لماذا تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن تدمير مفاعل نووي سوري مزعوم في دير الزور؟!

تعلن إسرائيل تدميرها لمفاعل نووي سوري بشكل دوري رغم انتفاء أي دليل على وجود مثل هذا المفاعل.

بداية وللتذكير فإنها ليست المرة الأولى التي تُعلن فيها تل أبيب تدمير مفاعل الكبر المزعوم، فقد أعلنت في مارس/أذار 2018 للمرة الأولى أنها دمرت مفاعلاً نووياً في منطقة الكبر في دير الزور، وقال وقتها وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان في بيان: "إن على المنطقة برمتها استيعاب الدرس من الضربة التي نفذتها إسرائيل في عام 2007 ضد ما يشتبه في أنه مفاعل نووي سوري".

وشدد ليبيرمان على أن "الكل في الشرق الأوسط سيعمل جيداً على استيعاب المعادلة".

بدوره وزير الاستخبارات الإسرائيلي الأسبق يسرائيل كاتس نشر تغريدة على تويتر قال فيها: "إن العملية ونجاحها أوضحا أن إسرائيل لن تسمح أبداً بأن تكون الأسلحة النووية في أيدي من يهددون وجودها، ويقصد سورية في ذلك الحين وإيران اليوم".

وهنا لا بد من التذكير بأنه في عام 1981 دمر سلاح الجو الإسرائيلي مفاعل تموز النووي في العراق - الذي كانت تبنيه فرنسا.

واشنطن بدورها تبنت الرواية الإسرائيلية ونشر مركز دراسات العلوم والأمن الدولي ومقره واشنطن بأن بيونغ يانغ كانت قدمت مساعدات ملموسة إلى دمشق في إنشاء موقع الكبر النووي في محافظة دير الزور، والذي اعترفت إسرائيل مؤخراً بأنها من دمره في عام 2007.

أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقد قالت في عام 2011 إنه "من المحتمل جداً" أن تكون جدران موقع الكبر قد أخفت مفاعلاً نووياً يجري بناؤه بمساعدة من كوريا الشمالية.

كلام ليبيرمان وكاتس ومن خلفهم مركز دراسات العلوم والأمن الدولي في واشنطن، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، مردود عليهم لأن سوريا انضمت إلى معاهدة عدم الانتشار النووي في العام 1968، كما وقعت على اتفاق الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في العام 1992.

وفي 27 كانون الأول/ديسمبر 2003، عندما كانت سوريا عضواً غير دائم في مجلس الأمن، تقدمت باسم المجموعة العربية آنذاك، بمشروع قرار ما زال باللون الأزرق في أروقة مجلس الأمن حتى هذه اللحظة، بهدف إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي وجميع أسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط، وقد اصطدم المشروع آنذاك باعتراض وفد الولايات المتحدة في مجلس الأمن والذي هدد باستخدام حق النقض الفيتو ضده.

ويجب التوقف ملياً في هذه الادعاءات عند ما قاله الدكتور يسري أبو شادي كبير مفتشي الطاقة الذرية الأسبق من عام 1984 حتى عام 2009 حيث نفى نفياً قاطعاً في كتابه "حوالي 70 سبباً" الصادر في العام 2010 أن يكون موقع الكبر المزعوم مفاعلاً نووياً، وقدم سبعين دليلاً ليثبت وجهة نظره، من ضمنها أن عمق المبنى تحت الأرض لم يكن إلا عشرة أمتار في حين أن عمق أي مفاعل في العالم لا يقل عن خمسين متراً، وأن مفتشي وكالة الطاقة الذرية لم يجدوا معمل استخلاص الوقود (البلوتونيوم)، وأن العينات التي جلبتها الوكالة أرسلتها لثلاثة معامل ولم تجد هذه المعامل أي نوع من اليورانيوم، حتى أن أولي هاينونن نائب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المعروف بعلاقته مع وكالة المخابرات الأميركية CIA أرسل العينات إلى معمل مشبوه في بلد مشبوه، وأنه لا يوجد برج تبريد، ولا مبان ملحقة في حيث أن أي مبنى لمفاعل نووي يحتاج إلى حوالي عشرين مبنى آخر ملحق يخدم المفاعل، وقال في مقابلة تلفزيونية فيما بعد إن نائب الرئيس الأميركي الأسبق ديك تشيني هو من كان يقف وراء هذا الادعاء، ومايكل هايدن، الرئيس الأسبق لوكالة الاستخبارات الأميركية، وكشف أن الولايات المتحدة تدفع 50% من ميزانية التفتيش و20% من ميزانية الوكالة ككل!

يذكر أن الدكتور يسري أبو شادي قدم استقالته من الوكالة الدولية لقناعته التامة بكذب الوكالة واختلاقها هذا الموضوع للضغط على سوريا ليس إلا.

لذا يأتي تجديد الاعتراف الإسرائيلي بتدمير موقع الكبر برأيي لثلاثة أسباب.. الأول: تشتيت الانتباه عن خطورة الواقع النووي الإسرائيلي على شعوب العالم، حيث تمتلك أكثر من 400 رأس نووي ويصل مدى الصواريخ النووية الإسرائيلية إلى 5000 كم.

والثاني: رسالة إلى إيران بأن إسرائيل كما دمرت مفاعل تموز العراقي عام 1981، ومفاعل الكبر المزعوم في سوريا تستطيع أن تدمر المفاعلات النووية الايرانية في العام 2022 مع امتلاك إسرائيل لطائرات شبح اف-35 وهو ما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد في فيديو من أمام مقاتلة اف-35، خلال زيارة إلى قاعدة جوية في جنوب إسرائيل، وقد نشر مكتبه مقطع الفيديو.

الثالث: أن إسرائيل تشن حملة دبلوماسية مكثفة في محاولة لإقناع الغرب بعدم إحياء الاتفاق المبرم بينهم وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية في 2015 والذي أصبح في حكم الميت منذ انسحبت منه الولايات المتحدة أحادياً في 2018.

وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه حصل من الرئيس الأميركي جو بايدن على الضوء الأخضر لكي تفعل الدولة العبرية "كل ما تراه مناسباً" لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي.

وفي حين يسعى بايدن إلى إحياء الاتفاق، فإن إسرائيل التي تعتبر القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، تعهدت ببذل كل ما في وسعها لمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية.

ومن هنا يمكن القول إن إسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة ودول الغرب لن تسمح ببناء مفاعلات نووية للأغراض السلمية أو العسكرية في المنطقة، لتبقى السيد المطاع المرهوب في العالم، على مبدأ شريعة الغاب من يمتلك القوة يضع القوانين.