لا تزال الحكاية الإيرانية ناقصة

حمام دم عربي من أجل أن تخرج إيران منتصرة أو على الأقل تكون ولو مؤقتا في منأى عن المطاردة الإسرائيلية.

مطمئنة إيران إلى أن ما تقوم به من استعراضات سيعيد إليها شعبيتها التي فقدت الجزء الأكبر منها بعد مقتل حسن نصرالله وكل أفراد قيادته حين قيل أنها تخلت عنهم. وهو ما يمكن توقع حدوثه لا لشيء إلا لأن نصرالله ومَن هم بمعيته وقبلهم الفلسطيني اسماعيل هنية عرب وهي لا يمكن أن تعرض نظامها للخطر من أجل مقتل عربي هنا أو هناك. ذلك تبسيط لم يكن يخطر في بالي نصرالله وهنية يوم كانا ينظران إلى إيران باعتبارها مصدر إلهام عقائدي.

ذلك ما يضع العقيدة بين قوسين.

أتذكر أن نصرالله قال قبل مقتله أن كل ما تقوم به إسرائيل من قتل وتدمير لن يؤثر على البيئة الاجتماعية التي تحتضن حزب الله وهو ما يعني أنه كان مطمئنا إلى أن عملية غسل الأدمغة هي من الإتقان بحيث يبقى جمهور حزب الله مؤمنا ومتمسكا به بغض النظر عن الأخطاء المدمرة التي يرتكبها. رهان يتخطى القيم الإنسانية وقابلية الإنسان على التحمل، بحيث يبدو الأتباع كما لو أنهم جنود شطرنج، ليست لهم قيمة خارج رقعة اللعب.

ما قاله نصرالله يؤكد أن عملية سرقة العقول كانت تمهيدا لصنع بيئة طائفية لا يمكن أن تهتز منطلقاتها النظرية حتى وأن تعارضت مع الحقيقة التي تفرضها وقائع الحياة. ليس للحقيقة معنى. العقيدة هي أهم من الحقيقة. وما العقيدة التي يفاخرون بها سوى مجموعة من الترهات المضحكة التي ليس لها تاريخ سوى ذلك التاريخ الذي ينتسب إلى المرويات الفارسية التي هي عبارة عن حكايات خرافية. كان هناك رهان على العقل الشعبي نجحت إيران في تحويله إلى عقيدة صامتة. ذلك العقل هو الذي يتحكم بأمة منومة عقائديا قد لا يوقظها الدمار من نومها.

في ذلك جواب على السؤال القائم: ألا تكفي كل هذه المآسي التي تحيق بالمنومين والتي تضربهم عواصفها من كل الجوانب لكي يستيقظوا من سباتهم؟ يرتضي البعض لنفسه أن يكون تابعا، فردا في مسيرة تهريج من غير أن يدرك الغرض منها. يُقاد إلى القتل وهو يعرف أن موته لن يكون نافعا للقضية التي امتزجت أصواتها بدمه. وسط كل هذا الضجيج لا نسمع أصوات المتمردين على الخنوع الجماعي.

لطالما تساءل الكثيرون "إلى أين نحن ماضون؟" كان الرئيس اللبناني السابق ميشال عون قد أجاب "إلى الجحيم". رئيس دولة عُرف بصلاته العميقة بحزب الله وضع مواطنيه على خريطة المستقبل. المستقبل هو الجحيم. لا توجد جملة أكثر بلاغة من جملته التي تتكون من كلمتين.

كم حرب يحتاجها أهل غزة لكي يدركوا أن حركة حماس تمشي بهم إلى الجحيم؟ جحيم لن تكون لهم قيامة بعده. فكرة أن يتحول الإنسان إلى ضحية بعد أن يُضحى به من غير أن تثمر تضحيته عن شيء هي فكرة كئيبة لا تُسر. هذه هي الحرب السابعة التي كانت لإسرائيل من خلالها فرصة للفتك والبطش والإبادة. ألا يكفي ذلك سببا لإعادة النظر في كل البداهات التي تم فرضها وهي في حقيقتها مجرد أكاذيب؟ عشرات الألوف من أهل غزة سقطوا قتلى. أما تشردهم المليء بالنكبات الشخصية فإنه صار بمثابة أمر واقع. كل هذا من أجل أن يعلن يحيى السنوار انتصاره. إنه لا يزال حيا. لقد قتلت إسرائيل إسماعيل هنية لكنها قبل أن تقتله أبادت الجزء الأكبر من عائلته. سيكون علينا أن ننصت إلى الحكاية كما لو أنها درس في النضال.

لم يخف هنية أن إيران هي مايسترو حرب السنوار في غزة. أما نصرالله فإنه لا يحتاج إلى الإعلان عن الجهة التي تقف وراءه. فلقد سبق له أن أعلن أنه وكل أفراد تنظيمه في إنتظار إشارة من الولي الفقيه. حرب إيرانية بالوكالة كان عنوانها المضلل فلسطين. ذلك لأن إيران وقد دخلت صراعها مع العالم من بوابة فلسطين لا تفكر في مصير الفلسطينيين، بل تفكر في مصيرها وهي تسعى إلى شراء الوقت من أجل أن تكمل برنامجها النووي.    

حمام دم عربي من أجل أن تخرج إيران منتصرة أو على الأقل تكون ولو مؤقتا في منأى عن المطاردة الإسرائيلية. ولا تزال الحكاية ناقصة. ففي ظل التنويم الذي تعرض له جمهور عربي عريض فإن العرض المسرحي بكل دمويته سيظل مستمرا. لقد وهبت إيران نتنياهو فرصة أن يكون قاتل الفلسطينيين الأول.