ما ينتظره العراقيون لن تعطيه الأحزاب

الأحزاب لن تلبي مطلبا واحدا من مطالب المحتجين. سوف تجرب أن تفرض عليهم خيارها الأخير في ما يتعلق بمرشحها لرئاسة الحكومة.

بغض النظر عما تقوله الأحزاب المهيمنة على السلطة في العراق عن المؤامرة الأميركية ــ الإسرائيلية ذات الامتدادات الخليجية التي تقف وراء الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أكثر من شهرين ونصف فإن ما صار واضحا أن هناك إرادة شعبية هي من القوة بحيث صارت تلك الأحزاب تقف أمامها عاجزة عن المضي في طريقها المعتاد في ما يتعلق بمسألة انتاج حكومة جديدة تكون بديلة للحكومة التي استقال رئيسها قبل أسابيع مهزوما أمام الاحتجاجات.

في ما مضى كان ذلك الأمر يتم بطريقة سلسلة من خلال تسوية إيرانية ــ أميركية تكون الأحزاب حاضرة في جزء من حلقاتها. لم تكن هناك صعوبة تُذكر. فإن تم الاختلاف على مرشح ما فإن البديل يكون جاهزا من غير أن يكون هناك فرق جوهري بين المرشحين. كلاهما من الطبق نفسه وإن جرى تزوير الطعم فإن الفرق في الطعم سرعان ما يتبخر.

اليوم المسألة صارت مختلفة.

هناك طرف قوي دخل إلى المعادلة. وهو ما يعني أن تلك المعادلة قد انقلبت رأسا على عقب. فذلك الطرف لم يكن شريكا في الماضي. ولم تكن لديه مصلحة وهو بريء من كل ما جرى سياسيا منذ عام 2003 وحتى اليوم.

الشعب لم يكن حاضرا في ما يُسمى بالعملية السياسية التي أقامها المحتل الأميركي على أساس مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية إلا إذا اعتبرنا ذهاب البعض منه إلى مراكز الاقتراع نوعا من المشاركة. ولقد اتضح أن تلك المشاركة على ضعفها لم يكن ينظر إليها بشيء من التقدير والاحترام حين يتم تعيين أعضاء مجلس النواب بعد تزوير الأصوات لصالحهم.

بعد أن كان الشعب منسيا وهو ما اعتبرته الأحزاب الموالية لإيران والمرضى عنها أميركيا قاعدة لعملها ها هو يطوي صفحة الصمت ليقول كلمته. تلك الكلمة التي تبين أن في إمكانها أن توقف كل شيء فلا حراك سوى ذلك الحراك الشعبي الذي صار سيد الموقف.

كان ذلك الحراك متوقعا. غير أن الأحزاب كانت قد أخطأت حين اعتقدت أن الوصفة الإيرانية التي تعتمد على العنف ستكون كفيلة بإنهائه. كانت تلك هي المفاجأة الأولى. القتل لم يكن هو الحل. اما المفاجأة الثانية والتي كانت أكثر تأثيرا فيمكن تلخيصها بإصرار المحتجين على ضرورة تنفيذ مطالبهم كلها والتي يصل سقفها إلى رحيل النظام. وهو ما بدا واضحا حين نظر المحتجون إلى استقالة رئيس الحكومة باستخفاف.

كان ذلك الاستخفاف هو رد فعل طبيعي على الاستعلاء الذي مارسته الأحزاب في تعاملها المبكر مع الاحتجاجات، وهو سلوك مستلهم من الطريقة التي مارست تلك الأحزاب من خلالها الحكم في السنوات الماضية. لقد ارتفع منسوب الفساد في العراق إلى درجة أنه شكل فضيحة عالمية وفي المقابل كان العراقيون ضائعين في مسائل ثانوية اخترعتها الأحزاب وأوكلت لرجال الدين والإعلاميين مهمة اشاعتها بين الشعب.   

ومَن يراقب أحداث الأسبوعين الأخيرين لابد أن يلاحظ أن الشعب كان حرا في ساحات التظاهر والاعتصام فيما كانت الحكومة سجينة في المنطقة الخضراء "الدولية" التي قرر المحتجون عدم القيام باجتياحها بسبب وجود سفارات الدول الأجنبية هناك.

ما أنا على يقين منه أن الأحزاب لن تلبي مطلبا واحدا من مطالب المحتجين. سوف تجرب أن تفرض عليهم خيارها الأخير في ما يتعلق بمرشحها لرئاسة الحكومة. وهي تجربة ستكون فاشلة. ذلك لأنها ستواجه برفض المحتجين الذين يبحثون عن شخصية وطنية، هي ليست نتاج العملية السياسية التي صارت بالنسبة للشباب جزءا من الماضي.

أعتقد أن ما ستفعله الأحزاب سينقل العلاقة بينها وبين المحتجين إلى مرحلة جديدة. وهي مرحلة لطالما تمنى المحتجون أن لا تقع.