مبادرات عربية لكسر العزلة الثقافية

دول عديدة على غرار الإمارات ومصر والسعودية وتونس والجزائر والأردن والبحرين تقدم مبادرات ثقافية متنوعة عبر الإنترنت للتخفيف من تأزم عشاق الثقافة والفنون وكسر عزلتهم.

لم يثنِ الحجر المنزلي الوقائي الذي فرضته جائحة كورونا على الملايين من البشر، وعزلهم بعضهم عن بعض العديد من المؤسسات الثقافية العربية عن التكيّف مع هذه الحالة التي لم يشهد كوكب الأرض مثيلاً لها، وذلك بتقديم مبادرات ثقافية متنوعة تديم علاقتها بجمهورها وتخفف من تأزمه وتكسر عزلته عبر تقنيات التواصل عن بعد كشبكة الإنترنت والتلفزة، تعويضاً عن برامجها ونشاطاتها المعهودة. وفي التقرير الآتي محاولة لرصد أبرز هذه المبادرات:
حفل افتراضي لجائزة الشيخ زايد للكتاب
في سابقة تُعد الأولى من نوعها، احتفلت جائزة الشيخ زايد للكتاب في أبوظبي بالفائزين في الدورة الـ14 من خلال حفل تكريم افتراضي مباشر بثته قناة اليوتيوب الخاصة بالجائزة التي تُمنح لصناع الثقافة والمفكرين، والمبدعين، والناشرين، والشباب عن إسهاهماتهم في مجالات التنمية، والتأليف، والترجمة في العلوم الإنسانية التي لها أثر واضح في إثراء الأدب والثقافة العربية.
وألقى الأمين العام للجائزة ورئيس مركز أبوظبي للغة العربية علي بن تميم كلمةً في افتتاح الحفل قال فيها: "تأتي الدورة 14 لجائزة الشيخ زايد للكتاب في ظروف عصيبة يمر بها العالم أجمع، وما انعقاد احتفالنا عن بعد إلا واحداً من تجليات هذه الأزمة التي تعيشها جميع القطاعات ونتلمس تأثيرها المباشر وغير المباشر، إنها في واقع الأمر ليست أزمة فحسب بل محنة عالمية تاريخية قلما شاهد التاريخ الإنساني مثيلاً لها، وفي المحن الكبرى كما تعلمون يختبر الإنسان في إنسانيته ولعلنا نستقي الدروس والعبر في التعامل مع هذه المحنة مع راعي الجائزة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي تعلمنا منه منذ بداية تفشي الجائحة، أن العلاج الحقيقي للأمر لابد أن يكون إنسانياً شاملاً، لا فرق فيه بسن شعب وآخر ولا دولة وأخرى، العاصفة تضرب العالم من أقصاه لأقصاه، والخلاص لن يكون إلا بالتعاون والتعاضد بين جميع البشر، وهو ما فعله الشيح محمد بن زايد على النحو الذي بات واضحاً للجميع، هذا هو الأساس الذي قامت عليه جائزة الشيخ زايد للكتاب، فهي جائزة من الإنسانية، عنها، ولها".
كما نظّمت الهيئة المشرفة على الجائزة سلسلة ندوات ثقافية افتراضية شارك فيها الفائزون بالدورة الحالية، وهم ستة كُتاب وأدباء عرب وأجانب إضافة إلى مجلة أدبية مستقلة: الشاعر منصف الوهايبي من تونس في الآداب عن ديوانه "بالكأس ما قبل الأخيرة"، الكاتبة ابتسام بركات من فلسطين في فرع "أدب الطفل والناشئة" عن قصتها "الفتاة الليلكية"، الباحث حيدر قاسم مطر من العراق في فرع "المؤلف الشاب" عن كتابه "علم الكلام الإسلامي في دراسات المستشرقين الألمان – يوسف فان إس أنموذجا"، محمد آيت ميهوب من تونس في فرع الترجمة، عن ترجمته لكتاب "الإنسان الرومنطيقي" لجورج غوسدورف، من اللغة الفرنسية إلى العربية، الكاتب الهولندي ريتشارد فان لوين في فئة الثقافة العربية باللغات الأخرى، عن كتابه "ألف ليلة وليلة وسرديات القرن العشرين: قراءات تناصّية" باللغة الإنكليزية، ومجلة "بانيبال" البريطانية للنشر عن فئة النشر والتقنيات الثقافية. أما شخصية العام الثقافية، فقد فازت بها الشاعرة والباحثة والمترجمة والأكاديمية الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي. 
