لينا هويان الحسن تنحت أسلوبها الخاص

المرأة في أعمال الكاتبة السورية ليست مجردَ عنصر مكمل في عالم الآخر بل هي من تؤثث فضاءها، وترتادُ دروباً مُلغمةً بتابوهات.
لي عداوات كثيرة ومعظم الآراء النقدية الشرسة التي تعرضت لها هي بأقلام "نسوية" أقلام تكرّس المرأة "المراهقة"
نساء آغاية يتكلمن بينما أناملهن الارستقراطية مزينة بخواتم ورثنها عن جداتهن

تمكنت الكاتبة والروائية السورية لينا هويان الحسن من نحت أسلوب خاص بها، فأعمالها الروائية مُعبقة بنفس أُنثوي إذ أن المرأة ليست مجردَ عنصر مكمل في عالم الآخر بل هي من تؤثث فضاءها، وترتادُ دروباً مُلغمةً بتابوهات. لذلك فمن يقرأُ أعمال مؤلفة "بنات نعش" يدركُ بأنًّ المبدأُ المحرك وراءها هو "أن السرد الذي لا يُؤنثُ لا يُعولُ عليه" كما أن ميثولوجيا الصحراءِ تُطعمُ بنية رواياتها بفنتازية شفيفة.
وفي ردها على سؤالنا حول إحتفائها بشخصيات نسوية وإحالة عناوين أعمالها إلى عالم المرأة قالت صاحبة "نساء وألماس": لطالما قدّم الأدب العربي نساءً هشّات يتوقفن عند جرح الحب الأول، يغدون محطمات مع أوّل قصة حبّ. وغالبا ما أُرتُكِبت هذه الحماقة بأقلام نسائية. على مدى نصف قرن من الإبداع "النسوي" العربي، غالبا ما قُدّمت كشخصية متفانية، منهكة، تحمل شعارات كثيرة لحياتها، أهمها "الرجل الظالم الغاشم الذي لا يعرف الحب بقدر ما يعرف الخيانة". 
هكذا بطلات كن مفضلات دائما لدى أديباتنا تحديدا الجيل الذي سبقنا، ومازلت أقرأ لكاتبات من جيلي، الأنماط ذاتها، لم تتغير. بالنسبة لي، عمدت اختيار "أنثى الضفة الأخرى" المرأة المستبدّة على نحو خفي، تفعل كلّ ما تريده عبر الحيلة، ربما يسوء نساء هذا الزمن الاعتراف أن جداتنا كن أذكى منهن، كانت المرأة تنجب قبيلة من الأولاد تربيهم دون أن تزور عيادة الطبيب النفسي مثلا. نساء هذا الزمن معطوبات، انظر مواقع التواصل الاجتماعي وانظر حجم الغباء والحمق في تسوّل الحب  والاهتمام، على طريقة المراهقات. 
لهذا اخترت نسائي "المحتالات، الشريرات، اللعوبات". أردت تسريب بعض العدوى للقارئات. وللأسف تتعرض رواياتي لحرب دائمة من قبل الناقدات والكاتبات والصحفيات لأن بطلاتي، سيّدات قويّات يصعب تقليدهن. وهذا سبّب لي عداوات كثيرة ومعظم الآراء النقدية الشرسة التي تعرضت لها هي بأقلام "نسوية" أقلام تكرّس المرأة "المراهقة". 

ما كتبته لم يكن رؤية، إنما شهادة شخصية تتخللها الكثير من الذكريات عن البادية الشامية التي عرفتها خلال طفولتي

