ليليت فهمي تحلم بالمشهد

الناقدة والممثلة المصرية: المهرجانات المسرحية لوزارة الثقافة تحتاج إلى إعادة هيكلة جذرية.
البنت تكتشف أنها خدعت من مخرج صوَّر لها أنها تناضل من أجل قضية تحرر المرأة
المشهد المسرحي المصري متنوع على أصعدة سياقية عدة منها البعد الجغرافي

تجمع ليليت فهمي بين التمثيل والنقد المسرحي حيث تعد من الأقلام النقدية الواعدة في الحركة المسرحية المصرية والعربية حيث تتابع وتشارك في المهرجانات والملتقيات المسرحية المتخصصة، ولها كتاباتها التي تنطلق من رؤية عميقة بتاريخ الدراما المسرحية وتطوراتها الراهنة. 
ومن جانب آخر تعد من الوجوه الفنية المسرحية متميزة، شاركت في العيد من الأعمال "ميديا" للكاتب المسرحي اليوناني يوربيديس، و"كنت في بيتي وكنت انتظر ان يأتي المطر" لجان لوك لاغارس، و"خط الأم" حكي على مسرح الفلكي، وحصلت على جائزة أفضل ممثلة في الدورة الـ 13 من مهرجان الشباب المبدع، الذي نظمه المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة، عن عرضها "أغنية القطار الشبح" تأليف فرناندو أرابال. 
كما قدمت فيلما قصيرا "حلم المشهد" عرض بالعديد من المهرجانات الدولية ناقشت فيه قضايا المرأة من خلال بنت تحاصرها رغبة أن تقص شعرها كلما أحست بالقهر، حتى ينتهى بها الأمر للتخلص من شعرها كله، لكنها تكتشف أنها خدعت من مخرج صور لها أنها تناضل من أجل قضية تحرر المرأة. وفي هذا الحوار معها نتعرف على رؤيتها للمشهد المسرحي مصريا وعربيا. 
بداية أكدت ليليت فهمي أن المشهد المسرحي المصري متنوع على أصعدة سياقية عدة منها البعد الجغرافي، فالمسرح بالفعل يقدم من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، وما ينطوي عليه هذا التنوع الجغرافي من تنوع ثقافي بالضرورة. بالإضافة لأنماط الإنتاج من حيث الكم والكيف، بدءا من الإنتاجات الصغيرة للغاية كما في تجربة مثل نوادي المسرح التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة إلى إنتاجات كبيرة مثل البيت الفني للمسرح، فضلا عن مسرح المستقلين والمسرح الجماعي. 

الدراما المسرحية وتطوراتها الراهنة
من الوجوه الفنية المسرحية المتميزة

هذا التنوع يفرض بالطبع تنوعا جماليا وأيديولوجيا إلا أننا لا يمكننا أن نعثر على فروق جوهرية واضحة بينها، وهو ما يجعلنا أمام سؤال مركزي: إلى أي مدى تعبر هذه العروض عن خصوصية منتجيها ومجتمعاتها المحلية ومتطلبات هذه المجتمعات الجمالية والايدولوجية؟!
سؤال الهوية
ورأت ليليت أن المسرح الآن بحاجة إلى تجديد سؤال الهوية بصورة دائمة، ولا أعني بالهوية الجثة الراسخة التي نحملها من الماضي، إنما أعني بها جدل الذات الدينامية الخاضعة لمتغيرات دائمة ويشتبك فيها الماضي مع الحاضر ويستشرف المستقبل. باعتبار الهوية مفهوم مركب يعكس الوعي براهنية الواقع كمتغير يتفاعل مع المركب الحضاري التاريخي. وذلك باعتبار المسرح مجالا للذات الإجتماعية ورفع مطالباتها عبر القيم الجمالية.
وقالت أظن أن أشكال الرقابة ولا أعني فقط السياسية إنما الرقابة الاجتماعية والذاتية  أيضاً، تضعنا أمام إجابات آمنة ومحسومة سلفاً وهو ما يشكل العدو الأول للمسرح لأنه يفقده صفة الآنية وراهنية الحاضر بأسئلته. هذه الاخيرة هي مبعث حيوية المسرح لأنها تحدد النوع وتمثل شرطا بقاء الجمهور. ربما نجد العروض الكوميدية هي الأكثر رواجا جماهرياً، لأنها تشير مباشرة لقضايا الواقع ولو بكثير من المواربة، ولذلك نجد أن أزمة الجمهور هي أزمة لا يعاني منها "مسرح مصر" على سبيل المثال، ذلك لاعتماده على مواكبة الأحداث واستلهامه لتقنية كوميديا الفيس بوك والتريندنج. بالإضافة للدعاية واسعة الانتشار. 

