مؤتمر بغداد الإقليمي.. قراءة استباقية

تجتمع دول الاقليم وهي مأزومة بتفاصيل كل منها يمكن ان يأخذ المنطقة إلى المجهول.
حل الأزمات مع إيران وتركيا ربما ينعكس إيجابا على العلاقة مع سوريا
انعقاد المؤتمر يحقق لمصطفى الكاظمي انتصارا دعائيا ومعنويا وحتى سياسيا
ليس سهلا أن تتوافق إيران والسعودية على ما يصدر عن المؤتمر من مقررات وتوصيات

بالرغم من أنه من المبكر الحكم على نتائج المؤتمر الإقليمي، الذي سينعقد قريبا في بغداد، بحضور قيادات عليا من دول الجوار العراقي، وبمشاركة دولية من قبل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كممثل عن الإتحاد الأوروبي، وبحضور وفد أميركي، لبحث الحلول الممكنة لأزمة الصراع الإيراني الأميركي والعلاقة مع دول الجوار العراقي مثل تركيا والسعودية، واحتمالات عقد مصالحة ايرانية سعودية بحضور قيادتي البلدين، فإن هناك جملة ملاحظات ومؤشرات عن نتائج ومترتبات هذا الإجتماع، يمكن أن نؤشرها على الشكل التالي:

1. أن مجرد إنعقاد المؤتمر بالنسبة للكاظمي في بغداد، يعني أنه حقق انتصارا دعائيا ومعنويا وحتى سياسيا، بالرغم من أن ما سيخرج عنه المؤتمر الاقليمي من مقررات وتوصيات، لا يعدو أن يكون دعاية انتخابية مبكرة للكاظمي لكسب نجاحات دعائية، أكثر منها مكاسب ذات نتائج إيجابية كبيرة على مستوى الصراع الذي يحتدم على أرض العراق، وعلى مستوى آمال شعبه، الذي فقد أي أمل في تحقيق انفراجة قريبة تروي ظمأه، كما أنه ليس بمقدور دول الجوار العراقي، حتى وإن أعلنت توافقها مع مقررات المؤتمر أن تلتزم بها، وقد يمضي وقت قصير وتعود حالات تأجيج الأوضاع الى ما كانت عليه قبل سنوات.

2. من الطبيعي أن إيران وحتى السعودية بحاجة الى التهدئة ومحالات ترطيب الأوضاع بينهما في الظروف الحرجة التي يمر بها الطرفان، لجهة ترتيب نتائج أفضل لايران في مؤتمر جنيف حول برنامجها النووي، وهي ترى أن التهدئة ضرورية لها في هذا الوقت العصيب، للحصول على مكاسب، في وقت يشتد التصعيد الدولي ضدها والتلويح بتوجيه ضربات لها، وبخاصة بعد اتهامها باستهداف ناقلة نفط تعود لتاجر إسرائيلي قرب مياه سلطنة عمان المجاورة لإيران على الخليج، كما أن السعودية هي الأخرى، بحاجة لدور ايراني للتهدئة مع اليمن وإيجاد مخرج مشرف لتلك المأساة التي طال انتظارها منذ سنوات، وكبدت المملكة خسائر فادحة.

3. إن الكاظمي أمام استحقاق انتخابات مبكرة، وهو يسعى لجمع تأييد دولي وإقليمي لإجرائها بوقتها المحدد، لأن عدم قدرته على إجرائها بموعدها في تشرين الاول المقبل، سيترتب عليه أزمات كبيرة وربما يتفاقم الوضع العراقي ويخرج عن السيطرة، كما أن المطالبة بإبدال الكاظمي من قبل خصومه في الكتل السياسية الكبيرة ستتسع إذا ما أخفق في إجراء تلك الانتخابات، وستشكل انتكاسة كبيرة له ان حدثت عراقيل كبيرة تحول دون إجرائها، ولهذا فهو يستنجد بالدول الاقليمية والدولية لمساعدته على إجرائها بموعدها، وتوفير ظروف أمنية أفضل لها تحقق له مقبولية دولية إن جرت الانتخابات وفقا للمعايير التي حددتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي للقبول بها.