 الثقافة في العزلة
وأعدت وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية مجموعة مبادرات وأنشطة ثقافية تحت مظلة واحدة تحمل شعار "الثقافة في العزلة"، تعبيراً عن توجهها لابتكار أنشطة ثقافية متنوعة تستفيد منها مختلف شرائح المجتمع خلال الفترة الحالية، وتوفر مساحةً أمام المواهب لاستثمار إمكاناتها الإبداعية، وبما ينعكس إيجاباً على جهود الوزارة الرامية إلى جعل الثقافة نمط حياة في كل الظروف.
واشتملت هذه المبادرات على مسارات ومنصات ثقافية متنوعة، من بينها الأدب والمسرح والترجمة والقراءة والأفلام، وجاء مسار "أدب العزلة" بتنظيم من هيئة الأدب والنشر والترجمة بهدف تحفيز المواهب الأدبية على الكتابة خلال فترة العزل الوقائي، والتعبير عن المشاعر الداخلية بأشكال مختلفة من قصص وروايات ويوميات ونصوص مفتوحة، وأشارت إحصائيات هذه المنصة إلى أن عدد المسجلين في أيامها الأولى بلغ نحو 95 ألفاً.
وحظي المسرح بمساحة واسعة ضمن هذه المبادرات، حيث أعلن المسرح الوطني التابع للوزارة عن تنظيم مسابقة التأليف المسرحي لعموم الكتّاب والمهتمين بالمسرح، ورصد لها جوائز مالية، فيما نظمت الوزارة مبادرة "ماراثون القراءة" لتحفيز جميع أفراد المجتمع على القراءة، وتشجيعهم على مشاركة ما يقرأونه عبر منصة إلكترونية مخصصة، ووفق مسارين رئيسيين هما مسار "القارئ الصغير"، ومسار "القارئ الكبير"، وقد حظي الماراثون بتفاعل كبير خلال أول أسبوع حيث شهدت قراءة المشاركين أكثر من 149 ألف صفحة، وهو رقم يتجاوز الهدف المعلن من المبادرة والمتمثل في الوصول إلى 100 ألف صفحة مقروءة أسبوعياً.
كما قدمت الوزارة مبادرةً لدعم صناعة الأفلام السعودية والمواهب الناشطة في هذا لمجال، من خلال نشر رابط إلكتروني لفيلم سعودي كل يوم من أيام فترة العزل الوقائي عبر المنصات الرقمية للوزارة في مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف إتاحة الفرصة للجمهور لمشاهدة أهم الأفلام المحلية، والاطلاع على التجارب الملهمة للمواهب السعودية في مجال صناعة الأفلام.
الفن في العزلة
وأطلقت جمعية الثقافة والفنون في مدينة الطائف مبادرةً بعنوان "الفن في العزلة" من خلال حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي تتلخص في مشاركة مقطع فيديو لا يزيد عن الدقيقة، يصف كيفية تعاطي الفنانين مع الحجر المنزلي، واستثماره بطريقة إيجابية تعزز الإبداعات والمواهب الفنية في المجتمع.
وقد حظيت المبادرة بإقبال كبير من الفنانين والفنانات في مختلف المجالات التشكيلية والمسرحية والسينمائية والموسيقية والأدبية والخط العربي والتصوير الضوئي تُنشر تباعاً في حسابات الجمعية.
أما النادي الأدبي الثقافي في جدة، فقد أطلق مسابقةً للنقد المسرحي تتناول نصًا أو أكثر لمؤلف سعودي، وتمنح جوائز ماليةً للفائزين بالمركز الأول والثاني والثالث. والمسابقة مفتوحة لجميع النقاد المسرحيين العرب.  أفيش سينمائي
وفي الجزائر فتح المركز الوطني للسينماتوغرافيا (سينماتيك الجزائر) مسابقة لأحسن "أفيش سينمائي" في إطار نشاطه الافتراضي الخاص بفترة الحجر المنزلي، حيث خصصت المسابقة للأغلفة الأصلية التي يكون محورها حول فيلم جزائري أو عالمي. كما أطلق المركز نشاطات عديدة بالتعاون مع وزارة الثقافة، منها نقاش واجتماع عبر الإنترنت، وعروض افتراضية منها أسبوع أفلام الهجرة، إضافة إلى متابعة عروض أفلام خاّصة بحيّ القصبة في السينما: خمسينية الأوسكار الجزائري، وسلسلة أفلام المخرج العالمي فرانسيس فورد كوبولا بمناسبة ميلاده الثمانين.
