لبنان الحقيقي ينتصر على دولة الطوائف

كل من يشعر أن لبنان الحقيقي يهدده سيجد في حزب الله ملاذا.

ما من شيء في لبنان يعود إلى الوراء. الاستقواء بالطوائف الذي تمارسه أطراف في الطبقة السياسية لن يجدي نفعا. ما رفعه المحتجون من شعارات شملت الجميع بالمسؤولية عما انتهى إليه لبنان من ضعف وهزال تخطى السقف الذي تحتمي به الطوائف.

ما يبحث عنه المحتجون هو لبنان الذي يحارب بتنوعه أحزاب الطوائف التي صارت ملاذا للفاسدين. فالمحتجون على يقين من أن لبنان الصافي والنقي والقوي بمعجزاته الصغيرة معهم.

هو لبنانهم الذي فككه الطائفيون ليصنعوا دوليات بائسة على مقاسهم، ينهبون من خلالها ثروات شعب لا يزال يقيم على أرض لبنان الأصل باعتباره وطنا للجميع. ذلك الـ"لبنان" الذي صار محل سخرية السياسيين التي عبروا عنها من خلال وضعه على مذبح مَن يدفع أكثر عاد من خلال الانتفاضة إلى أصحابه الشرعيين.

الشعب الذي نزل إلى الشارع كما هو من غير أي نوع من النجومية المفتعلة هو صاحب الحق في القول الفصل الذي يمكن أن يشكل عنوانا للتعريف بلبنان كما هو من غير مكر عقائدي.

لبنان الشعب هو غير لبنان العقائد التي أذلته وأحطت من قدره وجعلته تابعا وأفقدته القدرة على أن يكون وطنا لأبنائه. اللبنانيون يعيشون في بلادهم كما لو أنه واحد من مغترباتهم . إنهم لاجئون في لبنان مثلهم في ذلك مثل الفلسطينيين والسوريين.

فإذا ما كان حزب الله قد حول شباب الشيعة إلى مشاريع للشهادة التي يمكن أن تقع في أية لحظة وفي أي مكان فإن شباب الطوائف الأخرى يقفون على الحد الفاصل بين الحياة والموت نفسه في انتظار أن يعلن الحزب المذكور حربه المقبلة. وهي حرب ستكون موجهة ضد لبنان الذي لا يزال اللبنانيون يؤمنون بوجوده بالرغم من تحولاته الاضطرارية.

سيكون من الصعب على لبنان الطائفي أن يعترف بلبنان الشعب الذي خرج موحدا من أجل اسقاط دولة الطوائف. غير أنه صراع لن يكون متكافئا بغض النظر عن السلاح الذي يملكه حزب الله والذي قد يضطر إلى استعماله وفي ذلك ستكون نهايته.

أيضا سيكون من الصعب أن تُهزم دولة الطوائف فهي تاريخ راسخ من الفساد والمحسوبية وهو ما جعل عوائل بعينها تفتك بالشعب اللبناني بحجة العمل السياسي الذي لم يكن بالنتيجة سوى استهلاك محلي لأعصاب الناس من غير أن يكون لوقعه أي تأثير إيجابي على حياتهم.

لقد استنزف سياسيو المدرسة الطائفية أموال الشعب وأعصابه من غير أن يكون لذلك الثمن الباهظ مقابل يُذكر.

كان السؤال الأكبر هو. هل لبنان ملك لأبنائه أم أنه رهينة عند أمراء الطوائف؟

لقد أجاب الشعب اللبناني حين انتفض على ذلك السؤال فيما لا تزال الطبقة الحاكمة الفاسدة حائرة في البحث عن الإجابة المناسبة. وهي إجابة لا يتوقع الكثيرون أنها ستكون سلمية، بحيث يفتح الاستسلام الباب لحلول ممكنة سيكون السلام الأهلي عنوانها.

من المتوقع أن يحتمي الطائفيون بمختلف طوائفهم بحزب الله ليحميهم من العاصفة الشعبية. كل من يشعر أن لبنان الحقيقي يهدده سيجد في حزب الله ملاذا. وإن كان متوقعا أن تخذلهم تلك الميليشيا الإيرانية. فلبنان اليوم تحت نظر العالم. ما من شيء يحدث فيه إلا ويكون له صدى عالميا. لذلك سيفكر حزب الله طويلا وهو يبحث عن الرد المناسب الذي لن يزيد من العقوبات التي أضرت به حين حدت من موارده المالية.

سيتصرف حزب الله بصمت من أجل الدفاع عن وجوده منفردا من غير أن يفكر بمصير الطائفيين الذين استغاثوا به. غير أن ذلك تجليات ذلك الصمت لن تنفعه. ولأنه لن يستسلم بيسر فإن صراعه مع اللبنانيين سيكون الحلقة الأخيرة من وجوده.