لأنها استلهمت قوتها من ضعف الآخرين وهي ليست بالدولة القوية التي يمكنها أن تخوض حربا ضد الولايات المتحدة والعالم الغربي.
ستتخلى إيران بيسر عن الحوثيين في اليمن. أما خلفاؤها في العراق فيمكنها توزيعهم على محافظاتها ما داموا قد وضعوا أموالهم في مصارفها. كانت الحرب بالوكالة أمرا مريحا. أما أن تتورط إيران في حرب مباشرة فذلك أمر مستحيل وليذهب شعار "تصدير الثورة" إلى الجحيم. لن يرتكب علي خامنئي خطأ صدام حسين حين تحول إلى صيد للأميركان بدءا من احتلاله الكويت وانتهاء بالحرب التي اسقطته وأدت إلى احتلال العراق. لن تدخل إيران حربا تقتلها.