ما بين الإنترنت الواضح والمظلم مافيا ضارية

عالم الإنترنت العميق والمظلم ليس مجرد عالم موازٍ للشبكة المتعارف عليها بل العالم الحقيقي الذي يسعى أباطرة العالم الرقمي تعميمه.
عالم الإنترنت العميق يعج بجميع الأنشطة التي يجرمها القانون
العديد من الغرائب التي تُظهر الجوانب المظلمة في النفس البشرية

دأب الأسلاف على رواية حكايات كثيرة ومشوقة أغلبها تدور في الدرك الأسفل حيث الجان والشياطين، أو في المناطق الشعبية القديمة حيث عالم الفتوات والجرائم البشعة التي تقترف دون رقيب أو حسيب؛ لطالما كانت القوة هي الكفة الراجحة. وفي العصر الحديث صارت تلك الروايات مجرد أساطير، نستمع لها ولا نصدق أي حرف مما ورد بها؛ مجرد وسيلة للتسلية من المستحيل حدوثها على أرض الواقع.
وبما أن عالمنا المعاصر هو زمن العجائب، فلن تكون مفاجأة معرفة أن أباطرة العصر الحديث قد استطاعوا إعادة تخليق هذين العالمين ودمجهما في عالم واحد؛ ليكون بمثابة الشبح الذي يهدد أمن المسالمين. وبما أن أهم أباطرة العصر الحديث هم القائمون على عالم الإنترنت، فلقد استطاعوا أن يجعلوا منه عصب الحياة المسيطر على والمتحكم في جميع المعاملات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويحسبه الجميع أنه قد خلق لهم عالماً رائعاً متكاملًا. ولكن الصدمة الكبرى معرفة أن عالم الإنترنت المتكامل هذا الذي نحظى بخدماته لا يشكل إلا نحو 5% فقط من حجم الإنترنت الحقيقي؛ لوجود عالم آخر موازٍ له لكنه سفلي ويفوقه حجمًا ومخصص لاقتراف جميع الأفعال غير المرغوب الإفصاح عنها، والتي هي أيضاً لا يمكن إجازتها في عالم الإنترنت الواضح Clearnet الذي نحظى به. ويسمى هذا العالم السفلي "الإنترنت المظلم" Dark Web و"الإنترنت العميق" Deep Web الذي مجرد ذكر اسمه يحدث هالة من التساؤل لإحساس المرء بوجود شيء مريب. 

مرتادو الإنترنت العميق والمظلم بجانب استخدام مضادات الفيروسات Anti-  Virus القوية يلجأون إلى استخدام جدران حماية Firewalls قوية

وبالفعل يعج هذا العالم بجميع الأنشطة التي يجرمها القانون؛ مثل: الاتجار بالبشر، وبيع الأعضاء البشرية، وبيع الآثار المهربة، واقتراف جرائم قتل علانيةً، أو أكل البشر. وفي ذلك العالم الغريب، يشاهد الزائر العديد من الغرائب التي تُظهر الجوانب المظلمة في النفس البشرية؛ فلا عجب إذا وجد المتصفح إناسا يطهون ويأكلون لحم البشر، أو يمارسون الرذائل، أو يعرضون خدماتهم الإجرامية علنًا.
ويذكر أن دخول عالم الإنترنت الأسود غير مجرَّم، ويقول الخبراء إن التصفح على شبكة الإنترنت المظلم والإنترنت العميق مشابه للتصفح على محرك البحث "جوجل" Google أو ياهو Yahoo، لكن مع فارق أن الدخول لمواقع الإنترنت الأسود والإنترنت العميق يكون مخفيًا، ولذلك يتطلب الدخول لمواقعه استخدام متصفحات خاصة مثل أونيون راوتر The Onion Router الذي أيضًا يعرف باسمه المختصر تور TOR، وهو يعد من أشهر متصفحات الإنترنت العميق والإنترنت المظلم.
ومصطلحا الإنترنت العميق والإنترنت المظلم ليسا مترادفين. مصطلح الإنترنت العميق Deep Web أو Deepnet كما يسمى أيضاً يشتمل على مواقع مخفية عن الإنترنت العادي الذي نستخدمه والمسمى بالإنترنت الواضح Clearnet، لكن أغلب هذه المواقع عادة الدخول إليها غير محفوف بمخاطر كبرى عند مقارنتها بما يحدث في حال الإنترنت المظلم، ومن أهم هذه المخاطر قرصنة حساب المستخدم والدخول لجميع حساباته. ويشتمل الإنترنت العميق على أي شيء مشفر بدءًا من حسابات البريد الإلكتروني المحمية بكلمة سر، وصولًا للشبكات الداخلية الخاصة التي تديرها الشركات، وقواعد البيانات الحكومية والمواقع الخاصة التي لا يمكن للمستخدمين الوصول إليها إلا باستخدام تسجيل الدخول وكلمة المرور. وغالباً ما يلجأ الأفراد والهيئات إلى استخدامه؛ لأنه يؤمن لهم غطاء من السرية غير متوافر على الإنترنت الواضح.
أما الإنترنت المظلم Dark Web أو Darknet فهي مجرد قسم فرعي من الإنترنت العميق، وهي مأوى لجميع المواقع التي يجرمها قانون الإنترنت، وكذلك لجميع الأنشطة الإجرامية. فبكل سهولة يمكن للأفراد العادية شراء أسلحة أو مخدرات أو زيارة أسواق عبر الإنترنت متخصصة في بيع كلمات المرور والحسابات المصرفية التي تمكن قراصنة الإنترنت من اختراقها. أضف إلى ذلك فهي سوق رائج للمواد الإباحية غير المشروعة، بما في ذلك المواد الإباحية للأطفال. وليس من الغريب أن تتخذ العصابات والإرهابيون من الإنترنت المظلم مأوى لهم إما للتواصل، أو للقيام بأنشطتهم؛ لأن الدخول في هذه الشبكة يجب أن يتم بطريقة مخفية بحيث لا يمكن لأحدهم تتبع هوية المستخدم أو موقع الشبكة المستخدمة التي تجرى تلك الإتصالات من خلالها. وبسبب تلك الميزة يمكن استخدام هذه الشبكة في أنشطة أخرى مشروعة تتطلب السرية، مثل الإتصالات التي تتم بين رجال المخابرات وبين الصحفيين ومصادرهم الخاصة غير الراغبين في الكشف عن هويتهم أو من قبل الأفراد الراغبين في كشف الأنشطة القمعية التي تمارسها حكوماتهم عليهم. 