ولم يحد المسرح عن المبادرات في الجزائر، فقد أعد المسرح الوطني 26 عرضاً مسرحية للكبار والأطفال، تُبث يومياً عبر قنوات اليوتيوب الخاصّة به، ومنصّات أخرى خاصّة بإداراته في عدد من الولايات، مع تنظيم حلقات نقاش تحت عنوان "منتدى المسرح الوطني الجزائري"، ومسابقة للكتابة المسرحية موجهة للأطفال حول الوقاية من وباء كورونا. ومن بين تلك العروض "جي بي أس" للمخرج محمد شرشال، والذي فاز في شهر يناير/كانون الثاني بجائزة أحسن عرض في الدورة 12 من مهرجان المسرح العربي التي نُظمت في الأردن، و"طرشاقة وكشرودة" لأحمد رزاق، و"الحافلة تسير" للمخرج عزالدين مجوبي، و"قالوا العرب قالوا" و"أرلوكان: خادم سيدين" للمخرج زياني شريف عياد، و"ماكبث" للمخرج أحمد خوذي، و"سليمان اللّك" للمخرج عبدالكريم بريبير، و"الزاوش" للمخرج كمال يعيش،
المسرح أون لاين
وقامت وزارة الثقافة المصرية بعمل مبادرة "خليك في البيت الثقافة بين أيديك" عرضت خلالها بعض المسرحيات الناجحة على القناة الخاصة بها في موقع اليوتيوب.
 كما نظم مهرجانا "الجنوب" لمؤسسة "س" في مصر، و"ربيع الوفاء" في تونس الدورة الأولى من مهرجان المسرح العالمي "أون لاين" لمناسبة يوم المسرح العالمي في السابع والعشرين من شهر مارس/آذار تضمّنت إلى جانب العروض ندوة وورشات تدريبية ومحاضرات حول الإنتاج والتسويق المسرحي.
 وقال حسن عطية، رئيس اللجنة العليا للمهرجان: "إن التحديات التي فرضتها علينا الظروف، وتماشياً مع القرارات الاحترازية التي اتخذتها الدول لسلامة الوطن وأمنه قررنا إقامة مهرجان مسرحي عالمي على الإنترنت يتضمن عروضا مسرحية من مختلف دول العالم، وأيضا فيديوهات للورش التدريبية في مختلف مجالات المسرح على صفحات المهرجانين في وسائل التواصل الاجتماعي، وأيضا الموقع الرسمي للمهرجان المسرحي الدولي لشباب الجنوب تحدياً للفيروس ومواجهته بالفن والعروض المسرحية".
مهرجان للمونودراما أون لاين
وأطلق محترف ميسان المسرحي في العراق تحت شعار "اجعل من بيتك مسرحاً ومرحاً"، مهرجان محترف ميسان الدولي للمونودراما أون لاين، حملت الرائد المسرحي العراقي المخرج والممثل سامي عبدالحميد الذي أسهم مع أبناء جيله في تطوير المسرح العراقي منذ ستينات القرن الماضي. وتخللت المهرجان ندوات فكرية وورش لأساتذة ومتخصّصين في الشأن المونودرامي، فضلاً عن عروض مونودرامية على الهامش. ومنحت لجنة التحكيم المكونة من أكاديميين ومخرجين وكتّاب مسرحيين من العراق ومصر وسوريا والمغرب والسعودية جوائز لأفضل ثلاثة عروض، وأفضل ممثل، وأفضل ممثلة، وأفضل نص، وأفضل جمهور عائلي، وأفضل موسيقى، وأفضل عرض لاقى رواجاً في مواقع التواصل الاجتماعي. 
أفلام ومسرحيات ومحاضرات 
وفي الأردن عرضت الهيئة الملكية الأردنية للأفلام مجموعة أفلام، بمعدل فيلم واحد مساء كل يوم اثنين وخميس على شبكة الإنترنت، ضمن  برنامج أطلقت عليه "كور- فيلم" (Cur- films). وقد تضمن البرنامج عدداً من الأفلام الروائية والتسجيلية، منها فيلمان أردنيان الأول روائي كوميدي بعنوان "لمّا ضحكت موناليزا" إخراج فادي حداد، والثاني فيلم التسجيلي بعنوان "إعادة خلق" إخراج محمود المساد، ومن لبنان الفيلم التسجيلي "المرجوحة" للمخرج سيريل عريس، والفيلم التسجيلي "يوميات شهرزاد" للمخرجة زينة دكاش، ومن مصر الفيلم التسجيلي "النسور الصغيرة" للمخرج محمد رشاد، ومن سويسرا الفيلم التسجيلي "رجال أحرار" إخراج آن- فريديريك ويدمان.
