لقد ولدت الحكومة الحالية بقيادة نتنياهو في الخطيئة

منذ اليوم الأول الذي تم فيه تشكيل الحكومة الائتلافية الحالية بقيادة نتنياهو، كانت الحكومة منشغلة بأجندتها الداخلية الفاسدة وكثفت الصراع مع الفلسطينيين بشكل خطير، ودفعت حماس إلى ارتكاب المذبحة الوحشية التي لا يمكن تصورها والتي راح ضحيتها 1200 إسرائيلي.

إن الوحشية التي لا توصف والتي ارتكبتها حماس ضد الإسرائيليين الأبرياء سمحت للشعب الإسرائيلي، في الوقت الحاضر، بالتجمهر حول ودعم الجهود الحربية التي تبذلها الحكومة ضد حماس. لكن التداعيات المترتبة على رؤية هذه الحكومة الملتوية والسياسات الغادرة أتاحت لحماس فرصة لارتكاب مذبحة لا يسبر غورها وسيكون لها تأثير دائم ومدمر على إسرائيل، وهو ما يتعين على الحكومة، وخاصة رئيس الوزراء نتنياهو، أن يدفعوا ثمنها.

جاءت هذه الحكومة إلى السلطة بأجندة ثورية محددة تضمنت إخضاع السلطة القضائية، وخاصة المحكمة العليا، لأهواء المسؤولين المنتخبين، والدخول في نظام استبدادي. بالإضافة إلى ذلك، ركزت الحكومة بشكل أكبر على ضم جزء كبير من الضفة الغربية وحرمان الفلسطينيين من فرصة إقامة دولة خاصة بهم.

وكانت الحكومة تعمل مثل المافيا، حيث يجلس نتنياهو، الزعيم الأكثر خطورة والمتعطش للسلطة، على رأس السلطة، ويطلق يد أتباعه ليفعلوا ما يحلو لهم. إن التهرب من المسؤولية، ونهب الأموال العامة، وتقديم معاملة تفضيلية للموالين والعائلة والأصدقاء، ومضايقة الصحافة، إلى جانب الغش والكذب المنهجيين، أصبحت الشعار العملي لهذه الحكومة المؤذية والأكثر عدامة للأخلاق في تاريخ إسرائيل.

في الواقع، وبغض النظر عن متى وكيف تنتهي الحرب بين إسرائيل وحماس، فإن الاستقطاب بين الإسرائيليين فيما يتعلق بالفلسطينيين لن يؤدي إلا إلى تكثيف وكشف الانحطاط المؤسسي لحكومة قد تدفع البلاد إلى عتبة صراع أهلي غير مسبوق، إن لم يكن حرب أهلية. ولن تتعافى إسرائيل إلا إذا تمت الإطاحة بهذه الحكومة، ونتنياهو على وجه الخصوص. ويواجه “السيد الأمن”، الذي وقعت مجزرة حماس تحت إمرته، يوم حسابه في كل من المحاكم والرأي العام، وسيتم طرده من منصبه بكل إهانة وعار، وهو ما يستحقه عن جدارة.

تفاقم الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني

يتحمل نتنياهو مسؤولية انهيار الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي خرج الآن عن نطاق السيطرة. وعلى مدى السنوات الـ 14 الماضية من أصل 15 عامًا، سعى نتنياهو إلى بناء مستوطنات جديدة وتوسيع و/أو إضفاء الشرعية على مستوطنات غير قانونية في الضفة الغربية. وقام بتعيين وزيرين غير أكفاء وغير مؤهلين ومتعطشين للدماء وهما إيتامار بن غفير (الأمن القومي) وبتسلئيل سموتريتش (المالية، المسؤول أيضًا عن الشؤون المدنية في الضفة الغربية)، اللذين لم يخفيا ازدراءهما وعدائهما الصريح تجاه الفلسطينيين وتطلعاتهم الوطنية.

أضف إلى ذلك، فإنهما يشجعان المستوطنين على اجتياح القرى الفلسطينية وتدمير أراضيهم الزراعية، مما يجبر الآلاف على الفرار من أراضيهم بينما يقتلون العشرات تحت أعين قوات الأمن الإسرائيلية التي تعمل كوكيل للحكومة. وقد قدم سموتريتش الأموال بسخاء للمستوطنين لمواصلة “مهمتهم المقدسة” ويصبحوا عملاء فعليين للحكومة ومخططها المهدد في الضفة الغربية. وكان عام 2023، حتى الآن، هو العام الأكثر عنفًا في الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية في عام 2000، حيث قُتل أكثر من 450 فلسطينيًا حتى كتابة هذه السطور.

أما الكيفية التي قد يؤدي بها ذلك إلى منع التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين وتقويض الأمن القومي الإسرائيلي، فلا يشكل مصدر قلق للمتطرفين الإسرائيليين اليمينيين. هم ينظرون إلى الحرب ضد حماس وكأنها تحقيق لحلمهم المنتظر المتمثل في استعادة أرض إسرائيل التوراتية من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط من خلال تقليص عدد سكان الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل كبير، إن لم يكن التخلص منهم بالكامل.

