ليست إيران جادة في سلامها مع السعودية

تذهب إيران إلى بغداد للتفاوض مع السعودية من غير شروط كما يصرح سياسيوها. هل كان عليها أن تفرض شروطا على السعودية من أجل تنقية أجواء العلاقات التي قامت بتخريبها؟
اللغة المتعالية التي يحرص الإيرانيون على استعمالها لا تنبئ بخير
إيران ترغب أن تنتهي من خلافاتها الاقليمية قبل الانهماك في مفاوضات دولية
وصاية النظام الإيراني على أربع دول عربية ما هي الا تنفيذ حرفي لوصية خميني بتصدير الثورة

يبحث الإيرانيون عن منفذ جديد إلى المنطقة من خلال علاقة "سوية" بالسعودية.

من وجهة نظرهم فإن هدنة مؤقتة قد تمكنهم من غواية الغرب للاستجابة إلى مطالبها.

ما يشغل إيران اليوم أن لا تعود إلى استئناف مفاوضات النووي إلا بعد أن توضع شروطها موضع التنفيذ.

إنها تحاول قبل كل شيء أن تحصل على تعويضات مالية في مقابل أن تكف عن مسعاها لحيازة قنبلة نووية.

لذلك فإنها ترى في التهدئة مع السعودية بادرة تنطوي على محاولة لتشجيع الغرب على أن يفتح لها خزائنه مثلما فعل مع تركيا إبان أزمة اللاجئين السوريين.

لا تفكر إيران في ما يمكن أن يعود به الاستقرار من فوائد على دول المنطقة بقدر ما تفكر في ارجاء مشكلاتها داخل المنطقة إلى ما بعد تفكيك واحدة من أهم عُقد مفاوضات النووي والتي تتمثل في تمكينها من ابتزاز الطرف الثاني ولا أتصور أن الولايات المتحدة ستبخل في ذلك الشأن ما دامت أجندة أوباما قد وضعت على الطاولة مرة أخرى.

ومن اللافت أن إيران كلما شعرت أن صبر الأميركان والأوربيين قد بدأ بالنفاد تعلن أن عودتها إلى المفاوضات باتت قريبة.

وإذا ما كان الطرف الأميركي قد تخلى عن الشروط التي أوجبت إدارة الرئيس ترامب على الطرف الإيراني تنفيذها في مقابل رفع العقوبات والبدء في إبرام اتفاق نووي جديد فإن إيران لم تظهر تفاعلا ايجابيا مع تلك الخطوة وتبدي استعدادها لبدء مرحلة جديدة من العلاقات على ذلك المستوى بل ظلت تماطل حتى وهي تتفاوض كما لو أن الوقت بجري لصالحها أو هو ما يُفهم من سلوكها.

غير أن هناك نقطة جوهرية تقف بين إيران وبين المضي قدما في المفاوضات. تلك النقطة تتعلق بوضعها الاقليمي الشائك والمعقد وغير المريح بل والمزعج بالنسبة لدول المنطقة التي تقف المملكة العربية السعودية في مقدمتها.

تلك النقطة وإن لم تعد إدارة الرئيس بايدن تسلط الضوء عليها باعتبارها شرطا ليس من الصعب توقع وجودها بندا رئيسا في المفاوضات. فإذا كانت إسرائيل قد أعلنت من موقع اليأس استعدادها للتعايش مع إيران نووية فإن السعودية ودول الخليج لا يمكن أن تقبل بذلك.

كما أن الهيمنة الإيرانية المسلحة على أربع دول عربية وعلى القرار السياسي فيها ناهيك عما يمكن أن تشكله الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني في تلك الدول من تهديد مباشر لاستقرار وأمن السعودية ودول الخليج، كل هذا لا يشكل عنصرا مشجعا لمَن يسعى إلى مكافأة إيران بسبب تخليها عن برنامجها النووي العسكري.

بالتأكيد كانت تلك الموضوعات مطروحة على طاولة مفاوضات فيينا. وهو ما شكل عقبة أمام إيران حالت دون استمرار الحوار حيث تذرعت يومها بالانتخابات واختيار رئيس جديد ومن ثم تشكيل حكومة محافظة.

غير أن الحقيقة لا تقع هناك.

ترغب إيران أن تنتهي من خلافاتها الاقليمية قبل الانهماك في مفاوضات دولية تعتقد أنها ستجني من خلالها أرباحا كثيرة تعوضها عن الخسائر التي منيت بها بسبب فرض العقوبات الاقتصادية عليها.

تحلم إيران بصفقة شبيهة بتلك التي الصفقة التي عقدتها يوم قرر الرئيس باراك أوباما ابرام الاتفاق النووي معها.

لذلك فإنها تذهب إلى بغداد للتفاوض مع السعودية من غير شروط كما يصرح سياسيوها. هل كان عليها أن تفرض شروطا على السعودية من أجل تنقية أجواء العلاقات التي قامت بتخريبها؟

اللغة المتعالية التي يحرص الإيرانيون على استعمالها لا تنبئ بخير.  

أسلوبهم يقوم بالانفراد بالدول العربية دولة دولة مستبعدين مسألة الصلة العضوية بين أمن الدول التي يحتلونها وأمن السعودية. إنهم يريدون الانفراد بالسعودية كما لو أنها لا تشكل اليوم الجزء الحي الاهم من الكيان العربي.

بسبب ذلك التعالي ستصل مفاوضات بغداد كما أتوقع إلى طريق مسدودة. ذلك ما لا يتمناه أحد. ولكن السياسات الإيرانية ومنذ أكثر من أربعين سنة لا تتماشى مع مبادئ حسن الجوار وحق الشعوب في اختيار أنظمتها السياسية. ليست الوصاية التي يمارسها النظام الإيراني على أربعة دول عربية قائمة على أساس التحولات التي شهدتها المنطقة في الالفية الثالثة بل هي تنفيذ حرفي لوصية الامام الخميني المتعلقة بتصدير الثورة.

وهنا بالضبط تقع المفارقة. تذهب إيران إلى المفاوضات مع السعودية من أجل تنقية الاجواء من غير شروط باستثناء اصرارها على الاستمرار في الوصاية على أربع دول عربية محيطة بالسعودية. ما معنى ذلك؟

معناه أن الإيرانيين يريدون من السعوديين أن يوقعوا لهم شهادة براءة يقدمونها إلى المجتمع الدولي ليقبل بإيران عضوة في النادي النووي.

ذلك ما لن يفعله السعوديون.