ما بدأه ترامب سيكمله بايدن

إدارة الرئيس بايدن ستكون مضطرة للأخذ بالعاملين الإسرائيلي والسعودي وهي تسعى إلى إعادة النظر قي الاتفاق النووي.
اغتيال فخري زاده الضربة التي ايقظت إيران من أوهامها
ما شهدته ايران خلال عهد ترامب لم يكن هينا ولا يمكن اعتباره سحابة عابرة
اذا كانت إيران تأمل بتراجع بايدن عن الانسحاب من الاتفاق النووي فإن آمالها ستكون ناقصة حد الخيبة

لن يكون هناك انقلاب فيي السياسة الأميركية في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط. ذهب ترامب الجمهوري. جاء بايدن الديمقراطي. غير أن للولايات المتحدة خصومها ولها أصدقاؤها. ولها قبل كل شيء مصالحها.

ما بدأه ترامب سيكمله بايدن لكن بأسلوب مختلف ومزاج آخر، غير أن الأهداف تظل واحدة. وإذا كانت إيران تأمل أن يتراجع بايدن عن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي فإن آمالها ستكون ناقصة إلى درجة الخيبة. فقد تكون العودة التي وعد بها الرئيس الجديد أشبه بالانسحاب، من جهة كونها لا تلبي شيئا من الامنيات الإيرانية.

لقد تغير الواقع على الأرض وصار العامل الاسرائيلي يلعب الآن دورا في المسألة الإيرانية هو أكبر بكثير مما كان عليه في السنوات التي شهدت مساعي أوباما الحثيثة من أجل انجاز الاتفاق النووي.

صحيح أن المشروع النووي لا يزال يشكل العمود الفقري للخلاف بين إيران والعالم، غير أن إسرائيل تعتبر أن مشروع إيران في الهيمنة على المنطقة لا يقل خطورة عن مشروعها النووي وهو الرأي الذي تؤمن به السعودية والدولتان حليفتان استراتيجيتان للولايات المتحدة.

إيران فعلت خلال سنوات الاتفاق النووي ما لم تفعله في أي وقت سابق. سيكون علينا أن نضع المنشآت النفطية السعودية في مقدمة المواقع التي تحرص الولايات المتحدة على حمايتها. ولقد تعرضت تلك المواقع للقصف الإيراني الذي لا يزال موضع بحث وتدقيق عالميين.

ما كانت تأمله إيران انما يشكل خرقا أحمق لمبادئ السياسة في الولايات المتحدة والتي لا تتغير بتغير الإدارة التي تحكم. وليست الرئاسة الديمقراطية ملزمة بالخط الذي سار عليه اوباما. كونه ديمقراطيا ليس سببا مقنعا للقبول بالخطأ. لقد أثبت السلوك الإيراني أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما كان على خطأ حين اندفع في اتجاه الاتفاق النووي بالصيغة التي كان عليها.

هل كانت الولايات المتحدة تنوي من خلال ذلك الاتفاق احتواء المشروع النووي وتقييده أم أنها ارادت اسناد إيران في مشروع تصدير الثورة الذي يعني الهيمنة على المنطقة وتهديد أمن واستقرار الدول التي تقع خارج إطار تلك الهيمنة؟  

لقد اكتشف الرئيس ترامب أن إيران كانت الطرف المستفيد من الاتفاق النووي الذي لم يستفد منه أي طرف آخر من الأطراف الموقعة عليه. فالاتفاق وهبها أموالا أنفقت الجزء الأكبر منها على ميليشياتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن كما أنها استعملتها في تطوير برنامج صواريخها البالستية التي صارت توزعها على أذرعها. ولم يكن الموقف النووي مأمونا.

ذلك ما دعاه إلى الانسحاب وهو ما سيدعو بايدن إلى التمسك بالشروط التي طرحتها إدارة الرئيس ترامب للعودة إلى الاتفاق. وقد لا يكون مستغربا أن إدارة الرئيس بايدن ستكون مضطرة للأخذ بالعاملين الإسرائيلي والسعودي وهي تسعى إلى إعادة النظر قي الاتفاق النووي.

سيكون هناك اتفاق نووي لكنه جديد وأعلى من سقف التنازلات التي صارت إيران مستعدة لتقديمها لأي رئيس يحل محل ترامب.

ولكن ماذا لو وافقت إيران على كل شيء يطلبه الرئيس الأميركي الجديد؟ ذلك أمر متوقع. الواقع سيجبرها على القيام بذلك. ما شهدته خلال عهد ترامب لم يكن هينا ولا يمكن النظر اليه باعتباره سحابة عابرة.

ففي الوقت الذي التهمت العقوبات جزءا كبيرا من اقتصادها وعرضتها لمخاوف الانهيار الداخلي جاءت أحداث السنة الأخيرة لتضعها في مواجهة حقيقة أن إسرائيل وهي دولة حليفة للولايات المتحدة قد دخلت بقوة إلى اللعبة وصارت تستعرض تفوقها وهو ما لا يمكن أن تجاريه.

لقد تعرضت إيران إلى ضربات غير مسبوقة وغير تقليدية لا تملك لها تفسيرا ولا تستطيع أن ترد عليها بالطريقة العشوائية القديمة وإلا اعتبر الرد هذه المرة انتحارا. وفي هذه الحالة لا يصعب عليها الاعتراف بالتفوق الإسرائيلي، على الأقل أمام الولايات المتحدة التي سيسرها أن لا تخطئ إيران تقدير الموقف وأن تمضي قدما في حماية نفسها ذاتيا وليس من خلال أذرع صارت تتفاخر بها من أجل إيذاء الآخرين.  

كان مقتل العالم النووي محسن فخري زاده ضربة موجعة غير أنها قد تكون الضربة التي ايقظت إيران من أوهامها وجعلتها لأول مرة تعود إلى الواقع. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن إيران وقد كانت مستعدة للتفاوض مع أية إدارة أميركية بديلة عن إدارة ترامب ستسعى إلى الظهور بطريقة تبعد عنها شبهة التشدد وهو ما بدا واضحا في موقف الرئيس روحاني الرافض لقرار مجلس النواب الداعي إلى عدم الالتزام بشروط الاتفاق النووي بشكل كلي.

تغيرت إيران بعد ما تعرضت له في زمن ترامب. وسيثبت تعاملها مع بايدن ذلك.