مرغني يؤكد أن النقد الأدبي في السودان هو الحلقة الأضعف

المهمش والمسكوت عنه في المجتمع السوداني يعتبر من المحاور المهمة في الرواية السودانية الحديثة لدى أجيالها الجديدة.
الرواية السودانية حققت إضافة إلى منجز الطيب صالح وغيره من الروائيين الرواد
عز الدين ميرغني: دور النشر المصرية ترحب بالكاتب السوداني وتنشر له وتقدمه للمسابقات وأتمنى أن يدوم هذا ويتواصل
مرغني في كتابه عن الطيب صالح اكتفى بتناول شخصيات روايتي موسم الهجرة للشمال، وعرس الزين

يتمتع الناقد السوداني د.عز الدين ميرغني بحضور فاعل في المشهدين النقدي والثقافي العام في السودان، ففضلا عن كونه ناقد يضيء برؤاه المتميزة جديد المشهد الإبداعي في القصة والرواية والشعر، فهو إعلامي يدير البرامج الثقافية في قناة أم درمان الفضائية، وأيضا متخصص بالترجمة من وإلى الفرنسية. بدأ كاتبا للقصة القصيرة لكن زخم انشغاله بالترجمة والنقد والإعلام حال دون إصداره لقصصه التي ينتوي حاليا أن يصدرها مجموعة تلو الأخرى. من أعماله النقدية "بنية الشخصية الروائية في روايتي موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين الطيب صالح"، و"موسوعية المعرفة وجماليات اللغة عند الشاعر السوداني حاج الماحي"، و"التقنيات الحديثة في القصة القصيرة".
في هذا الحوار مع مرغني نتعرف على المشهد الثقافي السوداني عامة والنقدي والروائي والقصصي خاصة.
بداية حدثنا مرغني عن تجربته كقاص قال "كتابتي للقصة بدأت مبكراً، وكنت أنشر بعض نصوصي في الملاحق الثقافية. ووجدت استحساناً، ولعل النشأة في الريف جعلني استمد منه العديد من النماذج الإنسانية المتفردة غير الموجودة في المدينة. عندي مجموعة جاهزة للنشر. ولعل قلة النصوص عندي لانشغالي بالنقد والترجمة، ولعل الناقد الذي بداخلي يراقبني بقوة كي لا تخرج إلا النصوص الجيدة وغير المستنسخة. 
وأكد مرغني أن المشهد الروائي السوداني يتمتع بعدد كبير من الروائيين الذين يثرون الرواية العربية، وأوضح: كما قال الناقد المصري د.جابر عصفور، بأن هذا زمن الرواية، فإن هذه المقولة تنطبق على السودان هنالك اهتمام كبير بكتابتها خاصة من جانب الشباب، لعلها تأتي بالشهرة والفوز في المسابقات، ولذا ما نشر في السنوات العشرين الأخيرة يفوق ما نشر منذ الاستقلال. وهنالك أسماء فازت في البوكر وجائزة كتارا الدولية مثل أمير تاج السر، وعلي الرفاعي، وعمر فضل الله. وأخذ الشباب يميل لتوظيف التاريخ السوداني لنقد الحاضر بالماضي، ثم الاستفادة من الأساطير والتراث السوداني القديم في كتابة الرواية. 

هنالك دور نشر مصرية صارت ترحب بالكاتب السوداني وتنشر له وتقدمه للمسابقات وأتمنى أن يدوم هذا ويتواصل

