لماذا العرب مستهدفون؟

العرب مستهدفون لأنهم يعتقدون أن القوة وصفة سحرية وليست عوامل كثيرة تتراكم لصنع القوة.
اسرائيل متفوقة عسكريا على كل دولة عربية ولكنها لا تتفوق على العرب مجتمعين
ايران ضرورية لبقاء اسرائيل لكي ينشغل العرب بها وإسرائيل ضرورية لإيران كي تتوسع

قدم الدكتور عادل الأشرم موضوعا هاما في برنامجه "البصمة الحمراء" أمس حلقة حملت عنوان "لماذا العرب مستهدفون؟" وقد فسر عداء العالم للعرب من منظور ثقافي، وهو كلام سليم ولكن هناك إجابة عملية أكثر وهي أنه لا يوجد دولة اسمها العرب بل يوجد 22 دولة عربية منفصلة عن بعضها البعض بشكل حرمها من الثقل الديمغرافي والعمق الاستراتيجي والتنوع الجغرافي، وهذا جعلها ضعيفة ولا تصمد أمام أي عدو. على سبيل المثال، هل يجرؤ أحد على تحدي روسيا أو الصين أو الهند أو باكستان أو أيران أو تركيا؟ هذه دول تتمتع بالعوامل الثلاثة سابقة الذكر، وتستطيع أن تخوض أية معركة بنفس طويل، بينما الدول الضعيفة أينما وجدت فهي تساق سوقا وهي دول ذات سيادة شكليا فقط، ويمكن لأي دولة طامعة أن تخلخل أركانها إما بضربة عسكرية مباشرة أو بإشعال حرب داخلية. والأمثلة كثيرة جدا على الدول الضعيفة الواقعة تحت نفوذ الدول الكبرى مثل مالي والكونغو وجنوب السودان ونيجيريا، كما أن قصة "فرق تسد"، لا يمكن ممارستها إلا على الضعفاء، هل يمكن إشعال حرب أهلية في بريطانيا مثلا؟

إن الولايات المتحدة تحتوي على عدد كبير من الأعراق من المهاجرين من الشرق والغرب وهي أقوى دولة في العالم. أما مسألة الاختلاف الثقافي أو الديني فقد تمكنت من احتواء الجميع تحت مظلة العلمانية وتداول السلطة حتى لو فاز مهاجر عربي بالرئاسة، فهي كالقدر الكبير الذي استوعب كافة الثقافات فكان المزيج ثريا وعبقريا، يدفع الناس دفعا الى الحياة والتميز والإبداع، ولديها الثقل الديمغرافي والعمق الاستراتيجي والتنوع الجغرافي ولا يستطيع أحد أن يعتدي عليها ولا يمكن أن تنفصل ولاية عن الدولة لأن جميع الأميركيين يحملون قيم الديمقراطية والعلمانية أي أن هناك تجانس ثقافي يحول دون التفكك، وهي لا تعتدي إلا على الضعفاء، ومنهم العرب.

في المقابل، فإن إسرائيل تفتقر الى العمق الاستراتيجي والتنوع الجغرافي والثقل الديمغرافي، ولكنها متفوقة عسكريا على كل دولة عربية، ولكنها لا تتفوق على العرب مجتمعين، لأن التفوق العسكري وحده لا يوازن العوامل الثلاثة معا. ولو حدث فعلا أن اشتبكت اسرائيل مع الدول المحيطة بها فقط في آن واحد، فإنها تُهزم بالتأكيد. وبالمثل، فإن الدول الأوروبية مقسمة ومتفرقة، ولكنها موحدة عسكريا من خلال حلف شمال الأطلسي ومن خلاله حققت عوامل القوة الثلاثة. كما أنها موحدة سياسيا من خلال معاهدة شنغن التي أثمرت الاتحاد الأوروبي.

اليوم، إسرائيل تحلم ببناء إسرائيل الكبرى على حساب العرب، وايران تحلم بإعادة الخلافة أو امبراطورية الفرس البائدة على حساب العرب، وبات العرب لا يعرفون حماية أنفسهم من أي منهما وليس لهم حول ولا قوة، ولا يمكن أن يخرجوا من حالة الضعف ما لم يصبح لديهم ثقل بشري وعمق استراتيجي وتنوع جغرافي، وهذا لا يمكن إلا من خلال الاتحاد وفرض العلمانية كي لا يذبح المسلمون بعضهم البعض والتوسع والتنوع الجغرافي، وطالما أنهم يفتقرون الى هذه العوامل الثلاثة فسوف يظلون مستهدفين.

أما التفسيرات الأخرى كثروات العرب والموقع الاستراتيجي فهي خزعبلات لأن كل دولة لديها ثروات وكل دولة موقعها استراتيجي في هذه الكرة المستديرة والعالم أمامنا ونستطيع معرفة أي الدول مستهدفة دائما، وسوف نجد أنها الدول الضعيفة، والضعف يجر الكثير من الرذائل من جبن ونفاق واحتراب داخلي وتفكير غيبي وفساد.

الغريب أن العرب يظنون أنه يمكن لإيران أن تحارب اسرائيل أو أن تقوم إسرائيل بضرب ايران وهذا مستبعد، فإسرائيل حجة ضرورية لإيران كي تتوسع في البلدان العربية وايران ضرورية لبقاء اسرائيل لكي ينشغل العرب بها ويصرفون النظر عن الأرض المحتلة، فهل يمكن أن تجهز إحداهما على الأخرى وتخسر الغنائم المحتملة؟

إن وصفة القوة ليست سحرية ويعرفها الجميع وهي الثقل السكاني والعمق الاستراتيجي والتنوع الجغرافي وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بالاتحاد والعلمانية وهذه العوامل ليست موجودة في أية دولة عربية وسوف تظل كل هذه الدول مستهدفة من قبل أي دولة طامعة.