لا طلنا بلح الماضي ولا عنب الحاضر!

يتبارى العرب والمسلمون في استعادة الماضي في حين يذهب العالم قدما نحو المستقبل.

ربما جرت محاولة جادة في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي من قبل بعض الكتاب والمثقفين العرب للحاق بالركب الحضاري الغربي من خلال تنشيط حركة الترجمة ونقل كبريات الاعمال الانسانية والعلمية. فُتحت مراكز بحوث ودراسات واسعة في سوريا ولبنان ومصر والعراق، ولكن سرعان ما اخمدتها الانقلابات العسكرية السائبة ودمرتها الافكار السياسية الظلامية التي اجتاحت العالم الاسلامي سواء الدينية او القومية العنصرية، وبعد ان رسخت الدكتاتورية العسكرية جذورها في المجتمعات العربية والاسلامية. ضعف الاهتمام بحركة الترجمة وخلت الساحة من مترجمين كفوئين بعد غياب المترجمين الكبار امثال جورج طرابيشي وعبدالرحمن البدوي وغيرهم من قادة الفكر في الشرق الاوسط.

ونتيجة ذلك اتسعت الهوة بين الشعوب العربية وبين الغربيين اكثر واكثر، ففي الوقت الذي وصلوا الى قمة التطور والتحضر، بدأنا نغوص نحن في مستنقع الجهالة واللاجدوى ولم يعد بيننا وبينهم اي قواسم مشتركة لا علميا ولا انسانيا ولا ثقافيا. هم فوق ونحن تحت. بينما هم يبتكرون كل يوم الوانا جديدة للحياة والسعادة البشرية، نحن نبتكر صورا جديدة للموت والدمار. هم يفتخرون بالانجازات العلمية والانسانية التي حققها علمائهم، ونحن نفتخر بالانجازات التاريخية العظيمة التي سطرها ابطالنا التراثيين وننبهر بابداعاتهم ومهاراتهم الفكرية في تجميد العقول.

كلما تقدم الغرب والدول المتقدمة وسبروا اغوار العلوم والفضاء واكتشفوا مجاهل الكون كلما بدأنا نغوص في عمق الماضي السحيق ونستمد من ابطاله القوة، نعيش معهم ونأكل وننام معهم، ونتابع اثرهم ونقلدهم في كل شيء، حتى في ادق تفاصيل حياتهم اليومية! لا ضير ان ننبهر بهم ونقيم انجازاتهم العبقرية واعمالهم الحضارية عاليا ولكن كتراث وضمن اطار فترة زمنية معينة عاشوها بأزهى صورها، قد نستفيد منهم في بعض الجوانب ولكن لا أن نعاصرهم ونعيش حياتهم بتفاصيلها المملة.

فنان تركي نقش سورة الاخلاص على حبة تين باستخدام خيط العنكبوت
كل هذه التقنيات الغربية لكتابة نص ديني على حبة تين

اليابانيون بطبعهم متدينون جدا، ويقدسون تراثهم ويجلون عظمائهم وشخصياتهم التاريخية، ولكن رغم كل هذا الاجلال فهم يعيشون عصرهم ويطورون حياتهم حتى وصلوا الى اعلى مراتب العلوم والتكنلوجيا الحديثة، ثمانين بالمئة منهم يمارسون الطقوس الدينية بانتظام، ولديهم ثمانية ملايين الهة، الهة تنطح الهة، للمطبخ الهة وللسفر الهة، ومن يريد ان ينجح ويتفوق في دراسته الجامعية ما عليه الا ان يتوجه الى معابد تانمانغو طلبا للنجاح، وهكذا، عندهم لكل شيء اله او الهة تعبد وتقدس! رغم وجود كل هذا الكم الهائل من الالهة فانهم لم يختلفوا عليها ولا تنازعوا من اجلها او بسببها كما نفعل نحن مع اله واحد لا شريك له سبحانه وتعالى.

وبعقلية تراثية حاولنا مجاراة الغرب في الفن والثقافة فخرجنا بفن هابط وعري وثقافة مشوهة وعندما حاولنا مجارتهم في السياسة اخترنا اسوأها "السياسة الميكافيلية" والنتيجة الحالية المزرية؛ اننا توزعنا الى فرق ومجاميع وحركات لاحصر لها وكلها تتصارع فيما بينها وتتقاتل وكل واحدة منها تدعي انها على طريق الحق والاخرى على ضلال مبين!