لا تمسوا الصحافة وأنتم تكممون فيسبوك

أن تعاقب فيسبوك على انتهاك الخصوصية والترويج للأخبار الكاذبة وتشجيع الكراهية وفق تشريع قانوني جديد، فليس من العدل أن يساوي هذا التشريع الصحف بوسائل التواصل الاجتماعي.
لايمكن معاملة الصحافة بنفس مستوى “كلام المقاهي” المنشور في مواقع التواصل

هناك معادلة جديدة يصعب على المشرعين تفهمها ولا يبدو أن وسائل الإعلام التقليدية ستقبل بنتائجها! السؤال الشائع اليوم عما إذا كانت فيسبوك وتويتر ويوتيوب وغوغل شركات مصنفة ضمن وسائل الإعلام، ويجب أن ينطبق عليها مفهوم حرية التعبير وإشاعة تبادل المعلومات أسوة بوسائل الإعلام القديمة، أم هي شركات تكنولوجية بحاجة إلى قانون خاص بها؟

لا فيسبوك ولا تويتر ينظران باعتداد إلى وسائل الإعلام الأخرى بوصفها تمتلك مقومات التأثير والأهمية على الجمهور، ولا وسائل الإعلام التقليدية تقبل بأن تصنف مواقع التواصل الاجتماعي ضمن فئاتها الصحافية. فمن يحمل الغضب على من؟

نعم، ثمة غيلة وازدراء ومنافسة غير عادلة تجري اليوم بحق الصحافة بشكل عام، لكن المشرعين والحكومات ينظرون بعين واحدة إلى الجميع بوصفها وسائل إعلام، وهذا أمر لا يرضي الصحافة التقليدية إن لم يكن يصادر أثمن ما تملكه.

أن تعاقب فيسبوك على انتهاك الخصوصية والترويج للأخبار الكاذبة وتشجيع الكراهية وفق تشريع قانوني جديد، فليس من العدل أن يساوي هذا التشريع الصحف بوسائل التواصل الاجتماعي.

بالأمس حذرت جمعية وسائل الإعلام في بريطانيا (NMA) من أن تشكل خطط الحكومة لتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي خطرا على حرية الصحافة.

وطالبت الجمعية التي تمثل حوالي ألف عنوان في الصناعة الصحافية بما فيها الصحف المرموقة، بإعفاء “واضح وشامل” للصحف من تداعيات القانون المقترح لضمان عدم إغراق الصحافة في الاتهامات المتصاعدة بشأن الانتهاكات المرتكبة على الإنترنت.

ورقة القانون المقترح توصي بإنشاء هيئة رقابة لمعالجة المحتوى السام، لها صلاحيات قانونية بتغريم المنصات على الإنترنت ومنع المواقع من نشر المحتوى المتطرف وخطاب الكراهية وإساءة معاملة الأطفال والأخبار المزيفة. ويركز القانون بوضوح على الشركات الكبرى مثل فيسبوك ويوتيوب وتويتر.

لكن مشروع القانون لا يفرق بين وسائل الإعلام الجديدة والتقليدية وينظر لها بنفس العين، الأمر الذي يسبب نوعا من السأم للصحف وهي ترى نفسها تحت رقابة قانون جديد يقيد حريتها التاريخية. فهناك مخاوف من إمكانية استخدام الصلاحيات الجديدة لتكميم الصحافة.

واعتبرت جمعية وسائل الإعلام، أن مشروع القانون الجديد سيضع ناشري الصحف تحت المراقبة من أجل معاقبتهم، وسيكون له “تأثير قمعي على حرية الصحافة”.

وترى الجمعية التي تمثل قطاعا بقيمة تقدر بستة مليار دولار أن مشروع القانون الجديد سيجعل هيئة الرقابة الرقمية الجهة التنظيمية القوية مسؤولة عن جميع المحتويات التي ينشئها المستخدمون على مواقع الصحف، بما في ذلك تعليقات القراء. وهذا من شأنه أن يضع ناشري الصحف ضمن نطاق اختصاص الهيئة الرقابية ويكونوا عرضة للغرامات والعقوبات الأخرى.

وفقرات القانون الجديد تعيق أيضا توزيع المقالات الإخبارية التي تنشرها الصحف على وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، إذا تمنع حيثيات مشروع القانون الجديد نشر مقالات تتعلق بمواضيع حساسة مثل الإرهاب أو الجنس. من دون أن يوضح الحد الفاصل في طبيعة ونوعية المقالات عند تصنيفها.

وقال بيان جمعية وسائل الإعلام “في غياب الإعفاءات المتعلقة بالصحف، ستضع بنود القانون الجديد قيودا غير ضرورية على الإطلاق وغير متناسبة وغير مناسبة قانونيا، على حرية الصحافة، والتي من شأنها أن تقوض بدلا من إدامة دعم عمل الناشرين لصحافة موثوق بها وذات جودة عالية للجمهور المتزايد باستمرار والذي يطالب بها”.

صحيح أن مواقع التواصل استحوذت على السوق واستدرجت المستخدمين، فيما تراجع مستوى القراء، إلا أن الصحافة مازالت تسير بجبين عال رغم الصعوبات، لذلك لا يمكن معاملة محتواها في القانون بنفس مستوى “كلام المقاهي” المنشور في مواقع التواصل.

بالأمس حذر جاستن ويلبي رئيس أساقفة كانتربيري من “الحقائق البديلة” على الإنترنت، لكن لا يمكن للكنيسة التي يمثلها أن تفقد الثقة بوسائل الإعلام التاريخية.

وقال رئيس أساقفة كانتربيري وهو يتحدث في مكتب فيسبوك بالعاصمة لندن “لا يوجد شيء اسمه حقيقة بديلة” في إشارة واضحة إلى استقاء الحقائق من مصدرها، داعيا مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى التعبير عن “الحقيقة واللطف والترحيب” عبر الإنترنت. وتجنب الاستخدام الوحشي لوسائل التواصل.

وقال عندما تنظر إلى قطعة منشورة على فيسبوك، ستكتشف السم في التعليقات تحت هذه القطعة. لذلك أعلنت كنيسة إنكلترا عن مجموعة من المبادئ التوجيهية لوسائل التواصل الاجتماعي، وهي الأولى في تاريخها التي بنيت حول المبادئ الثلاثة “الحقيقة واللطف والترحيب” التي طرحها رئيس الأساقفة، لكن لم يحدث مثل هذا الأمر في تعامل الكنيسة مع الصحافة عالية الحساسية، بينما لا يأخذ التشريع الجديد ذلك بعين الاعتبار عندما يساوي وسائل التواصل الاجتماعي بوسائل الإعلام.

تحذير رئيس الأساقفة تزامن مع خطر جديد تمت مناقشته في كبرى المؤسسات الأمنية الأميركية والبريطانية، يكمن في أن الذكاء الاصطناعي أصبح قادرا على انتحال هوية شخصيات حقيقية وإنتاج نصوص وقصص إخبارية على درجة عالية من الحرفية تستند على أخبار مزيفة ومضللة.

السلطات التشريعية محقة وهي تفكر بالعواقب الخطيرة على مستقبل المجتمع في العصر الرقمي، لكنها بحاجة أيضا إلى من يذكرها بأهمية بقاء الصحافة بوصفها الوسيلة الأمثل لتبادل المعلومات ومنع تغوّل الحكومات وفسادها. لا أن تكون ضحية لانتهاكات مستمرة ومتصاعدة في مواقع التواصل الاجتماعي.