ليست هذه العزلة التي أريد

زينب عفيفي: هجوم فيروس كورونا بشكل غير متوقع أربكني كما أربك الملايين من البشر في كل أنحاء العالم. 
من أطرف الشائعات الضاحكة التي وصلتني عبر الرسائل الخاصة أن كورونا فيروس يهودي لإرباك الإقتصاد العالمي
الصحافة لا تخضع للأحداث فقط وإنما هي الحدث ذاته

في غضون أسابيع قليلة تفشي "فيروس" لا يري بالعين المجردة العالم، ووضعه في حالة عزلة تامة متخطيا للحدود، غير مباليا بأحد أيا كانت مكانته الدولية والشخصية، متخذا مسارا إجباريا لإثارة الهلع، دون معرفة حقيقية لإنتشاره، ووجوده، مما أثار رعبا حقيقا في النفوس علي كافة الجنسيات والإمكانيات، ومع تصاعد حالات الإصابة وحالات الوفاة أيضا فرضت الدول العزلة الإجبارية على شعوبها، الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات على الكاتب والمثقف. 
وفي هذا الحوار مع الروائية والإعلامية زينب عفيفي نتساءل عن هذه العزلة وتأثيرها عليها روائية وإعلامية وأمًّا مسئولة عن أسرة، ثم نتعرف على رؤيتها عن تأثير الأزمة على الثقافة والمثقف خاصة والوضع الإنساني عامة وما يمكن أن تفضي إليه الأزمة من نتائج.
بداية تقول عفيفي إن هجوم فيروس كورونا بشكل غير متوقع أربكني كما أربك الملايين من البشر في كل أنحاء العالم، خاصة مع ضبابية المعلومات العلمية حوله، واتساع رقعة الشائعات حول أسباب وجوده وانتشاره دوليا وتأثيره اقتصاديا على العالم، الذي تكبد الآلاف من الأرواح والمليارات من الدولارات في كل الدول التي تفشي فيها المرض بصورة واسعة، وما سببه الإعلام والسوشيال ميديا من تأثير مباشر في بث الزعر في النفوس ربما أقوى من تأثير الفيروس نفسه.

الأوبئة مثلها مثل الحروب تؤسس لتغيرات جذرية في نمط حياة الشعوب اليومية وتنتهي التجربة بخلق وتؤسس لقيم وأفكار وأنماط مختلفة للحياة الإنسانية

نوافذ الأمل
وأضافت عفيفي أن هذا الفيروس الجائح تسبب في عزلة إجبارية لثلث سكان العالم، ولكنها ليست العزلة المحبّبة، إنها أشبه بالسجن القهري الذي يشل التفكير، مشكلا حالة من القلق والترقب والخوف والرعب مما يجعلنا حائرين، ويصيبني بحالة من التوتر والإحساس بعدم جدوى الكتابة، ولكني أحاول أن أفتح نوافذ للأمل بأن محنة مصيرها الزوال، وأشغل نفسي بالقراءة، وعدم الوقوف أمام هذيان العالم من حولي، وكأننا نعيش أحداث رواية من روايات الخيال العلمي، أو أننا نشاهد فيلما من أفلام "الأكشن" السينمائية، وتبقي القراءة هي الهروب الآمن.
أما الكتابة الصحفية، فلا أملك رفاهية التوقف عنها، فالصحافة كما يعلم الجميع لا تخضع للأحداث فقط وإنما هي الحدث ذاته، فلا بد من تقديم مادة صحفية تلائم هذه الظروف المضطربة، فالخبر هو بطل الظرف الآني، الخبر الصادق البعيد عن منافذ الشائعات، دون مبالغة أو ترهيب أو تخويف، فالصحفي لا بد وأن يمتلك قدرة الكتابة في وقت الأزمات والكوارث بكل مصداقية وحرفية في كتابة الخبر وتغطية الأحداث بشفافية، لكن للأسف هناك كثيرون لا يلتزمون بالتحري في كتابة الأخبار مما يزيد حالة الاضطراب والمخاوف والشائعات التي تقتل الأرواح مثل الفيروسات، وهذه الربكة المفاجئة التي أحدثها هذا الفيروس الشرس في العالم لم يمنع الكتابة الصحافية، لكنه أثر علي الكتابة الإبداعية، فوجدت نفسي أكتب بعض التأملات التي يمكن تصنيفها بالهواجس أو التأملات المغلفة بالحذر والخوف والقلق والترقب والانتظار لنهاية غير معلومة لفيروس غير معلوم أيضا، استطاع أن يوقظ العالم أجمع من غفلته. 
حرب بيولوجية
وترى عفيفي أن فكرة هذا الفيروس جاءت كحرب بيولوجية لكسر احتكارات إقتصادية، فهذا أمر مستبعد رغم كثرة الشائعات حوله، وخاصة مع اتساع رقعة انتشاره في أكبر الدول ومع أشهر الشخصيات العالمية المعروفة من قيادات سياسية وعسكرية، وهذا جعلني أميل إلي أنه نوع من الفيروسات المحوّرة لفيروس الكورونا القديم، ومازال العلماء يجتهدون في إيجاد علاج له. ومن أطرف الشائعات الضاحكة التي وصلتني عبر الرسائل الخاصة أنه فيروس يهودي لإرباك الإقتصاد العالمي. وكلها شائعات أمام انتشار فيروس قاتل.
موقفي كأم
وحول تأثير هذا الفزع العالمي لفيروس الكورونا عليها كأم، تقول عفيفي: لا أستطيع أن أنفي مخاوفي كأم، وما أصابني من رعب دائم على أولادي، أرعبني ما يجري بالفعل على أولادي وعائلتي، والعالم من حولي لأننا كلنا أصبحنا في مركب واحد، نواجه نفس المصير، وخاصة أن طرق الوقاية منه بسيطة وممكنة ومتاحة، لكنها لا تمنع انتشاره كما نرى كل يوم من إصابة أمراء ورؤساء ووزراء وقيادات عسكرية مما يثير بداخلي الخوف من أننا ربما لا نجدها في الأسابيع القادمة أنفسنا لا قدر الله أمام مأزق لا نستطيع الإفلات منه، وأن البقاء في البيت هو طوق النجاة الأخير.
الأزمات والتاريخ 
وتؤكد عفيفي أن الأزمات الكبري عبر التاريخ الإنساني غيرت مسار الإنسان والشعوب والحكومات. وما قد يخلفه هذا الفيروس من المؤكد أنه سيغير خريطة العالم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، إننا بالفعل نعيش لحظات تصل إلي حد الجنون، ولا بد من أن يكون للوعي دور في تخفيف حدة المأساة التي نتغلب عليها أحيانا بالسخرية. 