ومن أجل دعم الوجود اليهودي في الضفة الغربية ومنع إنشاء دولة فلسطينية، اتبع نتنياهو سياسة فرّق تسد من خلال إضعاف السلطة الفلسطينية وتعزيز قبضة حماس على غزة. لقد انغمس نتنياهو في الوهم بأنه كان يتعامل بشكل جيد مع حماس وأنه قادر على الحفاظ على الوضع الراهن ــ احتلال الضفة الغربية والحصار المفروض على غزة إلى أجل غير مسمى ــ في حين يقوم بتطبيع العلاقات مع العديد من الدول العربية. فعلى مدى الأعوام الأربعة عشر الماضية تحت قيادة نتنياهو، وصل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى أدنى مستوياته، وفي أعقاب الحرب بين إسرائيل وحماس وصل الآن إلى نقطة اللاعودة إلى الوضع الذي كان قائماً من قبل.

وعلى مرّ السنين، أقنع نتنياهو نفسه والجمهور بأن الفلسطينيين يمثلون تهديدًا وجوديًا لإسرائيل وأن الاحتلال الوحشي المستمر هو وحده الذي سيبقيهم في مأزق. الأحمق فقط هو الذي يؤيد هذا المنطق الملتوي لأنه في كل مرة يُقتل فيها فلسطيني آخر أو يُهدم منزل، يولد مقاتل فلسطيني آخر على الأقل، وتتمثل مهمته في الحياة في الأخذ بالثأر والانتقام من العدو الذي ألحق بهم وبأحبائهم الكثير من الألم والمعاناة.

وفي ظل حكمه الفاسد، كان نتنياهو يزرع بذور الكراهية والمقاومة بين الإسرائيليين والفلسطينيين لأنه كان بحاجة إلى عدو أبدي لتبرير استمرار الاحتلال وبناء المستوطنات لمنع الفلسطينيين من إقامة دولة خاصة بهم.

إن وحشية حماس التي لا يمكن تصورها لم تقدم شيئاً سوى أقسى صحوة يمكن أن يتخيلها أي إسرائيلي. لقد أظهر الإفلاس التام لاستراتيجية نتنياهو في التعامل مع الفلسطينيين وإلى أي مدى أصبح الصراع أسوأ وخطيراً خلال فترة حكمه.

والسؤال هو متى يستيقظ الإسرائيليون ويقولون كفى؟ متى سيدركون أن الفلسطينيين موجودون ليبقوا، وأنهم لن يظلوا محاصرين إلى أجل غير مسمى، وأنهم لن يستسلموا للأعمال اللاإنسانية والقسوة، وأنهم سيقاومون بعنف ويضحون بأنفسهم لأنه لم يبق لديهم سوى القليل ليخسروه، وأن لديهم حق مشروع في دولة خاصة بهم، والتي بدونها لن تعرف إسرائيل يوما من السلام؟

إن الإحتلال لا يتحدى ديمقراطية إسرائيل فحسب، بل يشكل الخطر الأكبر على أمن إسرائيل وبقائها كدولة يهودية وديمقراطية. أجل، أنا ألوم نتنياهو وزمرته الآثمة على تحطيم احتمالات السلام ووضع إسرائيل على مفترق طرق مشؤوم منزلقا بها بشدّة نحو الهاوية.

وبينما كان الإسرائيليون يتدفقون إلى الشوارع بمئات الآلاف كل أسبوع لمدة ستة أشهر تقريبًا للاحتجاج على “الإصلاحات القضائية” المهددة التي أجراها نتنياهو والتي كانت ضرورية لأن الديمقراطية في إسرائيل كانت على المحك، يجب عليهم الآن أن يتدفقوا إلى الشوارع بنفس الإصرار والقوة والأعداد وتطالب بإنهاء الإحتلال الغاشم. ونظراً للتطورات الأخيرة، لا ينبغي لهذه الحكومة أن تبقى يوماً آخر حتى تتمكن إسرائيل بدلاً من ذلك من التحرك نحو حكومة ستفكر في حل نهائي للحرب.

إن الحرب المأساوية ضد حماس ستنتهي عاجلاً أم آجلاً. لكن الحرب أوضحت أنه لن تكون هناك عودة إلى الوضع السابق وأن إنهاء الصراع بشكل دائم يتطلب حلّ حكومة نتنياهو التي ولدت في الخطيئة، واستئناف عملية السلام برؤية واضحة وتصميم للتوصل إلى اتفاق سلام على أساس حل الدولتين.

***

في مقالتي القادمة، سوف أزعم من خلال عملية الإزالة أنه لا يوجد خيار واقعي آخر لإنهاء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني سوى حلّ الدولتين، ولماذا تدعم الحرب المأساوية بين إسرائيل وحماس هذه الحجة بقوة.