واستمرت وزارة الثقافة الأردنية من خلال موقعها الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي في تقديم عروض مسرحية وأفلام روائية طويلة وقصيرة ووثائقية. كما واصلت بث المحاضرات والندوات والحصص التدريبية لمنتسبي "معهد الفنون" في الرسم والفنون التشكيلية والخط والموسيقى، والتعاون مع القطاع الخاص في بناء منصّات تدريب في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية واليدوية، وتصميم الأزياء، والغرافيك، والتصوير الفوتوغرافي.
 ونظمت الوزارة، أيضاً، مسابقة ثقافية بعنوان "موهبتي من بيتي" اشتملت على خمسة مجالات، هي: الأدب (الشعر، القصة القصيرة، اليوميات)، والرسم، والتصوير الفوتوغرافي، والكاريكاتير، والفيلم والفيديو المنزلي، والتمثيل، وستاند أب كوميدي، والموسيقى والغناء، ضمن فئتي الأطفال والشباب. 
واشترطت الوزارة ألّا تتضمن الأعمال المشاركة في المسابقة ما يخالف قيم المجتمع وألاّ تحتوي أية أفكار عنصرية أو فئوية أو ما يحرّض على العنف والكراهية، وأن تحمل رسائل إنسانية نبيلة ترتبط بالظرف الراهن، وتعزز الإيجابية والأمل. وخضعت الأعمال المشاركة للتنافس من خلال تخصيص 50% لتفاعل الجمهور معها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، و50% للجان التحكيم المختصّة.
معرض للفنون التشكيلية في جولة افتراضية 
وفي البحرين أطلقت هيئة البحرين للثقافة والآثار على موقعها الإلكتروني الجولة الافتراضية للنسخة السادسة والأربعين من معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية الذي أقيم في كل من متحف البحرين الوطني ومسرح البحرين الوطني ما بين 15 يناير/كانون الثاني و15 مارس/آذار. وتنتمي الأعمال الفنية المعروضة إلى مختلف المدارس والاتجاهات الفنية، حيث تتعدد طرق تكوينها وصناعتها، وتتنوع ما بين نحت وتصوير فوتوغرافي وفنون غرافيك، ورسم باستخدام الخامات والمواد والأشكال التنوعة، إضافة إلى أعمال الفيديو والتركيب.ويعد المعرض أكبر وأهم تجمع فني سنوي يقام بالبحرين، إذ يستقطب أبرز وجوه الحركة التشكيلية في البحرين من رواد الفن إضافة إلى المواهب الفنية الشابة، ليعكس بجدارة شمولية التجربة الفنية التشكيلية البحرينية والتي تشكل جزءا هاما من الحراك الثقافي المحلي.
المنح الإنتاجية
وفي لبنان أطلقت مؤسسة المورد الثقافي في بيروت، عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مبادرة المنح الإنتاجية خلال الحجر التي تتيح للجمهور الواسع متابعة أعمال فنية وأدبية متنوعة مجاناً، ومناقشة أصحابها في جلسات حوارية مباشرة بالتعاون مع الفنانين والأدباء أنفسهم بعد أسبوع من نشر كل عمل من خلال "لايف فيديو". ومن بين تلك الأعمال المجموعة القصصية "لا أحد يرثي لقطط المدينة" للكاتب المصري محمد الحاج، وفيلم "مكتب الانتظار" للفنانة البصرية المغربية رندا معروفي، وعرض مسرحية "فوق الصفر" للمخرج السوري أسامة حلال، وكتاب "3439 كم ندباً إلاّ السرة" للكاتب السوري يامن حسين، وألبوم "لسان الطرب" للموسيقي اللبناني طارق يمني، الذي يقترح فيه  مفاهيم وتقنيات موسيقية "جازية" بهدف إحاطة اللحن العربي الجميل بما لدى الجاز من بلاغة تعبيرية ومصطلحات فريدة.