لبنان للبنانيين والعراق للعراقيين

إيران الحريصة على استمرار الطبقة الفاسدة في الحكم لا يمكن أن تنظر بعين الاحترام للشعبين اللبناني والعراقي.

قال خامنئي إن على المحتجين في بغداد وهم أصحاب حقوق مشروعة من وجهة نظره أن يطالبوا بحقوقهم ضمن الأطر القانونية.

أما خادمه المطيع حسن نصرالله فإنه هو الآخر ساند المحتجين في بيروت في مطالبهم المحقة غير أنه حذر من الفوضى.

الأطر القانونية التي قصدها خامنئي ليست موجودة خارج النظام الطائفي الذي خرج العراقيون من أجل اسقاطه اما الفوضى التي حذر منها نصرالله فإنها وليدة النظام القائم الذي يقوده حزب الله.

في الحالين فإن خامنئي وخادمه انما يدافعان عن استقرار وثبات النظام السياسي القائم الذي خرج اللبنانيون والعراقيون إلى الشوارع محتجين على استمراره من غير أن يملك الحد الأدنى من الشرعية.

وكالعادة فقد ربط بطلا المقاومة والصمود الاحتجاجات الشعبية بالمؤامرة التي تستهدف مشروع المقاومة.

"مقاومة من؟"

أليس من المعقول السؤال عن علاقة المقاومة بالفساد لكي تستقيم الأمور في محاولة الإجابة على السؤال السابق. فإذا كانت حكاية نصرالله وحزبه قد أقيمت على أساس حروب سابقة مع إسرائيل صار على لبنان وشعبه أن يدفعا ثمنها إلى يوم القيامة فإن حكاية الطبقة السياسية الفاسدة في العراق لا تستند إلا إلى الولاء لإيران ووليها الفقيه.

فهل صار على العراق وشعبه أن يدفعا ثمن ذلك الولاء؟

هناك اليوم مرجعية سياسية وحيدة في العراق تتمثل بقاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني.   

لم تُصدم الطبقتان السياسيتان في لبنان والعراق بما جرى بقدر ما كن الحدث صادما لإيران. هناك خطأ في مكان ما بالتأكيد. غير أن ذلك الخطأ لم يكن بذلك الحجم الذي يسبب انفجارا شعبيا لا يمكن السيطرة عليه. إذاً لابد من ربط الاحتجاجات الشعبية بقوى معادية هي التي وقفت وراء التحريض عليها بل ومولتها وأملت شعاراتها.

ما هو ضروري ومهم بالنسبة لإيران وقد ضربتها الشعارات المرفوعة في ساحات الاحتجاج بشكل مباشر أن يتم تغييب الإرادة الوطنية لدى الشعبين. وهو مسعى عملت عليه من خلال تجذير الطائفية من خلال الانتقال بها من مستواها إلى مستواها اجتماعي سعيا وراء تحويلها إلى ثقافة.

وإذا ما كان الساسة الإيرانيون قد تحدثوا باطمئنان في أوقات سابقة عن أذرع إيران الممتدة من البحر المتوسط حتى البحر الأحمر فإنهم كانوا على يقين من أن مشروعهم الطائفي قد ثبت ومد جذوره وأن صورة المنطقة لن تتغير إلا لصالحهم.   

لذلك شكل خروج تظاهرات مليونية مناوئة للنظام الطائفي في العراق ولبنان بالنسبة للولي الفقيه وأتباعه من أمثال نصرالله ضربة تقع خارج الحسابات وتتعارض مع كل التقديرات. وهو ما عالجه الاعلام الإيراني واعلام المقاومة من جهة تسليط الضوء على مسألة المندسين. ويُقصد بهم رافعو الشعارات التي تدعو إلى اسقاط النظام الطائفي وطي صفحته.

غير أن المفارقة تكمن في أن الاحتجاجات لا ترفع إلا تلك الشعارات فهل تحل الشعبان العراقي واللبناني إلى مجموعة من المندسين من وجهة نظر الولي الفقيه وأتباعه؟

إيران الحريصة على استمرار الطبقة الفاسدة في الحكم لا يمكن أن تنظر بعين الاحترام للشعبين اللبناني والعراقي. في حقيقة ما تخطط له فإنها تعتبرهم خدما لمشروعها بل عبيدا في اقطاعياتها. وهي إذ تنظر بأمل وتفاؤل إلى حروبها ضد العالم فإن لها جيوشا من العراقيين واللبنانيين تحارب بدلا منها.

وفجأة ذهبت تلك الأحلام أدراج الرياح كما يُقال. لقد اكتشف الإيرانيون أنهم كانوا على خطأ في كل ما اعتبروه واقعا. أحلامهم التي أنفقوا عليها المليارات ليست حقائق ثابتة وأن الشعب الذي اعتقدوا أنهم دجنوه لا يزال حيا يقاوم أحلامهم في الهيمنة عليه.
غير أن من الصعب عليهم أن يعترفوا بالحقيقة. سيسعون بكل الطرق إلى مقاومتها ولكنهم في النهاية سيرضخون. فالشباب الذين خرجوا من بيوتهم لن يعودوا إليها إلا بعد أن يكونوا مطمئنين إلى أنهم استعادوا وطنهم. لبنان للبنانيين والعراق للعراقيين.