لبنان المقاوم لا كهرباء لا ماء لا دواء

هل ضحى الشعب اللبناني بدولته من أجل أن لا يخسر المقاومة؟
ما من دولة احتلتها إيران إلا وانهارت عملتها وانقطعت الكهرباء فيها
أي طرف يفكر في مد يد العون للبنانيين سيجد نفسه متورطا مع إيران
جزء كبير من العالم لم يعد قادرا على التعامل مع لبنان باعتباره دولة مستقلة ذات سيادة

في آخر تجلياته ظهر لبنان باعتباره بلد اللاءات التي لا تُحصى. كل أسباب الحياة اختفت ودخلت في عالم الغياب. لا أحد يملك أن يفعل شيئا. يُقال إن المطلوب انقاذ لبنان. ممَ وممَن؟

هناك دولة قد تم احتواؤها والهيمنة عليها من قبل حزب هو في الوقت نفسه ميليشيا. تلك ليست مسألة جديدة. غير أن استمرار الظاهرة منذ سنوات أدى إلى أن ينزلق لبنان تدريجيا إلى هاوية لا يمكنه أن يتراجع عنها.

يقول المدافعون عن تلك الظاهرة "اما أن يستمر لبنان في المقاومة أو أن ينحني ويحني رأسه فيستعيد دولته" بمعنى مقاومة من غير دولة أو دولة من غير مقاومة. ولكن الدولة نفهمها ونعرف أنها تقوم بوظائف محددة. ماذا عن وظيفة المقاومة؟

يوم وقف اللبنانيون بكل شرائحهم وطوائفهم مع المقاومة في هزيمتها عام 2006 لم يكن يخطر في بالهم أنهم يمهدون بذلك الموقف الذي اعتبروه ضروريا من أجل أن لا تنكسر المقاومة لنهاية الدولة. ما كان متوقعا أن تبتلع المقاومة الدولة وهي التي تعهدت بحمايتها يوم التحرير عام 2000.

غير أن استضعاف الدولة بدأ قبل كارثة 2006. فلو لم تكن الدولة ضعيفة ما كان في إمكان ميليشيا أن تتخذ قرار الحرب ضد إسرائيل التي وجدت في ذلك القرار الطائش مناسبة لتدمير البنية التحتية للبنان وتشريد مئات الألوف من العوائل بعد أن هدمت منازلهم.

كان معلوما أن من يتخذ قرار الحرب هو الأقوى.

فهل ضحى الشعب اللبناني بدولته من أجل أن لا يخسر المقاومة؟   

واقعيا فإن المقاومة لم تخدع الشعب، غير انها لم تنصفه حين اعتبرت وقوفه معها في هزيمتها بكل ما انطوت عليه من كوارث نوعا من الضعة والصغر. لقد اساء حزب الله فهم الموقف الشعبي المساند له وفي المقابل فإن الفعاليات الشعبية اللبنانية لم تتنكر لتضحيات المقاومة غير أنها أخطأت كثيرا حين لم تتعامل بطريقة نقدية صارمة مع الأخطاء التي ارتكبها حزب الله وهو يدير عمليات المقاومة. كان واجبا على الجميع أن يراجعوا جدوى أن تكون هناك مقاومة وهل المقاومة المسلحة الموجهة ضد إسرائيل كانت ضرورية بعد تحرير أراضي الجنوب اللبناني؟

لقد جر سوء الفهم جميع الأطراف إلى منطقة لن يكون فيها تفاهم مستقبلا. لم تتوقع الاحزاب التقليدية المهيمنة على النظام الطائفي تاريخيا أن حزب الله يخطط من خلال سلطة المقاومة للعب دور في الحياة السياسية يتخطى حدود المساحة التي يجب أن تتحرك فيها المقاومة فيما كانت قيادات حزب الله ممثلة بسيد المقاومة حسن نصرالله قد وضعت نصب أعينها أن يكون ولاءها العقائدي هو الأساس في علاقتها بلبنان واللبنانيين وأن تكون المقاومة مجرد جسر تمر عليه طلائع الحرس الثوري الإيراني.

كان حبا حقيقيا للمقاومة ذلك الحب الذي عبر عنه اللبنانيون من خلال أغانيهم. وكان الواقع يشير إلى ذلك الجسر الذي لم تره العيون الدامعة. قراءة التاريخ تُحدث خلخلة عظيمة قي التاريخ نفسه. لو أن اللبنانيين كانوا على معرفة بما ستفعله ميليشيا حزب الله بهم، لو أنهم عرفوا أن حزب الله سيبتلع دولتهم بحجة المقاومة، لو أنهم توقعوا أنهم سيمسون بلا كهرباء ولا ماء ولا دواء لأن حزب الله يدير دولتهم رافعا لواء الممانعة لفضلوا أن يبقى الجنوب محتلا ولمحوا من معاجمهم مفردة "مقاومة".

لبنان اليوم في أسوأ مراحله. بالنسبة للكثيرين ليس هناك لبنان. لم يعد جزء كبير من المجتمع الدولي قادرا على التعامل مع لبنان باعتباره دولة مستقلة ذات سيادة. إنه عبارة عن محمية إيرانية. ولكن حزب الله ساخرا يدعو العالم إلى انقاذ لبنان.

رئيس الحكومة اللبنانية يقول "انقذوا لبنان وإلا..." كان الرجل واضحا في توجيه نداءه إلى السعودية ودول الخليج ولكن لمَ لا يوجهه إلى إيران وهي المسؤولة بشكل مباشر عن وقوع لبنان ضحية لتلك اللاءات. ما من دولة احتلتها إيران إلا وانهارت عملتها وانقطعت الكهرباء فيها. لذلك فإن طلب المعونة من إيران لا فائدة منه. مشكلة اللبنانيين اليوم تقع في منطقة لا يرغب العالم في التحرك فيها، ذلك لأنها منطقة إيرانية. ما لم يستوعبه اللبنانيون إلا مؤخرا أن كذبة المقاومة ستجعلهم في منأى عن العالم وأن أي طرف يفكر في مد يد العون لهم سيجد نفسه متورطا مع إيران بكل مشاريعها في الإرهاب العالمي.

لبنان الذي تمكن منه حزب الله سيظل محروما من أسباب الحياة لأن إيران التي احكمت السيطرة عليه ليس لديها سوى أن تمضي به إلى الفناء.