ماذا يريد العرب؟

يريد العرب تطبيق الشريعة الإسلامية التي في عقولهم وليس الشريعة الإسلامية المنصوص عليها في القرآن والسنة.

في دراسة أجراها البرفسور طارق مسعود وآخرون (2016) جرى فيها استطلاع آراء المصريين حول شكل الحكم الذي يرغبون به، ويمكن الاطلاع عليها في الرابط، وحد الباحثون أن غالبية العينة وعددها 2000 مصري لا يثقون بالزعماء الإسلاميين ولكن غالبيتهم يرغبون بتطبيق الشريعة الإسلامية، مما يثير تساؤلا يتعلق بموقف العرب من طريقة الحكم التي يريدونها. فهم لا يثقون بالإسلاميين ولكنهم يرغبون بتطبيق الشريعة الإسلامية. وهذا يعني أن فهمهم للشريعة الإسلامية مختلف عن تلك التي تتبناها الحركات الإسلامية ومن بينها حركة الإخوان المسلمين. أي أنهم يريدون القيم التي يرتبط بها الإسلام كالعدالة والشورى والاكتفاء الاقتصادي، ولكنهم يرفضون حكم الشخصيات الإسلامية البارزة التي اشتهرت خاصة في الربيع العربي.

تدل هذه الدراسة أنه لا يوجد في عقول العرب وضوح حول الشريعة الإسلامية، فهم يريدون تطبيق "الإسلام الصحيح"، فإذا كان الإسلام مغلوطا عند الحركات الإسلامية، فما هو الإسلام الصحيح؟

هناك أمور خلافية كثيرة في الشريعة الإسلامية، ولكن الأمور الواضحة وغير الخلافية كثيرة أيضا. ففي الإسلام، لا يوجد انتخابات، والحاكم يعينه أهل العقد والحل، ومن هم أهل العقد والحل أيام الرسول؟ لقد كانوا أقاربه وأنسبائه حتى أن الشيعة غاضبون لأن الخليفة لم يكن ابن عم الرسول. وفي الإسلام لا يوجد برلمان بل شورى مع أهل العقد والحل، ويوجد أمر إلهي بطاعة ولي الأمر مما يجعل عزله غير ممكن فيبقى جاثما على صدور الناس طوال حياته، ويوجد ازدراء لأهل الكتاب متثمل بالآية التي تنص على دفع الجزية وهم صاغرون، أي أذلاء، ويوجد ازدراء للمرأة التي تقضي عمرها ببناء بيت الأسرة ومن ثم يجوز للزوج تطليقها دون تعويض عن مالها وجهدها وهي لا تتولى مناصب عليا، وعليها أن ترتدي الخمار كي لا يعرفها أحد فيؤذيها كما جاء في القرآن. كما أن قتال الكفار فرض وليس سنة، والآيات والأحاديث التي تدل على ذلك كثيرة جدا، وكذلك فإن خمس إيرادات الدولة تعود إلى الله ورسوله، وهذا يشمل الحاكم الذي هو خليفة الرسول، ولا يوجد نظام للتدقيق على طريقة إنفاق الحاكم للمال. كما أن الأحاديث النبوية قضت بقطع يد سارق المال الخاص ولم تقض بقطع يد سارق المال العالم لأن له سهما فيه حسب السنة والأحاديث النبوية، كما أن الاسلام لا يحرم الرق، وبالإضافة إلى ذلك، فإن فلسطين كتبها الله لليهود كما جاء في القرآن. وعلى العينة التي وافقت على تطبيق الشريعة الإسلامية القبول بكل ما ذكر.

ليس الأمر مقتصرا على مصر، ولكنه أيضا واضح في تونس، حيث تتمتع حركة النهضة بشعبية كبيرة، مع العلم أن تونس عدلت قوانينها بحيث ترث المرأة نصيبا يساوي نصيب الذكر، فكيف تجتمع التناقضات في عقول العرب؟

يبدو أنهم يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية التي في عقولهم وليس الشريعة الإسلامية المنصوص عليها في القرآن والسنة، ولو أنهم تعمقوا في أحكام القرآن والسنة لوجدوا أن تحقيق العدالة وإيجاد نظام حكم فعال مستحيل عمليا في ظل أحكام الشريعة، فإذا كان ما يسعون إليه هو تحقيق المساواة والعدل وتداول السلطة وتلبية حاجات الناس جميعا، فهذا ليس كنه الشريعة الإسلامية، فهي تقر بعدم المساواة والسلطة المطلقة لولي الأمر، كما أن الذي يغير دينه يقتل بموجب أحكام الشريعة.