لبنان وسياسة النبذ العربي

خلط العرب السابق بين الشعب العراقي والنظام السياسي قد أدى إلى كارثة إنسانية. ليس مقبولا أن ينضم العرب إلى المجتمع الدولي في نبذ لبنان واللبنانيين.
صلة العراق بمحيطه العربي شابتها الظنون السيئة التي صارت جزءا من ثقافة الناس
ما يجري مع لبنان اليوم لا يشير إلى أن أحدا قد تعلم من درس العراق شيئا
ينبغي أن لا يتعرض الشعب اللبناني إلى النبذ وإلا خسرنا لبنان إلى الأبد

عام 1990 فُرض الحصار الدولي على العراق بموجب قرارات صدرت عن مجلس الامن عقابا له على احتلال الكويت.

كان القصد من تلك القرارات اجبار العراق على الخروج من الكويت. اما وقد تم اخراج القوات العراقية من الكويت بعد حرب مدمرة فإن ذلك القصد قد تحول إلى مسعى لإذلال العراقيين وتجويعهم وتدمير البنية التحتية لحياتهم وهو ما جرى فعلا تحت ذريعة البحث عن أسلحة الدمار الشامل التي تبين في ما بعد أنها مجرد كذبة، لفقتها الادارة الاميركية وصدقها العالم كله.

عانى الشعب العراقي عبر ثلاث عشرة سنة هي عمر ذلك الحصار من قسوة النبذ العالمي وكانت عيون العراقيين يومها ترنو إلى اخوتهم العرب. غير أن ما ساءهم أن أخوتهم لم يحركوا ساكنا وتركوهم فريسة ضياع ستظهر آثاره في ما بعد.

كان من نتائج ذلك السلوك أن صلة العراق بمحيطه العربي قد شابتها الكثير من الظنون السيئة التي صارت جزءا من ثقافة الإنسان العادي في العراق. وهو ما لا يمكن التخلص منه بيسر واعادة النفوس إلى ما كانت عليه. كان شعور العراقيين بالنبذ من قبل اخوتهم أكثر قسوة من فجائع الحصار الأخرى.

لقد خاب أملهم في ما آمنوا به ونذروا وجودهم وثرواتهم من أجله وكانوا على يقين من أنهم يقفون على أرض صلبة.

وكما أتوقع فإن النظام السياسي العربي لم يكن جاهلا بالخطيئة التي ارتكبت بحق الشعب العراقي غير أنه لم يتدارك ذلك بسبب ترهله وضعف بصيرته وعدم اتزان تقديراته واضطراب قراءته لما يجري من حوله بحيث صار الخلط بين نظام صدام حسين والشعب العراقي حدثا مقبولا. كان ذلك مؤشرا على اختلال الرؤية السياسية وعدم وضع الامور في مكانها الصحيح. فنظام صدام حسين الذي اختفى لم يكن قد تأثر بالحصار الذي قاد الشعب العراقي الذي لا يزال شاخصا إلى هلاكه المادي والمعنوي.

ذلك درس ينبغي تأمل خلاصاته واستخلاص العبر منه.

غير أن ما يجري مع لبنان اليوم لا يشير إلى أن أحدا قد تعلم من درس العراق شيئا. اللبنانيون اليوم محاصرون. العالم يحاصرهم لأسباب كثيرة. فشل وفساد الطبقة السياسية الممسكة بزمام القرار. الانهيار المالي الذي يعصى على الحلول التي يضعها صندوق النقد الدولي. حزب الله وهو الممثل المعتمد للنظام الإيراني بدولته التي تقف بين دولة لبنان والمجتمع الدولي. انفجار ميناء بيروت الذي يعطي فكرة مختصرة وذكية عن لبنان التائه.

وإذا كان المجتمع الدولي قد قرر أن يرفع يده عن لبنان بسبب تعسر الوصول إلى جوهر شفائه فهو لا يريد العالم أن يمر بحارة حريك من أجل أن يصل إلى لبنان فإن طريقة تصريف الشؤون اللبنانية ينبغي أن تكون مختلفة بالنسبة للعرب الذي صاروا على علم بأن خلطهم السابق بين الشعب العراقي والنظام السياسي قد أدى إلى كارثة إنسانية. لذلك ليس مقبولا أن ينضم العرب إلى المجتمع الدولي في نبذ لبنان واللبنانيين.

يعرف العرب لبنان بمناقبه ومثالبه. يعرفون الشرك الذي مثله اتفاق القاهرة عام 1969 وشاركوا من بعده في فصول الحرب الاهلية وغضوا الطرف عن صعود نجم المقاومة الكاذبة وهم يعرفون أن إيران قد سبقتهم إلى التسلل إلى قاع المجتمع اللبناني. ولهذا يمكن القول إن لبنان حزب الله هو ليس صناعة إيرانية خاصة. لقد ساهم العرب في اختراعه، سواء بأموالهم أو بغض الطرف عما يجري فيه.

اليوم يعيش لبنان في أسوأ حالاته. صار محمية إيرانية. ولكن لا يزال هناك شعب لبناني لا ينتظر شيئا من رئيس حكومته المؤقت الذي ينتظر بفارغ الصبر تشكيل حكومة جديدة ليذهب للعمل في قطر. وهو لا ينظر بعين التفاؤل إلى رئيس الوزراء المكلف الكسول والميؤوس منه سعد الحريري. اما ميشال عون ونبيه بري وهما رئيسان فإنهما ينتميان إلى سلالة منقرضة بالنسبة للناس العاديين. ذلك شعب يقف على الهاوية معزولا عن العالم وينتظر طوق نجاة من العرب.

الوضع في لبنان في غاية الحساسية لا من جهة مَن يحكم بل من جهة مَن سيدفع الثمن. نموذج العراق ينبغي أن لا يتكرر. فبغض النظر عن حزب الله بإيرانيته وزيف مقاومته وعون بتياره الحر الذي احتكره صهره وبري باعتباره أثرا من الحرب الأهلية والحريري الذي لم يرث من أبيه سوى اللقب فإن الوقوف مع الشعب اللبناني هو غاية غير خاضعة للنقاش.

ينبغي أن لا يتعرض الشعب اللبناني إلى النبذ وإلا خسرنا لبنان إلى الأبد.

ليذهب المجتمع الدولي إلى ما يريد في معالجته للشأن اللبناني. اما العرب فينبغي أن لا تقف مخدرات حزب الله بينهم وبين الشعب اللبناني.