4. إن الكاظمي يسعى لأن يكون تدخل ايران وضغطها على الفصائل، باتجاه التهدئة أمر يقدم خدمة للعراق وإيران في آن واحد، لكنه يخشى من سعي بعض الفصائل لالانفلات ومحاولة خروجها عن تعليمات إيران، بعد أن أدركت بعض تلك الفصائل الولائية منها، أن دورها ربما سيضمحل، وأنها ربما أصبحت ضحية اتفاق إقليمي دولي لإنهاء دورها، بالرغم من أن إيران لابد وأن تمنحها ضمانات، بأن دور تلك الفصائل الموالية لها لن ينتهي، ولها فصول قادمة من العلاقة معها، بمجرد فترة محدودة، من انتهاء أعمال المؤتمر، والتأكيد لها أنها لن تتخلى عنها في أي وقت من الأوقات.

5. ليس من السهولة أن تتوافق كل من إيران والسعودية على ما يصدر عن المؤتمر من مقررات وتوصيات، بالرغم من أن طهران ربما هي في ظرف عصيب وتريد أن تتحايل على المجتمع الدولي وتراوغ معه بقبول النتائج مؤقتا، لحين الحصول على مكاسب تعدها مقدمة لجني مكاسب إضافية في مؤتمر جنيف لصالحها، لكي لا يكون الضغط الاميركي عليها قويا، ويحول دون فرض شروطها هي وفق ما ترغب، كما أن السعوديين لا يطمئنون كثيرا للنوايا والوعود الايرانية، وهم يدركون أنها تريد تحقيق انفراجة لصالحها، للخروج من عنق الزجاجة الذي يضيق عليها الخناق الاقتصادي الى درجة أن إيران قد تحبو على ركبتيها، إن بقيت توجهاتها ضد أمن ومصالح المجتمع الدولي ودول الجوار التي تضيق ذرعا من تصرفات وسلوكيات إيران المتهورة.

6. إن الولايات المتحدة تدرك أن وجود إبراهيم رئيسي على رأس السلطة في إيران الآن، وهو محسوب على جناح المتطرفين، يمكن أن يسهل عليها الفرصة هو الآخر لتحقيق نجاحات سياسية لفترته الرئاسية، وهو سيحاول الظهور بمظهر المرحب بالتهدئة والإنفتاح، شرط أن يعينه الغرب على تحقيق تلك الأمنية، وهو يواجه أزمات اقتصادية وأمنية ومجتمعية، ليس بمقدوره مواجهاتها، إن لم يبحث عن مخرجات لأزمات بلاده مع المجتمع الدولي ودول الجوار، ويظهر أمام الإيرانيين أنه حقق مكاسب سياسية واقتصادية منذ أول أيام توليه للرئاسة في إيران، في وقت ترغب إدارة بايدن هي الأخرى بالتهدئة مع إيران، كي لا تضطر للتصعيد معها بطريقة التلويح بشن الحرب على إيران، ويدرك بايدن أن أي حرب أقليمية في المنطقة ستكون نتائجها كارثية، على غرار ما حدث لها في حربها مع العراق منذ عام 2003 حتى الآن.

7. كما أن العراق بحاجة الى ترتيب لعلاقاته مع تركيا، والبحث عن مخرجات لحل أزمة تواجد قوات تركية على أراضيه، وتركيا من جانبها ربما، لديها قناعة أن المؤتمر سوف لن يخرج بنتائج ملموسة على صعيد علاقتها بالعراق، لأن الأخير غير قادر على توفير ضمانات لتركيا بتحجيم دور حزب العمال الكردستاني على أراضيه، كما تطلبه منه أنقرة والبككه هو الآخر لايمكن أن يستجيب ويضحي بمكتسبات تواجده على أرض العراق من أجل سواد عيون الكاظمي، ويجد أنه خاسرا في أي اتفاق عراقي مع تركيا.

