ماذا لو انهار معبد فيسبوك على رؤوسنا!

أن تكون إمبراطورا على ملياري مستخدم، يعني أنت تتقلد منصبا سياسيا لم يحظ به ونستون تشرشل في زمنه، لكن مارك زوكربيرغ لا يمتلك مؤهلات الحوكمة الرشيدة.
قبضة فيسبوك الممتدة على أرجاء الأرض تجعلها أكبر من أن تنهار

يمكننا أن نضع كلمة فيسبوك بدلا من التاريخ الذي كان بمثابة كابوس بالنسبة لجيمس جويس وهو يحاول التخلص منه، بمجرد التفكير بانهيار إمبراطورية فيسبوك، لكن هل يفكر العالم السياسي والاقتصادي حقا -دعك من ملياري مستخدم- بالفكرة المهولة لانهيار فيسبوك؟

ثمة من يرى أن قبضة فيسبوك الممتدة على أرجاء الأرض تجعلها أكبر من أن تنهار، مع ذلك يرى باحثون في دراسة مفاجئة أن شركة فيسبوك أصبحت قوية لدرجة أن انهيارها ستكون له “عواقب اجتماعية واقتصادية كارثية”.

ففيسبوك التي ساهم في تأسيسها مارك زوكربيرغ عام 2004، أكبر بكثير من شركة وسائط اجتماعية، أنها تصنع حياة العالم، بما فيها حياة البنوك والحكومات.

لذلك تجادل دراسة جديدة أجراها فريق في معهد الإنترنت بجامعة أكسفورد بأن إدارة فيسبوك لم تضع خططا كافية لما سيحدث إذا تعرضت المنصة، التي تضم 2.7 مليار مستخدم إلى الانهيار.

أن تكون إمبراطورا على ملياري مستخدم، يعني أنت تتقلد منصبا سياسيا خطيرا، لم يحظ به ونستون تشرشل في زمنه. اليوم تعترف شركة فيسبوك أنها دولة عليها أن تدير اللعبة السياسية كما ينبغي، لكن الشاب مارك زوكربيرغ لا يمتلك مؤهلات الحوكمة الرشيدة، لذلك استعان قبل عامين بنك كليغ نائب رئيس الحكومة البريطانية ما بين عامي 2010 و2015 إبان تحالف حزبي المحافظين والليبراليين الديمقراطيين، ليكون وزير خارجية فيسبوك.

يرى توم نولز المراسل التكنولوجي في صحيفة التايمز البريطانية، أن فيسبوك أصبحت أكبر شركة وسائط في العالم، ومن الضرورة بمكان للعديد من المجتمعات وضع إطار عمل خاص بها إذا تم طيها أو انهيارها أو تصفيتها، على غرار التصفية الخاصة بالبنوك والبنية التحتية الحيوية والمرافق الحكومية عند إفلاسها.

وقال كارل أومان معد الدراسة في معهد الإنترنت بجامعة أكسفورد “قد يبدو الزوال المحتمل لفيسبوك غير متوقع إلى حد كبير، لكن يجب أخذ الآثار المترتبة على ذلك على محمل الجد”.

ويمكن لنا أن نأخذ ذلك على محمل الجد بالفعل لمجرد أن نعرف، أن بإضافة مستخدمي إنستغرام وواتساب وماسنجر، سنحصل على رقم مهول فعلا لإمبراطورية فيسبوك الذي يمتلك تلك المنصات، هناك 3.14 مليار مستخدم نشط، أي أقل من نصف سكان العالم! ألا يمثل ذلك كارثة لمجرد وضع احتمال فكرة الانهيار!

ونظرا لكل ما يفعله المستخدم على فيسبوك يتم تسجيله ويصبح جزءا من أرشيف بيانات الشركة، لذلك وجدت الدراسة الجديدة أن انهيار النظام الأساسي يعني فقدانا للتحكم في هذه البيانات الشخصية.

يقول أومان “تفشل الشركات بشكل منتظم وتختفي، لكنها تأخذ معها بيانات الزبائن والمستخدمين التي لا تحظى إلا بقدر محدود من الحماية والاهتمام بموجب القانون الحالي”. وتلك مشكلة أيضا  لعائلات الأشخاص الذين لقوا حتفهم ولكن لا تزال لديهم حسابات على فيسبوك، إذ ينص بروتوكول الموقع على أنه “لا توجد حماية لبيانات المستخدمين المتوفين في حالة الإعسار”.