ينتهى بها الأمر للتخلص من شعرها كله
بنت تحاصرها رغبة أن تقص شعرها

والحقيقة أن مسألة الدعاية واحدة من أهم التحديات التي تواجهة المسرح بشكل عام. فبالكاد تجد مواطنا يعرف أن هناك مسرحا قوميا في العتبة، وإذا ما عرف مكانه يظن أنه مغلق، وهذا نصاً ما يمثل أغلب تعليقات سائقي التاكسي على الرغم من أنهم الاكثر حركة في المدينة. ومشكلة انعدام الدعاية الكافية جعلت من المسرح والمسرحيين مجتمعات صغيرة مغلقة على نفسها ومجهولة للمجتمع، وهو بالطبع ما أفسد المسرح وأدخله لمنطقة المجاملات الاجتماعية بين أفراد المسرحيين وبعضهم البعض.
دور وزارة الثقافة
وحول الدور الذي تلعبه وزارة الثقافة من أجل المسرح، قالت ليليت فهمي: "يمكنني بسهولة أن أقول لك إننا في كل لحظة نلمس نوايا طيبة ولكن النوايا الطيبة لا تصنع شيئا. الحقيقة أننا بحاجة لإعادة هيكلة لمؤسسات إنتاج المسرح واضعين نصب أعيننا الأسئلة الأولية الأولى: لماذا المسرح؟ ما أهميته؟ لماذا المهرجانات؟ لمن المسرح؟ وكيف نصل للفئات المحددة؟ّ ما هي مشروعات تطوير العاملين بالمهنة؟ كيف نصل بالمسرح لأبعد وأصغر قرية في أصغر وأبعد إقليم؟ كيف يمكن أن تقلل ورزاة الثقافة من أعبائها المالية تجاه هذه المسئولية المجتمعية بالتشارك مع جهات مؤسسية أخرى داعمة وغيرها من الآليات التي قد تزيد الجودة دون زيادة الأعباء المالية. 
بالإضافة إلى تصميم نظام متابعة وتقييم محكم داخلي وخارجي أي يجريه القائمون على التجارب والمشروعات "تقييم ذاتي "وتجريه جهات مسئولة عن هذا الدور بحد ذاته ما أن تجاهلنا هذه الخطوة الأخيرة  تحديدا حتى فسدت العملية برمتها.
وأشارت إلى أن المهرجانات المسرحية التي تقيمها وزارة الثقافة تشكل إضافة وتطورا للمسرح المصري، لكنها تحتاج إلى مراجعات جذرية في إطار الأسئلة السابقة، بالإضافة إلى أنها في حاجة إلى مراجعة سياقية بحيث لا تصبح متمركزة في القاهرة وتوزع على جميع أنحاء مصر، لأن المركزية تحصر التأثير في حيز جغرافي واحد، بالإضافة لضرورة تفعيل بروتوكول بين وزارة الشباب والرياضة ووزارة الثقافة لاستخدام بيوت الشباب باعتباره منخفضة التكلفة لنقل الفرق والمجموعات المسرحية لحضور الفاعليات. أظن هناك الكثير من المقترحات لدى العاملين بالمسرح من شأنها تفتيت هذه المركزية  الظالمة.
المسرح المكتوب

النقد عقل العملية المسرحية
النقد يعاني أزمة كبيرة

ولفتت ليليت فهمي إلى أن هناك نصوصا مسرحية مصرية، وهذه النصوص بالتأكيد تتفاوت في الجودة، ولكن عندما نقول إن هناك أزمة نصوص فإننا بذلك لا نعني أنه لا يوجد كتاب أو محاولات كتابة بل وبعضها نصوص جيدة. إنما نعني وجود حركة وعي، تيارات كتابة واعية أصيلة لها طابع خاص وتعكس تصورا إجتماعيا وتستطيع فهم تناقضات الواقع. والحقيقة بهذا المعنى أن أزمة النصوص العربية هي أزمة  ضاربة الجذور تعود للحظة تعرفنا على النموذج الغربي والاحتجاز داخل جمالياته وداخل خطابه الذي ينفي الدرامية عما هو غيره.  بل ونتبني هذا الخطاب نفسه نقدياً وهو ما ينطوي ضمنياً على إحتقار للذات، هذا يستدعي فحصا ثقافيا جماعيا لحركة ومشروع فكري كامل لا ندين أو نقصي فيه شخصا بعينه أو مجموعة من الأشخاص قدر ما نفحص مواضعاته ونستجوبه.
وأكدت ليليت فهمي أن النقد أيضاً يعاني أزمة كبيرة مردها إنعدام الجمهور الفعلي غير المحمل بمواقف إلا رغبته في الاستمتاع. إن إفتقار الجمهور بهذا المعنى يضع العملية المسرحية كلها في إطار الإحتفالات والمجاملات بلا أي رؤية نقدية موضوعية. هذا بشكل عام أما بصورة أكثر تحديدا فإن مساحات النقد في المطبوعات المصرية هي مساحة ضئيلة جدا مقارنةً بالإنتاج المسرحي وبتعداد السكان من ناحية وبالعاملين والمهتمين بالمسرح من ناحية أخرى. بالإضافة إلى أن المطبوعات المسرحية المتخصصة تعاني ضعفا في آليات التوزيع، وبالتالي لا تصل بسهولة للمهتمين بها.
وختمت أن النقد باعتباره عقل العملية المسرحية لا ينتهي عند النقد التطبيقي للعروض وحسب، إنما يمتد لتنظير والتأسيس للحركة المسرحية وهنا تحديدا لا نكاد نجد مطبوعة مسرحية متخصصة واحدة تتجه للقارئ المتخصص، بل نجد مراوحة دائمة فيما نعتبره مطبوعات متخصصة تحاول استجداء قارئ عادي من ناحية ومن ناحية أخرى المحافظة على اللغة النقدية العلمية الخاصة، وبالطبع هذه المراوحة تضعف المطبوعات. 
إننا ربما في حاجة لإزدياد عدد المطبوعات المسرحية والإتفاق على إجابة واضحة حول من هو جمهورها، ليصبح لدينا بوضوح مجلة أو جريدة متخصصة ذات مستوى علمي رفيع تواكب حركة المسرح عالمياً، وتشتبك مع النظريات الفكرية والنقدية الحديثة وأخرى ذات طابع جماهيري واضح.