مختارات تضيء المشهد الشعري الإيراني

مختارات لـ60 شاعرا أضاءوا الحركة الشعرية على مدار القرن العشرين وبعضهم لا يزال يواصل عطاءه.
باقة مختارة من القصائد لشعراء من أجيال مختلفة، خرج البعض منهم من دائرة الوقت جسديًّا وصار يراوح بكلماته في المدار
المختارات انطلقت بقصيدة "حتى الصباح" للشاعر علي اسفندياري

يتمتع الشعر الإيراني قديمه وحديثه بخصوصية نسيجه ورؤاه الإنسانية والجمالية، وتقدم لنا الترجمات المتوفرة رؤية واضحة إلى حد كبير لتجربة شهدت تحولات وتطورات مهمة منذ انطلقت أوائل القرن العشرين تجربة الشاعر علي اسفندياري مؤسس الشعر الحديث في إيران مختلفة في الشكل والبناء والرؤية، ومن بعده الشاعر أحمد شاملو الذي يعد رائد قصيدة النثر، لتتدفق الشعرية الإيرانية بحيوية وفنية لا تقل أهمية عن نظيرتها العربية على يد الأجيال التالية.
وهذه المختارات التي ترجمها موسى بيدج "السلم يأتي في الصباح.. مختارات من الشعر الإيراني الحديث" والصادرة عن مؤسسة أروقة، تغطي التجربة الشعرية الإيرانية الحديث بقصائد لـ 60 شاعرا أضاءوا الحركة الشعرية على مدار القرن العشرين وبعضهم لا يزال يواصل عطاءه، وكما أوضح المترجم "لا تدعي المختارات الكمال إنما أتت من الفارسية إلى العربية، لعلها تهدي للمتلقي بعضاً من الجمال، فالناس في بلادي تلجأ إلى القصيدة في رحلة الصيف والشتاء لتكون لسان حالها في السراء والضراء".
ولفت إلى أنها "باقة مختارة من القصائد لشعراء من أجيال مختلفة، خرج البعض منهم من دائرة الوقت جسديًّا وصار يراوح بكلماته في المدار. بينما مازال البعض راكبًا صهوة قصائده يصنع من كلماته فوانيس تضيء أزقة الزمن المظلم في عالمنا المحبوس في متاهة الحيرة. قصائد مستلهمة وقودها من سلوك الأمس واليوم، من الواقع والخيال، من الأسطورة والتاريخ، من المعاني المقدسة ومن النصوص المدنسة. من واقع مزرٍ إلى حقيقة جامحة لا تقبع في إطار. إنها كلمات مشفرة أحيانًا، كما الشتاء الغائم المترع بالرعود والبروق، وأحياناً شفيفة مثل قمر الصيف على سطوح الحب".
انطلقت المختارات بقصيدة "حتى الصباح" للشاعر علي اسفندياري أو نيما يوشيج رائد الشعر الإيراني الحديث "1895 ـ 1959"، والذي  من أعماله: أسطورة ـ قصة اللون الباهت ـ عائلة الجندي ـ أيها الليل ـ ماء في منامة النمل. تلاه الشاعر أحمد شاملو رائد قصيدة النثر ولد عام 1925 م وتوفي 2000 ومن أعماله: أغان منسية ـ ثلاثة وعشرون ـ هواء نقي ـ آيدى في المرآة ـ تبرعم في الضباب ـ حديد وإحساس، ثم الشعراء المجايلين لشاملو والمعاصرين: سياوش كسرائي، فريدون مشيري، هوشنك ابتهاج، بيجن جلالي، مهدي أخوان ثالث، سهراب سبهري، نصرت رحمانی، نادر نادربور، منوچهر آتشي، يدالله رؤيائي، محمود مشرف تهراني، فروغ فرخ زاد، محمود كيانوش، طاهرة صفارزادة، لتتوالى بعد ذلك أجيال الشعراء: سپيده كاشاني، منصور أوجي، محمد رضا شفيعي كدكني، حميد مصدق، أحمد رضا أحمدي، محمد علي سبانلو، بيجن نجدي، سيد علي موسوي گرمارودي، محمد علي بهمني، ضياء موحد، ضياء الدين ترابي، حسين مهدوي (م.مؤيد)، عمران صلاحي، حسين منزوي، كريم رجب زاده، شمس لنگرودي، عباس صفاري، محمد رضا عبد الملكيان، اكبر إكسير، پرويز بيگي حبيب آبادي، تيمور ترنج، سيد علي صالحي، سیّد حسن حسيني، موسى بيدج، مجيد زماني أصل، محمود إكرامي، قيصر أمين بور، يوسف علي ميرشكاك، سلمان هراتي، رحمت حقي نور، مصطفى علي بور، محمد علي تركي، علي رضا قزوة، عبدالجبار كاكائي، عبدالرضا رضائي نيا، سعيد يوسف نيا، مرتضى أميري إسفندقة، محمد حسين جعفريان، حميد رضا شكار سري، صابر إمامي، سيد علي ميرأفضلي، جليل صفر بيگي، علي محمد مؤدب، گروس عبدالملكيان.  
قصيدة "حتى الصباح" لعلي اسفندياري:

المختارات لا تدعي الكمال إنما أتت من الفارسية إلى العربية، لعلها تهدي للمتلقي بعضاً من الجمال، فالناس في بلادي تلجأ إلى القصيدة في رحلة الصيف والشتاء لتكون لسان حالها في السراء والضراء

مصباحي مضاء
حتى الصباح
في هذا الليل المحموم
أبني جدارًا أعلى
في دار العميان هذه
يشير أعمى
جدارك ما أكثر عيوبه؟!
يعتب آخر
لم هكذا، لم ذلك؟!

وأنا أضع لبنة على لبنة
في دار العميان هذه
كي أصنع لهم ظلالًا
تقيهم من حرارة شمس غد.

مصباحي مضاء
حتى الصباح
في هذا الليل المحموم
أبني جدارًا أعلى
في دار العميان هذه.


قصيدة "رثاء" ـ في ذكرى الشاعرة فروغ فرخزاد ـ لأحمد شاملو:

باحثًا عنكِ
أبكي
على عتبة الجبال 
على بوابة البحار والأعشاب.
باحثًا عنك
أبكي 
في معبر الرياح
في تقاطع الفصول.

في أضلاع مكسورة لنافذة
صنعت للسماء الغائمة
إطارًا عتيقًا.

في انتظار صورتك
إلى متى
وكم ستنطوي أوراق
هذا الدفتر الخالي.

استجبت لهبوب الرياح
وللحب
وهو أخو الموت
والأبدية.

قاسمتكِ أسرارها
فتجسدت كنزًا
ضروريًا وباعثًا للحسد
كنزًا
من تلك التي تجعل
التراب والديار محببًا هكذا!

اسمكِ فلق
يعبر على جبهة السماء
بوركت اسمًا.

ونحن ما زلنا
تدور بنا الأيام والليالي
تدور بنا الأحايين.


قصيدة "وضفيرتك" محمود مشرف تهراني:

كم بارد وضبابي هذا اليوم
كم من انتظار
هل ستعودين؟
لقد نادوا عليك
حيث كنت نائمة وطليقة
وكانت ضفيرتك تجري مع الأنهار
نادوك من الشط العريق
نادوا عليك باسمك
من أعماق المياه.

وفتحوا الحديقة الصغيرة للمقبرة في الريح
صوب المدينة
وأصبح الوجود سرًا
واستقرت ضفيرتك فجأة
بين خرائب الرياح.

قصيدة "موعدنا هذه القصيدة" لكريم رجب زاده:

يومًا ما
سأطل برأسي من التابوت
وألوِّح بيدي
وأقرأ بيتًا عن الحنان
لكم أنتم إذ لم تكونوا حنونين
فالرحيل ليس فيه بكاء
سأعود ليلة.

وأملأ أحلامكم
فردًا فردًا بالأغاني
هذا المطر
كم مرة أتى ولم تأت
ألا تفكرين في المجيء حتى؟
فاض العطش
في قلبي، ويدي، ودفتري
لا خير في البقاء دون خبز
ولكن ما أفعل دون الأغاني؟

إذن 
فإن كنا ولم نكن
فليكن القرار هكذا:
نتغنى بك حسرة ً 
غن لنا 
ليكن أي شيء
وليكن بعيدًا عن الحزن
فهذه الأيام
تعصر الضائقة قلبي 
أكثر مما تتصورين.


قصيدة "حبٌ من ألف عام" لموسى بيدج

سيدة الحرير
عيونك 
تغزل ربيعًا صغيرًا
لوجنتيَّ
أنت كتاب الصنوبر
بآلاف الأوراق
بمفردةٍ واحدة
حبٌ حبٌ حبٌ
بلا نهاية.

أريد أن أكلمك عن الحب
تعالي بثيابك الكردية
فعيون حسرتي
مسمَّرةٌ على الباب
تحيك الضجر.
تعالي... 
ففي هذه الليلة
عيناي بندقيةٌ
تتمنى غزالًا

اصعدي السلم المنتظر 
وامسحي بمنديلك 
جبين القمر الغارق
في الحمى
فإنه يبحث عنك
في خواطره 
كجادةٍ زرقاء
أو دراجةٍ
في زقاق طفولته.

قولي: إمطر
لأمطر كغيمةٍ
قولي: احترق
لأحترق كنخلةٍ
وقولي: كن مرًا
لأحلو 
مثل غابة البلوط.

تعالي
وضعي شفاهكِ
على جبيني:
- الله يا موسى
ما هذه الحمى؟! 
يفترض أن تكون ميتًا
من ألف عام.