لمصلحة مَن نهدمهم؟

الصدمة

إذا تتبعنا مسيرة شخصياتنا التاريخية، نجد أن الكثير ينسبون إليهم بطولات وأعمال عظيمة لم يفعلوها – والدليل على ذلك، إن الحدث الواحد الذي يدعون إن هذه الشخصية صنعته، تجده منسوبا لشخصيات تاريخية أخرى.

العقاد عندما كتب عن صلاح الدين الأيوبي، كان يعرف عيوبه، ولم يذكرها من باب، لمصلحة من أهدم هذه الشخصية؟! وجميع الكتب والمسلسلات التليفزيونية التي تحدثت عن شخصيات، لا يمكن أن تذكر عيبا واحدا فيها – فمعظمنا يعرف قدر أم كلثوم كمطربة نادرة الوجود – لكن في شخصيتها مثالب وعيوب، فقد استغلت عشق رامي والقصبجي لها ولم تعطهما ما يستحقان من أجر، واصطدم معها زكريا أحمد ورياض السنباطي لأنهما لم يعشقاها كما فعل رامي والقصبجي وصبري النجريدي، وأشياء أخرى كثيرة كان يمكن أن تقال وتُذكر في المسلسل الذي كتبه محفوظ عبدالرحمن عنها، وهذا لن يقلل من قيمتها وشأنها كمطربة عظيمة، فهي بشر، فيها الخير وفيها الشر.

لكن لصالح من نهدم شخصية عظيمة مثل أم كلثوم؟! حتى زواجها المعروف والمؤكد من الملحن محمود الشريف، لم يستطع محفوظ عبدالرحمن أن يذكره، فقد أتصل أحد أفراد أسرتها بمحفوظ عبدالرحمن تليفونيا، وقال له:

- لو ذكرت في المسلسل إنها تزوجت من محمود الشريف سأقاضيك، ولن تستطيع إثبات ذلك.

فاضطر أن يظهره في المسلسل على إنه مجرد خطوبة.

ويحكي الدكتور عادل النادي – المذيع والمثقف المعروف – إنه ناقش في برنامجه "مع النقاد" كتابا للدكتور أحمد علي الجارم – الذي فجر مفاجأة عجيبة، فكتاب "نماذج بشرية" لمحمد مندور – الذي قرأناه بإعجاب، وحاول الكثير منا، تقليده، اتضح إنه للكاتب الفرنسي جان كالفييه وترجمه مندور بعد أن أضاف إليه فصلين من تأليفه أحدهما عن إبراهيم عبدالقادر المازني.

وسأتعرض هنا لمواقفنا من كتابنا الكبار – الذين ينطبق عليهم – أيضا – مقولة: "ولمصلحة من نهدمهم؟!": فقد أجرى بول شاءول – المحرر الثقافي لمجلة "المستقبل" الأسبوعية العدد 109 في 24 مارس/آذار 1979 لقاءً مع المستشرق الفرنسي جان فونتين – مؤلف كتاب "الموت والبعث" عند توفيق الحكيم – قال فونتين: هناك سرقات في مسرحية أهل الكهف، فقد أخذ من النظرة إلى الخلف لادوار بيلامي ومن الزمن الحلم لهنري رينيه نورمان، وقد وجدت عند الحكيم جملا مترجمة حرفيا من هاتين المسرحتين، بل وجدت بعض المواقف منقولة، هذا إلى جانب 19 عملا مستوحى من أعمال غربية.

وقرأت منذ سنوات طوال كتاب "في الرواية المصرية" لفؤاد دوارة - ذكر فيه أن إحسان عبدالقدوس اقتبس فكرة روايته "لا أنام" من رواية "صباح الخير أيها الحزن" لفرانسواز سيجان.

وتأكد هذا عندما تم عرض فيلمين – مصري وفرنسي عن الروايتين في فترتين متقاربتين، ونحت لجنة جوائز السينما فيلم "لا أنام" لأن قصته مقتبسة.

ويحكي الشاعر والناقد الكبير شعبان يوسف عن حادث طريف شاهد فصول روايته:

ندوة في المقهى الثقافي بمعرض الكتاب الدولي، لمناقشة رواية "هوس البحر" للإعلامية راوية راشد، فوقفت سيدة لتدلي برأيها في الرواية، فقالت إنها من محافظة الإسماعيلية – وقد قدمت رواية لهيئة الكتاب على أمل النشر. وعندما سألت عن مصير الرواية، بحثوا عنها فلم يجدوها، وطلبوا منها نسخة أخرى. واكتشفت أن روايتها، هي هذه الرواية التي تناقشوها الآن، مع تغييرات طفيفة.

ولا نستطيع أن ننهي هذا الجزء دون أن نذكر الخلاف الذي حدث بين الكاتبين المعروفين: يوسف السباعي ومحمد جلال، الذي وصل لقاعات المحاكم. فقد ادعى جلال بأنه صاحب قصة فيلم جميلة بوحريد الحقيقي. فقد كان على صلة وثيقة بجبهة التحرير الجزائرية التي تدير المعركة الاعلامية من القاهرة، فطلب منه هواري بومدين - رئيس الجزائر فيما بعد - كتابة سلسلة تحقيقات بعنوان "أوقفوا إعدام جميلة بوحريد" وكانت القوات الفرنسية قد قبضت عليها وقررت إعدامها، وأعطوه نص مرافعة المحامي الفرنسي الذي دافع عنها ليستعين بها في الكتابة.

وكانت الفنانة ماجدة راغبة في تقديم شخصية جان دارك الفرنسية – فعرض محمد جلال عليها فكرة فيلم عن جميلة بوحريد باعتبارها جان دارك العرب. وفوجئ محمد جلال بخبر في الجرائد عن الفيلم مذكورا فيه إن القصة تأليف يوسف السباعي. فذهب لماجدة، فعرضت عليه مبلغ 500 جنيها ليسكت، لكنه رفض، ورفع قضية خسرها.