ورأى أن الرواية السودانية حققت إضافة إلى منجز الطيب صالح وغيره من الروائيين الرواد، وأضاف: كان البعض من النقاد يظن بأن الطيب صالح سيكون سقفاً للرواية السودانية مثل نجيب محفوظ في مصر، ولكن تجاوز الكتاب هذا السقف، ولم يصبح عقدة عندهم، كما حدث في مصر، فكما قال الناقد الفرنسي سارتر، بأن أي رواية لا يستطيع غير كاتبها أن يكتب مثلها، فظهرت العديد من النصوص الروائية في الشكل والمضمون والبحث في المسكوت عنه، وخاصة الكتابة عن الغلابة والمهمشين والمنسيين في قيعان المجتمعات السودانية، استفادت الأجيال الجديدة من وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة الحصول على النسخ الإلكترونية من المواكبة والتجديد في كتابة الرواية، في معرفة التقنيات الجديدة والاستفادة منها في كتاباتهم ونصوصهم الروائية. 
على الرغم من ثراء تجربة الطيب صالح الروائية، إلا أن مرغني في كتابه عنه اكتفى بتناول شخصيات روايتي موسم الهجرة للشمال، وعرس الزين، وقد علّل ذلك بقوله: لعلهما يشكلان الروايات الأكثر شهرة، أو التي يمثلان عبقرية السرد عند أديبنا الطيب صالح، و"دومة ود حامد" و"بندر شاه"، هما أقرب للقصص الطويلة وقد يكون فيهما تشابه في المكان والزمان بين عرس الزين وموسم الهجرة فاكتفيت بهاتين الروايتين. ولعل البصمة الأسلوبية وبلاغة السرد فيهما أقوى من بقية أعماله. وبين عرس الزين وموسم الهجرة، يبدو الغرض من دراستي هو مقارنة بين شخصيات مختلفة، فالزين هو ابن المكان وتربيته ومصطفى سعيد هو المتمرد والخارج عنه عندما ابتعد واغترب عن هذا المكان، ولما عاد إليه وعاش في الشمال استرد أصالته وثقافته المكانية. 
وحول أبرز الملامح التي تركتها تجربة الطيب صالح الروائية على الأجيال التالية عليه في السودان، أضاف مرغني: الرواية السودانية في بداياتها الأولى تأثرت بالرواية المصرية وخاصة روايات نجيب محفوظ، وأخذوا المفيد من تجاربه العميقة، ما أخذوه من الطيب صالح هو الجرأة في كتابة المسكوت عنه، ثم الاستفادة من العامية السودانية ومحاولة فصحنتها وتحويلها إلي لغة سرد وقص وهذا ما فعله الطيب صالح. أي تبسيط لغة السرد دون أن تفقد اللغة جمالياتها وخصوصيتها السردية. وأجمل ما أخذوه منه هو بطولة المكان في الرواية، بثقافته وشخصياته الإنسانية المنسية والمميزة في نفس الوقت. وأن كتابة الثقافة المحلية الخاصة هي التي تقود إلي العالمية. 
المهمش والمسكوت عنه في المجتمع السوداني يعتبر من المحاور المهمة في الرواية السودانية الحديثة لدى أجيالها الجديدة، وأن المعالجات تتم بجرأة، وقد رأى مرغني أن الكتاب الجدد والأجيال الشابة في الرواية السودانية أتيح لهم الفرصة لتناول بعض القضايا التي سكتت عنها الأجيال الماضية من الكتاب خاصة في تاريخنا الحديث، مثل تجارة الرق، والعنصرية القبلية، والتعالي القبلي والجهوي، فظهرت نصوص جيدة وملامسة وطارحة للحلول دون تقريرية أو هتافية وعظية. ولكن للأسف الشديد ظهرت بعض النصوص التي تعتبر كتابة الجنس والجسد هي قمة الإبداع، وظهرت نصوص ضعيفة ومسفة وبعضهم بدأ يسئ لعقائد المجتمع وخطوطه الحمراء، ولكن وعي القارئ السوداني جعل الكثير منها تموت في مهدها. 
ولفت مرغني إلى أنه من الغريب أن تاريخ القصة القصيرة في السودان أقدم وأعرق من الرواية، فالقصة تقارب القرن في تاريخها والرواية السودانية بدأت في أواخر الأربعينيات. ولكن كما ذكرت فإن البعض استسهل كتابة الرواية فبنيتها تتحمل الإسهاب وتعدد الشخصيات، والقصة تحتاج لمهارات فنية عالية في تكثيف اللغة والتقاط المشاهد الإنسانية الصغيرة. لعل حمى الجوائز والشهرة التي تتيحها الرواية هي التي أغرت بكتابتها خاصة عند الشباب. لذا قلّ العدد المنشور من المجموعات القصصية، ما عدا بعض النصوص التي تنشر في الملاحق الثقافية. ولعل ضعف تدريس جامعاتنا لفن القصة له دخل في ذلك. وحتى معارض الكتب الموسمية صار الناشرون لا يرحبون بعرض وبيع المجموعات القصصية وأحسبها مشكلة تعم العالم العربي كله. 