ويقترح معدو الدراسة بجامعة أكسفورد تطوير إطار تنظيمي لفيسبوك يشبه الطريقة التي يتعامل بها المنظمون مع البنوك وشركات التأمين أو المؤسسات المالية الأخرى التي تعتبر “أكبر من أن تفشل” والتي قد يتسبب انهيارها في أزمة مالية كبرى.

يرحب ناتنيال غيشر مدير التسويات حول أمن الفضاء الإلكتروني لدى فيسبوك، بالتقنيات الفاعلة وبالتعاون القائم بين شبكات التواصل الاجتماعي والوكالات الحكومية للسماح برصد العمليات الضارة في وقت مبكر أكثر.

لكن لمكافحة هذه التوغلات، لا يكفي إفشالها فحسب “بل ينبغي أيضا ضمان حصول الناس على معلومات موثوقة وحقيقية خلال الأحداث الرئيسية” مثل الاستحقاقات الرئاسية أو الجوائح على ما أوضح غيشر.

مهمة فيسبوك المعلنة هي جعل العالم متصلا مع بعضه وأكثر انفتاحا، لكن مثل هذا العنوان الفضفاض يمارس بالفعل ضغوطا كبيرة على طبيعة حياة الإنسان المعاصر وعلى المؤسسات الكبرى، إنه يعيد تشكيل العلاقة الاجتماعية التي كانت سائدة في يوم ما بين البشر مثلما يعيد ربط علاقتنا مع الحكومات والمؤسسات الخدمية.

لذلك أصبحت شركة فيسبوك بنظر دول العالم أكثر من “دولة مارقة” فلم تتصرف مثلا قبل أشهر كدولة محترمة مع طلب لجنة بريطانية حكومية تحقق في تأثير محتواه على الديمقراطية إلا بشكل متأخر لا يبدو عليه الاهتمام، الأمر الذي دفع صحيفة الغارديان إلى وصف الشركة بـ”قوة متعجرفة” فيما وصف داميان كولنز رئيس لجنة الإنترنت والثقافة والإعلام والرياضة في مجلس العموم البريطاني، مارك زوكربيرغ بالشخص غير المسؤول الذي يجلس على رأس واحدة من أكبر الشركات في العالم.

جون نوتون مؤلف كتاب “من غوتنبرغ إلى زوكربيرغ: ما تحتاج معرفته حقا عن الإنترنت” يرى أن فيسبوك أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها خرجت عن إطار السيطرة على نطاق عالمي.

ويطالب نوتون المتخصص في التكنولوجيا الرقمية بإعادة النظر في تنظيم عمل الشركات، لأن ما حدث في فيسبوك أيقظ العالم لفرض إجراءات “صارمة وموجعة”.

واقترح نوتون الباحث الأيرلندي وأستاذ التكنولوجيا في الجامعة المفتوحة إلزام الشركات التكنولوجية “الغارقة في الظلام” بوضع شروط وقوانين تنظم مشاركة معلومات مشتركيها لأي طرف ثالث، وتمنعها من شراء الشركات الأخرى العاملة في نفس المجال، وتضعها تحت مراقبة الدول العاملة فيها.

وسبق وأن توصل هذا الباحث إلى أن وسائل الإعلام الاجتماعية تشكل تهديدا وجوديا لفكرتنا عن الديمقراطية، لأننا نسلم بإرادتنا لوحة المفاتيح الغامضة لمن يتلاعب ببيئتنا الإعلامية من الجهات الفاعلة الأجنبية والمحلية، وهو الوضع الطبيعي الجديد للعصر الرقمي الذي يربط علاقتنا مع بعضنا ومع العالم.

قبل عام تقريبا حذفت فيرا يوروفا، مفوضة العدالة في الاتحاد الأوروبي، المسؤولة عن حماية البيانات والنزاهة الانتخابية، حسابها على فيسبوك، لأن الموقع أصبح مثل “طريق سريع للكراهية” حسب تعبيرها. بينما يحاول عدد غير قليل من المستخدمين الإقلاع عن فيسبوك بوصفه إدمانا مثيرا للصداع، لكن كل هؤلاء، فضلا عن الدول لم يفكروا ولو لمرة واحدة ماذا يحدث لنا إن انهار فيسبوك فوق رؤوسنا!