لبنان الذي وقع ضحية للمقاومة

تعلم ماكرون درس الهيمنة الإيرانية على لبنان. الأمور تمر من خلال الضاحية.
حزب الله يتحدى العالم حين رفض تسليم المجرم المتهم بقتل رفيق الحريري
يفضل اللبنانيون ان يكون الصمت علامة التفاهم الوحيدة على أن يروا المسلحين وقد احتلوا بيروت
لجان التحقيق في انفجار بيروت تعرف جيدا أن نتائجه ستطوى ولن يُحال المسؤولون إلى القضاء

حين أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رفيق الحريري قراراتها كان متوقعا أن لا تنفذ تلك القرارات. فالدولة اللبنانية بما تبقى منها من هياكل رمزية لن تتمكن من القاء القبض على المجرم الذي أدانته المحكمة وإن لم يخف ذلك المجرم نفسه فهو يعيش حياته العادية من غير خوف. لن يتمكن أحد من تهديد حريته التي هي عنوان سياسي.

اما التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت فإن اللجان المكلفة به تعرف جيدا أن نتائجه ستطوى في ملف ولن يُحال المسؤولون عن الجريمة إلى القضاء بل أنهم سيظلون يمارسون وظائفهم من غير أن يجرؤ أحد على أن يمس بهم وإذا ما كانت هناك انتخابات فإنهم سيُرشحون لها وسيحصلون على الأصوات التي ستؤهلهم على الاستمرار في الواجهة.

لن يختبئوا ولن يخفيهم أحد.

ولو أردنا التوسع في الأمر فإن حكومة في لبنان لن تُؤلف. ليس لأن هناك اختلافات بين الطوائف أو الأحزاب أو الكتل السياسية المتناحرة بل لأن هناك قرارا صادرا ينص على منع قيام تلك الحكومة حتى لو كان كل شيء جاهزا من أجل اقامتها ولم يتبق سوى الإعلان عنها رسميا. فالمسألة ليست بيد رئيس تلك الحكومة المكلف بل أنه صار من الطبيعي أن ينتظر الرجل ضربة الطبل التي تسمح له بممارسة وظيفته رئيسا للحكومة.

كل ذلك يتم تحت مظلة السلام الأهلي.

يفضل اللبنانيون أن يصمتوا ويكون الصمت علامة التفاهم الوحيدة في ما بينهم على أن يروا المسلحين وقد احتلوا بيروت في خطوة تمهيدية لحرب أهلية جديدة وإن كان الجميع يدرك أنهم ينامون على وسادة زائفة وأن الحرب قائمة حين تطوى القوانين ويكون المسلحون أقوى من النظام وليس من حق الدولة أن تتجاوز خطوطا حمراء صارت تضيق الخناق على صلاحياتها التي يمكن الاستغناء عنها في أي وقت.

ما صار على اللبنانيين أن يعترفوا به جهارا أن دولة المقاومة جاهزة على أن تحل محل الدولة بل أنها لا تحتاج إلى ذلك الاعتراف فهي قد بدأت بممارسة ذلك الدور كما أنها لا تحتاج إلى أن تحل محل الدولة بعد أن فككت الدولة واستولت على أهم مفاصلها ولم يعد هناك ما يمنعها من القيام بأي شيء أو الوصول لأي هدف. صارت دولة المقاومة هي الأصل.

وكما أرى فإن الدولة اللبنانية قد أقرت بضعفها أمام قوى اللادولة يوم أخرت اختيار رئيس للبلاد سنتين ليتم بعد ذلك الاتفاق على مرشح المقاومة ميشال عون ليكون رئيسا. وهكذا أقرت الدولة بأنها تابعة إلى اللادولة. ولا يشعر اللبنانيون في ذلك بأي حرج ما دام البديل هو الحرب الأهلية. فحزب الله جاهز ولديه من المقاتلين والسلاح ما يغطي حاجة حروب أهلية وهو لا ينفق على انتصاراته شيئا. إيران موجودة وخزانتها في العراق جاهزة.

أعتقد أن الامور الآن صارت واضحة.

أراد العالم من خلال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أن ينقذ لبنان ولكن قيل لماكرون "الطرق كلها تقود إلى الضاحية". حين أبى الذهاب فإن كل شيء بقي على حاله. اما المحكمة الدولية ولجنة التحقيق بتفجير مرفأ بيروت وتأليف الحكومة فإنها تفاصيل يمكن أن يتجاوزها المرء حين يتأكد أن لبنان واقع تحت هيمنة دولة المقاومة وأن المقاومة لم يعد لديها ما تفعله سوى أن تهيمن على لبنان الذي هو مساحة انتشارها تمهيدا لقيام الدولة الإسلامية وأصلها في إيران.

لقد تحدى حزب الله العالم حين رفض تسليم المجرم المتهم بقتل رفيق الحريري. وزاد في تحديه حين طوى ملفات نتائج التحقيق بانفجار مرفأ بيروت. غير أنه بالغ في سطوته ومسح تهديدات الرئيس الفرنسي بالأرض وحين جعل الرجل المتحمس وقبل أن يُصاب بكورونا يتراجع عن وعده بالذهاب إلى لبنان.

لبنان في صيغته الحالية هو دولة اللادولة.

وهو ما يعني أن مصير لبنان قد اشتبك بمصير الدولة الراعية للمقاومة وهي إيران. وما لم يجد العالم حلا لمعضلة إيران فإن لبنان سيبقى رهينة.

لقد تمكنت قوى الارهاب منه. لم يعد في الإمكان الحديث عن لبنان بمعزل عن حزب الله وهو الراعي الرسمي للمصالح الإيرانية. تلك مشكلة معقدة لن ينجو منها لبنان إلا إذا اتخذ العالم قرارا بالانتهاء من إيران باعتبارها ظاهرة تهدد السلم والأمن العالميين.

انتهى لبنان باعتباره دولة ولم يعد انقاذه ممكنا إلا من خلال فك ارتباطه بإيران. وهو أمر في غاية التعقيد إذا ما استمرت إيران في امتلاك المقومات التي تساعدها على لعب دور الدولة التي ترعى الارهاب.