إنهن يرفضن فكرة النضج على طريقة "برلنت" في "ألماس ونساء"، أو فكرة التمسّك "الأنا" على طريقة نازك خانم. أو القدرة على تغيير الحياة رغم أنف الكل مثل بطلاتي في "سلطانات الرمل". وإلا بين وقت وآخر تنتقدني إحدى الكاتبات بسبب ما تسميه "الجنس الصريح" في روايتي "بنت الباشا"، لا أعرف كيف سنتتطور ولدينا داعيات الثقافة اللواتي يتربصن بما كُتب عن علاقة حب بين بطلة وحبيبها، كيف لي أن أكتب نصّاً منقوصاً؟ 
أحدهم وصف "بنت الباشا" على الانتسغرام بأنه يصعب تركها في البيت، بسبب احتوائها على مقاطع جنسية فاضحة؟ بينما هو نفسه يروج على صفحته لكتب هنري ميللر؟! من يفهمني هذا التناقض والغباء الثقافي؟ إحدى الكاتبات وصفت روايتي "ألماس ونساء" أنها تروّج للعهر؟! بينما تستشهد بمقالاتها بأقوال لفرجينييا وولف وأناييس نين، لإذن مسموح لأناييس نين أن تكتب عن الجنس لكن ليس مسموحا للينا هويان الحسن أن تكتب شيئا من ذلك؟! من يفسر لي هذا المأزق السخيف، الذي لا أتوقف عنده إلا على سبيل المزاح والاستهزاء.
وعن سر اهتمامها بمدينة دمشق حيث ظهرت بؤرة مكانية لرواية "بنت الباشا" وإلتفاتها إلى التراث الصوفي وإختيار موادها الروائية أردفت موضحةً: دائما ما أختار قصصا حقيقية، وأبني النص وفق شخصية اختارها، عندما حدث وأن عشت جزءاً كبيراً من حياتي في منطقة "ركن الدين" في دمشق تعرفت على الشام من خلال نسائها، لطالما سمعت الحكايا تخرج من أفواه نساء تُلّقب الواحدة منهن بـ "الآغاية"، أي مؤنث "آغا". يتكلمن بينما أناملهن الارستقراطية مزينة بخواتم ورثنها عن جداتهن. فمعظم أمهات وجدات دمشق القديمة من "الكرجيات" أي الجواري الروسيات، وصلن دمشق من خلال أسواق النخاسة التي ظلت مزدهرة حتى أواخر القرن التاسع عشر، وكثير من صديقاتي كن يحتفظن بصكوك العتق لجداتهن. وقد زودت الرواية بأحد تلك النصوص القضائية التي تشبه حكاية خيالية أكثر من أن تكون حكماً قضائيا يعتق عبدة أو جارية. 
كن يتحدثن عن علاقات الجوار الرائعة بين الأديان الثلاثة الرئيسية التي تعايشت في دمشق لقرون طويلة: "إسلام، ومسيحية ويهود" إضافة إلى العجينة الغريبة التي كوّنت سكان دمشق على مرّ القرون، من شركس وأرمن وتركمان، وأكراد، أذريين وداغستانيين وتتار وأتراك. 

Literary dialogue
كتبتها لأشفى قليلا من حزني

لدمشق حكاية فريدة مع التنوع، والتعايش الديني والمذهبي والطائفي، أردت استعادتها من خلال أعمالي للتذكير بذلك العالم المطمئن الذي نعمت به دمشق رغم محاولات مشبوهة ومتكررة من قبل القناصل الأجانب لإثارة النعرات الطائفية بين وقت وآخر لكن دمشق نجحت دائما في التغلب على التعصب.
وحول ما هو مضمر في هيمنة بنية الرحلة في رواياتها أضافت قائلةً: أركز دائما على فكرة "التغيير، التجدد، الانبعاث، الانتقال" إذا لم يعجبك المكان، غيّره، لم لا؟ أشجع دائما على هذه الفكرة التي ركزت عليها من خلال الحديث عن ذكاء "الأفعى وهي تجدد جلدها وتخلع ثوبها القديم لتنمو"، فالمرأة عليها أن تكون جريئة بخطواتها، أحاول تقديم ذلك النموذج دون ملل لأنه نموذج مغوي ومستفز وقد يحدث صدمة لدى النساء الخانعات وقد يكرهن "بطلاتي" لكنني أثق بأن ذلك كفيل بزعزعة قناعاتهن. لا، لحياة المستنقعات التي تشجع عليها تقاليدنا المريبة والبالية، كفى، تشبثا بالأغلال. أعتنق مبدأ جدتي "الأفعى" إنه التغيير.
وعن الشخصية التي تُمثلها أكثر وتعبرُ عن هواجسها وهمومها  قالت لينا: لا أنكر أننا نكتب "مذكرات، خفيّة" نضمنها لأعمالنا، وكلّ بطلاتي هن جزء من أبعادي الكثيرة فلا أعرف حقا كم أنثى في داخلي، كلما أعتقد أنّي كتبت عن الأنثى الأخيرة لديّ، أكتشف أنها جزء من قبيلة نساء متباينات، غريبات، محيّرات، مستفزّات، لديَّ الكثير منهن.
وفي كلّ مرة تتبدى سيدة جديدة لم أحدس أنها موجودة مختبئة في غابتي. فالكاتب يحمل غابة سحرية في داخله وكلما هزها أخرجت كائنات سوريالية غريبة.
وعن الجانب الذي يراهن عليه العمل الروائي المستمد مادته من الأخبار والأحداث القريبة إلى ذهن المشاهد أو المتابع لكى يُقرأ المستقبل وإنعكاس تجربتها الشخصية في "الذئاب لا تنسى" أقرت لينا هويان الحسن بأن الكتاب جزء من مذكراتها. 
 لم تكن إلا مدة خمسين يوما تقريباً، إنها نص "السيرة"، لكنها مطعمة بأحداث الفجيعة السورية اليومية، ما كتبته لم يكن رؤية، إنما شهادة شخصية تتخللها الكثير من الذكريات عن البادية الشامية التي عرفتها خلال طفولتي، ليس هنالك أكثر بؤسا من تدوين الأحزان الشخصية المتمثلة بمصرع أحد أفراد العائلة. كتبتها لأشفى قليلا من حزني، لم أُحَمْلها رؤية سياسية محددة لكي لا أغامر بتصنيف نصي أو قلمي لأحد الأطراف المتصارعة في سوريا لكي أتجنب سمة: "مع، أو، ضد" أردت المحافظة على استقلال قلمي قدر الإمكان.