web
فضح هوية المستخدم 

ويذكر أن التعاملات المالية لجميع الأنشطة الإجرامية تتم باستخدام العملات المشفرة Cryptocurrency وأشهرها البيتكوين Bitcoin؛ لأن تلك العملات غير مركزية ولا يمكن تقفِّي أثر المتعاملين بها حيث إن مصدرها ليس حكومات أو جماعات، بل على أساس نظراء لهم نفس المأرب. وبما أن كل شيء في شبكة الإنترنت المظلم مشفرًا، فيجب على الأفراد مراعاة عدم الضغط على روابط مرسلة لهم إما من مصادر مجهولة أو لها نهاية غير مألوفة، وغالبا تكون (.tor)؛ لأنها قد تحتوي على فيروس أو على وسيلة لاختراق جميع المواقع والملفات المتواجدة على الجهاز، وبالتأكيد جميع الحسابات المحفوظ عناوينها على الجهاز. ومن أشهر الحيَّل التي يستخدمها قراصنة وعصابات الإنترنت هي الإستيلاء على الحسابات البنكية لضحايهم من خلال السيطرة على كروت الإئتمان وذلك بإرسال رسالة للضحايا من البنك التابعين له تطلب منهم تحديث البيانات الخاصة بهم من خلال الضغط على رابط والذي بمجرد الضغط عليه وملء بياناته يتم الاستحواذ على الحساب. 
ومن ثم يعمد مرتادو الإنترنت العميق والمظلم بجانب استخدام مضادات الفيروسات Anti-  Virus القوية إلى استخدام جدران حماية Firewalls قوية، وذلك مثلما تفعل الشركات التجارية والمؤسسات المالية والمؤسسات التابعة للحكومات والدول. ومن أهم طرق الحماية في ذلك المناخ هي أن تحتوي مضادات الفيروسات على خاصية العزل في صندوق الرمال Sandbox، ومن خلال هذه الخاصية يتم عزل التصفح على الشبكة العميقة والمظلمة عن جميع التطبيقات المتواجدة على الجهاز المستخدم في التصفح. لكن لا يعني كل هذا أنه لا توجد عمليات إنتقامية على تلك الشبكات وأهمها فضح هوية المستخدم باختراق غطائه من أجل فضح جميع التعاملات التي يقوم بها.
عالم الإنترنت العميق والمظلم ليس مجرد عالم موازٍ للشبكة المتعارف عليها بل العالم الحقيقي الذي يسعى أباطرة العالم الرقمي تعميمه، وعندها إما لن يمكن السيطرة على الأنشطة البشرية أو سوف يتم خلق عالم مظلم يقضي على الأنشطة الواضحة والمشروعة.