ليست دولا فاشلة بل دول ميتة

لا يزال المواطن العربي ضعيف الحيلة أمام التنظيمات والجماعات والأحزاب الدينية. ليس هناك نموذج لدولة مدنية يدفع به للشعور بالاطمئنان فيقف بوجهها.
صارت هناك دولة إسلامية ثانية بعد الجمهورية الإسلامية في إيران
جماعة الإخوان وفروعها لم تفقد الأمل في أن تستعيد ما فقدته
هناك رغبة قديمة في تحطيم العالم العربي

ستكون هناك دولة اسلامية ثانية بعد الجمهورية الإسلامية في إيران. سبقتنا أفغانستان. هناك دول عربية كانت مرشحة لكي تلتحق بإيران. مصر والعراق واليمن وليبيا وتونس. حتى تونس التي انتصرت الفوضى فيها على حركة النهضة وهي ربان السفينة كما شاءت الارادة الشعبية المزورة لا في مراكز الاقتراع بل في العقول.

يفكر ذوو الرؤية الاستراتيجية من المتحمسين لقيام الجمهوريات أو الامارات الإسلامية في أن فشل استمرار الدولة الإسلامية في العراق والشام لم يجهض حلم الرجوع إلى المنطلقات النظرية لجماعة الاخوان المسلمين وليس الاكتفاء بـ"داعش" التي تضرب وتهرب نهاية لذلك الحلم الذي يمكن استخراجه من السلوك اليومي للمواطنين الذين لا يرغبون في اغضاب رعاة الدين في ظل غياب برنامج ثقافي واضح لتفسير العلاقة بين المواطنة الحقيقية وبين التقدم الاجتماعي.

لا يزال المواطن العربي ضعيف الحيلة أمام التنظيمات والجماعات والأحزاب الدينية. ذلك لأنه ليس هناك نموذج مدني متوازن يدفع به إلى الشعور بالاطمئنان ليقف بصلابة أمام عمليات الابتزاز التي تُمارس تحت مظلة التهديد بغضب الله والجحيم والخروج عن خط الإسلام وسواها من العبارات والمفردات التي يمكن تفكيكها بيسر لو كانت هناك ثقة متبادلة بين المواطن ومنظمات حقوق الإنسان التي تضطلع بمسؤولية تنويرية أكثر من أن تكون اجرائية.

وبالرغم من أن هناك ظروفا تتباين بين بلد وآخر حالت دون قيام امارة إسلامية هنا أو هناك في العالم العربي فإن الجماعات والأحزاب الدينية لا تزال تأمل في أن تتبدل تلك الظروف ويعود الربيع سيدا لكل فصول السنة العربية. لم تفقد جماعة الاخوان وفروعها الأمل في أن تستعيد ما فقدته. ما حدث في مصر من تحولات اقتصادية ومدنية وسياسية كبيرة. ما تشهده تونس من تحول جذري في صيغة الحكم. ما شهدته ليبيا من انتقال إلى مرحلة حكم مدني محكوم برقابة دولية. ما صدر في السودان من قوانين تجرم خلط الدين بالسياسة. كل ذلك لم يشكل ضربة قاضية لفكرة الامارة الإسلامية التي حورها الحوثيون في اليمن وموالو إيران في العراق ولبنان ليكونوا من خلالها جنودا في طاعة الولي الفقيه.

ذلك هو مصدر السرور الذي غمر أحزابا وتنظيمات كثيرة يعتقد البعض أنها لا تتفق مع حركة طالبان. حزب الله على سبيل المثال. هل هي الشماتة بأميركا؟ ولكن حزب الله سيفعل الأسوأ إذا ما تمكن بشكل نهائي من لبنان. سيلحقه فعليا بإيران ويبقيه هيكلا فارغا من المحتوى ومجرد دولة على الورق. هل ستكون هناك يمن إذا بسط الحوثيون نفوذهم على كل الأراضي اليمنية؟ إذا أردنا معرفة ما الذي يمكن أن تثمر عنه العلاقة بإيران علينا العودة إلى واقع ما انتهت إليه الكارثة العراقية.

العراق حتى بالنسبة لزعمائه السياسيين الحاليين هو مجرد كذبة. غير أنها كذبة يمكن للمؤسسات المالية الدولية وحدها أن تتعامل معها بثقة. فالعراق بلد نفطي. هناك حكومة في العراق مهمتها الاقتراض. سيكون المستقبل قاسيا. وهو ما مطلوب من لبنان. غير أن حزب الله يخشى أن تكون هناك خديعة فرنسية. ذلك ما يدفعه إلى ارجاء كل شيء. ما ينتظره الجميع قرار أميركي يحسم كل شيء مثلما حدث في أفغانستان.            

ستكون إيران على درجة كبيرة من الانزعاج لو أن جارتها امارة أفغانستان ظلت وحيدة في انجازها التاريخي ولم تلتحق بها دول كاليمن والعراق وتونس. أليست الفوضى ممكنة في السودان والجزائر وليبيا؟ لا تزال تركيا على الخط بالرغم من أن هناك إشارات كثيرة تؤكد أن حكومة أردوغان تسعى إلى تحسين علاقتها بالعالم العربي. تلك العلاقة التي ساءت بعد اسقاط حكم الاخوان في مصر. في تركيا نظام سياسي لا يمكن أن يكون مصدر ثقة. ولكن هناك سؤال حائر "لمَ لا يتبنى مناصرو الجماعات الإسلامية فكرة الدولة الدينية في بلادهم وفي المقدمة يقف أردوغان؟"

ذلك سؤال ينقلنا إلى ما بعده. هناك رغبة قديمة في تحطيم العالم العربي. اتفاقية سايكس بيكو لم تعد نافعة. لقد صنعت تلك الاتفاقية دولا. المطلوب اليوم أن تزول تلك الدول. وليس هناك من قوة سوى الإسلام السياسي قادرة على إزالة تلك الدول وتحويلها إلى كيانات تابعة.

حين قررت الولايات المتحدة الانسحاب من أفغانستان كانت تعرف أنها لن تكون سوى دولة ميتة. وهذا ما سيكون عليه مصير أية دولة يتمكن منها حملة الإسلام السياسي.