ما لا يُفهم من الخرافة اللبنانية

ليس انهيار سعر الليرة اللبنانية إلا واحدا من مظاهر تلك الهزيمة التي الحقها المجتمع الدولي بالشعب اللبناني.
إدانة ماكرون للفاسدين ظلت عالقة بالهواء من غير أن تزعج أحدا
انتصر حزب الله على ماكرون الذي عاد إلى باريس ولاذ بالصمت
اللبنانيون يخوضون معركة خاسرة في حدث تاريخي فريد من نوعه

ليس صحيحا القول إن صمت المجتمع الدولي عما يجري في لبنان من أهوال تتجاوز الأوضاع المعيشية المنهارة انما هو موقف استنكار واحتجاج على استمرار الطبقة السياسية في فسادها الذي لم يوضع له حد.

ذلك كلام ينبغي أن لا يؤخذ على محمل الجد. فالمجتمع الدولي لم يلتفت إلى لبنان في كل الأوضاع المأساوية التي مر بها. ولم يكن ذلك الموقف المبهم ليشير إلى أحد بالاتهام.

لقد تُرك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وحده يصارع قوة مجهولة من غير أن يتمكن من اجتياز العقبة التي تحول بينه وبين الوصول إلى الجهة التي تستمد منها الطبقة السياسية الفاسدة قوتها.

لم يقل ما يفاجئ أحدا حين أدان شخصيا الفاسدين، جميعهم من غير أن يستثني أحدا. وظلت تلك الادانة عالقة بالهواء من غير أن تزعج أحدا. وحين عاد ماكرون إلى بلده بيدين فارغتين فإنه تلقى درسا عنيفا لن ينساه.

اكتشف الرئيس الفرنسي أن محاولته التي باءت بالفشل قد اصطدمت بجدار وهمي لم يكن السياسيون اللبنانيون قد بنوه بأنفسهم بل هو من صنع قوة ليس من الممكن الوصول إليها بيسر.

كان فشله العلني مدويا غير أن فشله الخفي كان قاسيا.

فالرجل الذي ذهب إلى لبنان بقوة الدولة العظمى التي وهبت لبنان شكله السياسي الحالي وصنعت منه دولة في سياق دستوري خاص يراعي تنوع طوائفه كان متأكدا أن زيارته بعد الانفجار العظيم سيكون لها أثرها على مستوى تغيير الأوضاع السياسية فإذا به يكتشف أنه يمد يده إلى فراغ، لا لأنه ما من يد قد امتدت إليها لتصافحها بل لأن كل الأيدي التي صافحتها هي أيدي الفاسدين الذين يقفون وراء انهيار البلد.

كان أولئك الفاسدون على يقين من أن الرجل يجهل ما المتاهة التي تورط في الدخول إلى دروبها. ربما كانت تلك المعلومة سببا جديدا لتسليتهم. ما قاله الرئيس الفرنسي في بيروت كان مؤثرا ومثيرا وقويا من جهة ما انطوى عليه من أفكار غير أنه كان كلاما مسليا ومضحكا بالنسبة للطبقة السياسية.

فالرجل حين ذهب إلى قصر بعبدا مثلا كان قد ذهب إلى المكان الخطأ. لم ينصحه أحد. لقد اكتشفوا أن الرجل راغب في أن يهدر وقته.

سخريتهم من ماكرون لم تكن إلا انعكاسا لعلاقتهم بالشعب. تلك العلاقة القائمة على الاهمال. فسياسيو لبنان في واد وشعبه في واد آخر. لذلك فإنهم لا يرون ذلك الشعب ولا تصلهم أصواته. وإذا ما حدث شيء فاجع لذلك الشعب فإن أولئك السياسيين لا يجدون سببا للاهتمام بما يحدث في الجانب الآخر.

اما أن يسعى رجل غريب إلى تغيير المعادلة الصلبة التي تحظى بدعم المجتمع الدولي فإن ذلك سيكون مدعاة للسخرية.

لقد ضرب الرئيس ماكرون رأسه بجدار لن يكون في إمكانه أن يكتشف القوة التي بنته. وهو الجدار نفسه الفاصل بين الشعب اللبناني والسياسيين الذين يضحكون عليه. فمهما فعل اللبنانيون، احتجوا أو أحرقوا أو صرخوا فإن شيئا لن يتغير في معادلات الحكم. سيبقى السياسيون في مكانهم والشعب في مكانه. وليست الليرة وأحوالها بالموضوع الذي يمكن أن يتدخل في تغيير الأمكنة.

هناك إرادة دولية تقف وراء جمود الأوضاع في لبنان. مهما ساءت تلك الأوضاع فليس مسموحا لأحد التفكير في تغييرها. ذلك كلام غير معقول بالنسبة للبعض. فالواقع يقول إن حزب الله التابع لإيران هو الذي يحكم لبنان وهو الذي يتحكم بأحواله فهل يسند المجتمع الدولي حزب الله ويقف وراءه في تدمير لبنان والحاق الهزيمة بمجتمعه؟

سيبدو الجواب بالإيجاب بمثابة كارثة. ولكنه الواقع.

كان على ماكرون أن يذهب إلى حارة حريك بدلا من قصر بعبدا.

ذلك ما صرح به حسن نصرالله ضمنيا. أخطا ماكرون الطريق.

لقد انتصر نصرالله على ماكرون. عاد الرئيس الفرنسي إلى باريس ولاذ بالصمت فيما تزداد أوضاع اللبنانيين المعيشية سوءا. وصلوا اليوم عند حافات رغيف الخبز الذي سيختفي في الأيام القريبة فيما يواجههم المجتمع الدولي بموقفه المريب. لم تعد خرافة الفساد وحدها تسد الأفق. يهون الفساد أمام إهمال المجتمع الدولي المقصود.

مهما فعل اللبنانيون لن يلتفت أحد إليهم. إنهم يخوضون معركة خاسرة. وهو ما يمكن اعتباره حدثا فريدا من نوعه في التاريخ السياسي.     

ليس انهيار سعر الليرة اللبنانية إلا واحدا من مظاهر تلك الهزيمة التي الحقها المجتمع الدولي بالشعب اللبناني.