وأشار مرغني إلى أن كتابات المرأة السردية ظهرت بشدة في فترة التسعينيات، صحيح أن أول رواية نسائية نشرت في عام سبعين من القرن الماضي، ولكن مرّت فترة ركوض وكمون، حتى نهاية الثمانينيات، هنالك عدة أسباب ساعدت في ذلك، منها هيمنة الكتابة الذكورية ثم عدم تشجيع دور النشر للكتابات النسائية، أما في السنوات الأخيرة فقد ظهرت روائيات ونصوص تعكس قضايا المرأة الخاصة والعامة في مجتمعاتنا السودانية، وتدافع عن حقوقها بجرأة محمودة وليس فيها التعدي على الخطوط الحمراء للمجتمع إلا في القليل النادر. 
وأكد مرغني أنه لا شك بعراقة وقدم كتابة الشعر في السودان، وخاصة عند الفقهاء وأهل التصوف، حتى العصر الحديث، فظهرت كتابة الشعر الرصين المقفى والموزون، وظهرت أسماء كبيرة ومعروفة، ثم مرحلة الشعر الحر أو قصيدة التفعيلة. والآن وسط الأجيال الجديدة هنالك من لا يزال يكتب القصيدة العمودية ويشارك بها في المهرجانات العربية المعروفة مثل مسابقة أمير الشعراء والتي وصلوا فيها لمراتب متقدمة مع تزامن ذلك مع ظهور قصيدة النثر، ولكن بدأ البعض يستسهل الكتابة بالعامية وانتشرت بشدة وسط الشباب. لعل ضعف المستوى الشعري يرجع لقلة وضعف القراءات الجادة وسط الشباب ثم ضعف مستوى اللغة العربية في مدارسنا وجامعاتنا قلّل ظهور الأصوات الشعرية الجادة والرصينة إلا في النادر القليل. 
قال مرغني: للأسف العلاقة بين الإعلام المرئي والمطبوع والمسموع وبين الثقافة والإبداع في السودان كأغلب أجهزة الإعلام العربي تأتي الثقافة والإبداع في ذيل اهتماماته, فالصحف السودانية لا تهتم بالصفحات أو الملاحق الثقافية ولا بكتابات المبدعين، كما لا توجد مجلات ثقافية دورية متخصصة في السودان، وحتى التي قامت قديماً، توقفت الآن. ولا توجد في قنواتنا الفضائية برامج ثابتة وقوية لنشر الثقافة والاهتمام بها وبأخبارها ومنتدياتها، إلا في النادر والقليل. وهذه الأجهزة الإعلامية لا تستقطب المبدعين ولا توظف إمكاناتهم الكبيرة في توجيه وإدارة دفة الثقافة في بلد يعتبر غنياً بتعدده وثرائه الثقافي. 
ورأى أن النقد في السودان هو الحلقة الأضعف في العملية الإبداعية الأدبية في السودان، فالنقاد قلة يعدون على أصابع اليد، وأقصد بهم الفاعلون في الحراك الإبداعي. وخاصة في مجال السرد. وهذه القلة بالطبع لا تستطيع مواكبة الكثرة والأعداد المنشورة في مجال القصة القصيرة والرواية والشعر على قلته. فأهملت العديد من النصوص الجيدة وخاصة في الرواية، وهي الأوفر حظاً في الطباعة والنشر ولكنها الأقل في التحليل النقدي. ولعل هذا يعود لضعف تدريس المناهج النقدية الحديثة في جامعاتنا، ثم ضعف اللغات الأجنبية وتشجيع التأليف والنشر في مجال النقد. 
ولفت مرغني إلى أن المشهد الثقافي السوداني، ليس بحجم مبدعيه وكتابه، في مجال الكتابة فهنالك غلاء فاحش وتكلفة عالية في طباعة الكتب مما يجعل المبدع الفقير _ وأغلبهم فقراء - لا يستطيع تمويل كتاباته ونشرها، ولا توجد دور النشر التي تغامر بتكلفة الطباعة كاملة. تقل أيضاً المنتديات الثقافية التي تتيح للمبدعين تقييم أعمالهم وعرض إبداعاتهم في مختلف المجالات. قلة المسارح والجالاريهات، ودور السينما، ومؤسساتها. وأتمنى في العهد الجديد أن يُلتفت لكل تلك المعوقات. 
وعن رؤيته حول التواصل الإبداعي الثقافي العربي السوداني ختم مرغني قائلا: في السنوات الأخيرة، بدأ التواصل العربي السوداني يزداد قليلاً، بالمشاركة في معارض الكتب العربية الدولية، ومشاركتهم معنا في معرض الخرطوم الدولي للكتاب. ثم المشاركة في المسابقات العربية خاصة في مجال الرواية. وبدأ الكاتب السوداني يجد طريقه للقارئ العربي. ولا تزال علاقتنا الثقافية هي الأقوى مع الشقيقة مصر، فهي عريقة وقديمة. وما يزال الناشر السوداني يفضل المطابع المصرية فهي الأرخص والأجود. وهنالك دور نشر مصرية صارت ترحب بالكاتب السوداني وتنشر له وتقدمه للمسابقات وأتمنى أن يدوم هذا ويتواصل.