لا يزال العراق مسرحا تُعرض فيه مسرحية أميركية

لقد اتفقت أحزاب السلطة التي شكلها الأميركان على تهديم الدولة العراقية من خلال تمزيق النسيج المجتمعي، فكانت كذبة المكونات التي كانت سندا لقيام نظام طائفي.

واقعيا يمكن القول إن نظام المحاصصة الطائفية في العراق لا يُدار من قبل الأحزاب الشيعية المهيمنة على السلطة فحسب بل هو نظام شيعي موال لإيران بذيول سنّية وكردية.

كل ما قيل عن المكونات العراقية التي ورد ذكرها في الدستور الجديد لتكون بديلا عن مفهوم "الشعب العراقي" إنما هو محض افتراء، فلا المكونات اختارت ممثليها ولا نالها شيء من ثروات بلدها.

كانت المحاصصة عبر السنوات العشرين الماضية تتم بين الأحزاب التي وضعها الأميركان على رأس السلطة بدءا بمجلس الحكم. من المعروف أن أيا من تلك الأحزاب لم يكن يملك قاعدة شعبية في العراق.

ما شهده فندق هيلتون بلندن من تسابق بين معارضي نظام صدام حسين عام 2002 يؤكد أن أولئك المعارضين كانوا يتزاحمون في ما بينهم من أجل نيل الحظوة لدى الأميركان وصولا إلى هدفهم في نيل أكبر حصة من ثروات البلد الذي سيدمره الغزو ويمحق الاحتلال دولته وجيشه.

لم يكن ذلك التراكض ليهدف إلى أن تنال المكونات العراقية حصتها في إطار عراق ديمقراطي تسود الشفافية سياسته الاقتصادية. كانت الذئاب يومها تستعد لنهش الفريسة التي كان وقوعها مؤكدا، نظرا لاختلال ميزان القوى.

فلو استعرضنا المشهد بطريقة شاملة نجد أن الشيعة تمثلهم مجموعة الأحزاب والميليشيات التابعة لإيران أما الأكراد فإنهم كانوا ولا يزالون ملكا احتكاريا للحزبين التقليديين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني. وفي الجانب المكسور لكي لا أقول المهزوم يقف "العرب السنّة" الذين أبوا على أنفسهم أن يشاركوا في الحكم فتم اختراع مجموعة من الأشباح الذين يمثلونهم. وهم في الحقيقة لا يصلحون للسياسة وليست لهم أية مكانة تُذكر في حواضنهم الشعبية. ذلك لأنهم لا يملكون أي تاريخ سياسي. إنهم لا يمثلون سوى مصالحهم التي تبين أنها تتضارب في أية لحظة.

إنها مسرحية. صنع الأميركان من العراق فيها مسرحا لبطولاتهم الزائفة ولقذاراتهم التي تجلت في "سجن أبو غريب" ولعدم احترامهم للقوانين الدولية التي تنظم الحروب وهو ما بدا واضحا من خلال استعانتهم بالشركات الأمنية ومثالها بلاك ووتر التي خاضوا من أجل بضعة من مقاوليها حربا ضروسا ضد مدينة صغيرة هي الفلوجة.

ما جرى وما يجري في العراق منذ عام 2003 وحتى اليوم هو عبارة عن مسرحية، ممثلوها كانوا جاهزين أو أنهم كانوا تحت التدريب في معاهد كانت واشنطن قد هيأتها في بودايست وبراغ ولاهاي وسواها من مدن اللجوء التي يتجمع فيها العراقيون.

كذب الأميركان ومن بعدهم الأميركان حين تحدثوا عن حقوق المكونات، رغبة منهم في تكريس الشرخ الذي يجب أن يفصل بين العراقيين. لقد أرادوا في البدء أن ينقلب الشعب على نفسه ليخرج من بوتقة الشعب الواحد ويتوزع شعوبا. تلك فكرة حرب أهلية مؤجلة. ما من شيء أهم من ذلك ولكن التفكير بالاستحواذ على الثروات من غير أن يكون هناك مشروع سياسي وطني كان على درجة كبيرة من الأهمية. قرر الأميركان أن يستهلك العراقيون ثرواتهم في أسرع وقت، من غير أن يلتفتوا إلى بلدهم ومستقبل أجيالهم.

 هل هي صدفة أن تخلو الطبقة السياسية من صوت وطني واحد ينبه إلى خطر أن يغيب الشعب عن المحاصصة ويبقى التمثيل، تمثيل الشعب مجرد مساهمة في مسرحية هي أشبه بمسرحية مقتل الإمام الحسين قد يكون الشمر فيها ابن عم الإمام العباس؟

كل ما يُقال عن النظام الطائفي في العراق ليس صحيحا. فلا الشيعة ولا السنة ولا الأكراد ممثلون في ذلك النظام بشكل حقيقي. ما حدث عام 2019 يؤكد ذلك. لقد تفادى العراقيون السنّة المساهمة في الاحتجاجات المليونية يومها. كان المحتجون كلهم شيعة فقراء. طالبوا بإسقاط النظام ليس لأنهم لا يمثلهم فحسب، بل لأنه أيضا يزيف حقيقة علاقتهم بالعراق. فشيعة العراق عراقيون قبل أن يكونوا شيعة. ذلك ما جرى تزويره في الدستور. وبالقوة نفسها كان سنّة العراق عراقيين قبل أن يكونوا سنّة. أما الأكراد فإن لهم حكاية تم اللعب بها عبر عشرات السنين.

لقد اتفقت أحزاب السلطة التي شكلها الأميركان على تهديم الدولة العراقية من خلال تمزيق النسيج المجتمعي. فكانت كذبة المكونات التي كانت سندا لقيام نظام طائفي هو مجرد ستار لمحاصصة حزبية ضيقة تمت برمجتها من أجل خدمة مجموعة من اللصوص الذين هربت قوافل منهم بعد أن سلمت الحكم لقوافل جديدة.