حكايات هنادي وصبري
مازلت أعجب بحكايات الراحل صبري موسى، وأحلم بأن أقدم كتابا بعنوان "حكايات مصطفى نصر" أهديه إلى الحكائين الكبيرين: هنادي محمود وصبري أبوعلم.
وقد تعرفت على هنادي محمود عندما عملت مع إذاعة الإسكندرية ككاتب درامي لبعض الوقت – كنت أذهب للإذاعة كل يوم تقريبا – فأجده وحده في حجرة التمثيليات – نضع مقعدين أمام الفراندة الصغيرة ويحكي لي بمهارة فائقة عن حياته في الواحات قبل سفره إلى القاهرة للإلتحاق بمعهد الفنون المسرحية.
قال لي: أحبك لأن بك شبها بعبدالحي شحاتة.
وقد عرفت عبدالحي شحاتة دون أن يعرفني - كنت أتابعه وأنا جالس بجوار صديقي منير فهمي – سكرتير إدارة التمثيليات – وكان شكلي قريب الشبه منه فعلا.
ويظل هنادي محمود يحكي حكاياته الطريفة عن زملائه العاملين في الإذاعة – وعن الممثلين والممثلات – وعن جيرانه في بيته – اجتمعت أنا وهو على الإعجاب بالشاعر محمود حسن إسماعيل – وتبادلنا تلاوة أشعاره الجميلة العميقة.
حكى لي عن زميله – المخرج الإذاعي الراحل " ........ " حكاية فيها مفارقة شدتني لكي أكتبها تمثيلية 2/1 ساعة – وعُرضت التمثيلية على اللجنة برئاسة وائل عبدالمجيد مدير القناة الخامسة في ذلك الوقت، وعضوية الكثيرين – ثلاثة منهم قرأوا النص - وكان هنادي أحدهم، فقال أمام اللجنة: سنرفض هذا النص دون إبداء الأسباب.
مما جعل الكل مشتاق لمعرفة سبب الرفض. فقال وائل عبدالمجيد:
- لا بد من معرفة السبب.
فصاح كاتب الإذاعة الماهر والشهير أحمد عبدالفضيل غاضبا:
- أنا ما نمتش طول الليل، لما قريت النص ده.
فعرفتْ اللجنة إن النص تعرض لموضوع يخص مخرج إذاعي راحل.
وقال هنادي ببراءة شديد:
- الغريب، هو مصطفى نصر عرف المعلومات دي منين؟!
ونسي أنه هو الذي حكى لي الموضوع من أوله لآخره.
أما صبري أبوعلم، فأعرفه منذ أواخر الستينيات – لكنني اقتربت منه أكثر في أواخر سنوات عمره وعمري – يعرف كل الأدباء – حياتهم ومكانتهم الأدبية – وأسرارهم، يحكيها مبتسما وساخرا.
يحكي عن ذكرياته في مدينته طهطا التي ظل يحبها ويفضلها على كل مدن العالم حتى مات – ويحكي عن الواحات عندما انتقلت أسرته إليها بعد أن عمل والده ناظر مدرسة بها – ثم مدينة مليج (بلد أمه) التي كان يعيش فيها فترة الإجازة المدرسية. ويحكي عن ذكرياته في المركب التي عمل بها عند تطوعه للعمل بالبحرية المصرية – حكاياته شيقة وثرية ولا تنتهي – حتى خصصت له "أجندات" لأكتب فيها ما يحكيه لي. وقد قال له قائل في جلسة أدبية بالقهوة التجارية:
- حرام هذه الحكايات لا تدون وتسجل.
فقال في بساطة شديدة:
- مصطفى نصر يكتبها.
وقال الشاعر أحمد فضل شبلول:
- وأنا أنشرها.
فهو ينشرها لي في "ميدل إيست أونلاين" .
صبري لي عما حدث له مع صديقنا الأديب الذي اتفق مع زوجته على الطلاق واقتسام "العفش" وطلب من صبري أن يكون معه وقت القسمة.
كتبتها قصة ونشرت في أهرام الجمعة – فاتصل أديب زميل بصديقنا صاحب المشكلة، فوجده نائما، فقال له:
- نائم، ومصطفى نصر شاتمك في الأهرام.
وأسرع الرجل بشراء الأهرام – وقال لصبري:
- قرأت الأهرام، فلم أجد مصطفى نصر يشتمني، الذي أراد أن يشتمني هو "فلان" – الذي أيقظه من النوم وأبلغه بالخبر.
كتبت الكثير من القصص – واستخدمت حكاياته في الكثير من الروايات – ومازال لدي رصيد كبير من حكاياته لم أوظفها في قصصي ورواياتي.
وعندما كتبت روايتي "اسكندرية 67" – صورت فيها شخصية صول في البحرية – يعمل في الأسطول المصري – اسمه عبدالله – وعند مناقشة الرواية في قصر التذوق – ووقف صبري ليعلق على الرواية – صاح الكثير من الموجودين:
- هذا هو الصول عبدالله.
ومن صدق وصفي لما يحدث في المركب، ظنني البعض أنني كنت مجندا أو متطوعا في "البحرية" – وهذا بفضل حكي صبري أبوعلم لي.