وأعتقد أن الدولة انتبهت لهذا التغيير بإطلاق مبادرة "خليك في البيت – الثقافة بين أيديك" عن طريق إذاعة حفلات موسيقية من دار الأوبرا علي قنوات التليفزيون، وبث قراءات مسموعة لبعض الأعمال الروائية والقصائد الشعرية بأصوات الروائيين والشعراء أنفسهم من خلال قناة خاصة على اليوتيوب، مما أوجد حالة من الحراك الثقافي يتناسب مع الظروف الطارئة، وأكد على أهمية دور الثقافة في الترفيه عن الناس في أوقات الأزمات، وأن كنت أرى أن ترسيخ الوعي في الوجدان أمر ضرور باستمرارية التعاون بين الثقافة والإعلام بعد انتهاء هذه الأزمة، وفرض الحظر والمكوث في البيت حتى لا يتحول الأمر إلى مجرد مبادرة للتسلية وليست وسيلة من وسائل ترسيخ الوعي الثقافي وإعادة التفكير الإيجابي لتأكيد دور الثقافة الحقيقية. بعد ما انتشرت مؤخرا ثقافة أغاني المهرجانات التي نجونا منها بفضل فيروس الكورونا.
دور الحكومات
وتشدد عفيفي على أهمية وضرورة أن تسعى الحكومات لحماية شعوبها من التأثير الاقتصادي لهذه الأزمة الصحية العالمية. وينبغي حماية الذين تعرضوا إلى الأضرار الشديدة من الوقوع ضحية الإفلاس أو فقدان مصدر الرزق بلا ذنب اقترفوه. فالمطعم الذي تديره أسرة في بلد يعتمد على السياحة، أو الموظفون في مصنع أغلق أبوابه بسبب حجر صحي محلي، كلهم يحتاجون إلى دعم لتجاوز الأزمة، وبعض المهن التي تعتمد على العمل اليومي الحر، كل هذه النماذج وغيرها لا بد أن تجد الحكومات حلولا عاجلة لها، بإنفاق الأموال لأغراض الوقاية من الفيروس والكشف عنه والسيطرة عليه ومعالجته واحتوائه، وتقديم الخدمات الأساسية لمن يتعين احتجازهم في الحجر الصحي ولمؤسسات الأعمال المتضررة. فعلى سبيل المثال، يمكن للحكومات أن تخصص موارد للإنفاق في هذه المجالات أو لحشد جهود العيادات الطبية والعاملين في المجال الطبي في الأماكن المتأثرة بالفيروس حتى ينجو العالم من هذه الفيروس المتوحش. ولا بد لرجال الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني أن يقفوا إلى جانب الحكومات في التصدي لهذا الوباء الذي لا يفرق بين الفقير من الغني.
أسئلة وجودية
وتخلص عفيفي إلى أن الأوبئة عبر التاريخ أثارت العديد من الأسئلة الوجودية في العقل الجماعي للشعوب الموبوءة، بل تركت في بعض الحالات تأثيرات على التركيبة النفسية لأجيال كاملة. فالأوبئة مثلها مثل الحروب تؤسس لتغيرات جذرية في نمط حياة الشعوب اليومية وتنتهي التجربة بخلق وتؤسس لقيم وأفكار وأنماط مختلفة للحياة الإنسانية. بل وتنشأ مدارس فكرية وفنية، كما حصل بعد الحرب العالمية الثانية مع ظهور المدرسة السريالية فنياً، والوجودية والفوضوية في الفكر والفلسفة.