8. إن حل الأزمات مع إيران وتركيا ربما سينعكس إيجابا على العلاقة مع سوريا، بالرغم من أنه لم يعرف فيما اذا كانت تحضر أعمال المؤتمر أم لا، وهي ربما تنظر نتائج المؤتمر لينعكس عليها بآثار إيجابية كما تتمناها، وهي لا تعلق آمالا كبيرة على هذا المؤتمر.

9. وفي هذا الإطار يرى الباحث في جامعة شيكاغو رمزي مارديني، وهو يتفق مع مضامين ما تم طرحه أعلاه، من أن المؤتمر لن يشكّل أكثر من انتصار رمزي قبل نحو شهرين من الإنتخابات النيابية المبكرة التي تريد حكومة مصطفى الكاظمي إجراءها، بعد أكثر من عام على توليه المنصب إثر احتجاجات شعبية غير مسبوقة.

ويضيف الباحث أن "الربح السياسي الحقيقي سيكون من نصيب الكاظمي، فذلك سيدعم بالتأكيد صورته ومكانته"، فيما يعيش العراق صعوبات وأزمات، بدءاً من الكهرباء، الذي يعتمد العراق بشكل كبير لتوفيرها على الجارة إيران، فضلاً عن التوتر الأمني، وصولاً إلى التدني في مستوى البنى التحتية والخدمات، والأزمة الاقتصادية مع تراجع أسعار النفط وتفشي وباء كوفيد-19. وينتهي الباحث بجامعة شيكاغو في تحليله لآفاق المؤتمر ونتائجه بالقول "إن المسؤولين العراقيين يدركون أن الطريق طويل، ولكن إن لم يتمكن العراق من أن يمارس ضغوطًا كبيرة فإنه على الأقل وفر ساحة للحوار. كذلك، فإن من شأن أي تهدئة إقليمية، لاسيما بين طهران والرياض اللتين قطعتا علاقاتهما في العام 2016 متبادلتين الاتهامات بزعزعة استقرار المنطقة، أن تعود بالفائدة على العراق." وبالمحصلة يرى مارديني أن المؤتمر يبقى خطوة مهمة، لكن ينبغي عدم المبالغة في تقييم نتائجه... لينتهي الى النتيجة نفسها، من أنه لا يعتقد أن العراق سيتمكن من تحقيق شيء ملموس من هذا المؤتمر.

هذه بإختصار أبرز الملاحظات والمؤشرات التي توصلنا اليها لدى استعراضنا لمجمل ما يخرج عنه المؤتمر الاقليمي في بغداد من مقررات وتوصيات، في وقت يأمل الجميع أن يبحث العراق عن دور إقليمي حقيقي، ولكن ليس بطريقة المؤتمرات، بل بدور سياسي قوي ويحتاج في ظروف كهذه الى زعامة مقتدرة وهي غير متوفرة حاليا، ولو كان انعقاد المؤتمر في مرحلة انتقالية جديدة للعراق تتولاها شخصية وطنية مؤهلة، لديها مواصفات القيادة، لكان أمكن الحديث عن نتائج إيجابية، لكنه ليس لدى الكاظمي المعروف بضعفه السياسي وتردده المستمر ودوره المحدود في السلطة، وعدم وجود قوى سياسية وبرلمانية داعمه له، أن يحقق نتائج ملموسة من انعقاد المؤتمر، الذي سبقته مؤتمرات ثلاثة في سنوات خلت على شاكلته وواجهت انتكاسات بمجرد انتهاء أعمال تلك المؤتمرات، كما أن بعض الكتل السياسية لايروق لها أن يخرج الكاظمي منتصرا في نهاية المطاف، لأن نجاحه يعد انتكاسة بالنسبة لها، ويؤكد فشلها على مدار الـ 18 عاما في إنقاذ العراق من أزماته الخانقة، وهي من أوصلته الى هذه النتائج الكارثية على أكثر من صعيد.