"مركب الفأر والفأرة" قصة تعتمد في نسجها على التراث الشعبي

غراء مهنا كاتبة تقوم بتمرير الثقافات المفيدة لبناء المجتمعات، عبر أدب الطفل.
الحكاية الشعبية هي أفضل ما يقدم للطفل إذا خلصناها من بعض الشوائب والتفاصيل التي لا تصلح للطفل
متابعة القصة أمر سهل، وبالتالي يسهل تذكرها

قدمت الدكتورة غراء مهنا عدة أعمال تعتمد في نسجها على الحكايات الشعبية،  منها قصة "ذات الرداء الأحمر" ونشرت بعد ذلك مجموعة قصصية للأطفال (فى سلسلة الينابيع – لونجمان)، بعضها مستمد من الفولكلور المصري مثل الباحث عن الخط، والشعرة الذهبية، والبعض الآخر إعادة كتابة للتراث الشعبي، أو إبداع مقدم للطفل مثل بائع السعادة، مرآة الخير، والسر فى البئر. وقامت بترجمت  15 حكاية مصرية إلى الفرنسية. وقد حصلت  الدكتورة غراء مهنا على الجائزة الأولى في مسابقة سوزان مبارك لأدب الطفل عام 1991، عن قصة بعنوان "مركب الفأر والفأرة"، مستلهمة من الفولكلور. 
ملخص القصة: 
تدور القصة حول فأر وفأرة يتضوران من الجوع، ويبتان ليلتهما من غير عشاء، وفي الصباح يعثران على كيس به خبز وجبنه رومي، فيذهبان إلى شاطئ البحر ليأكلاه، وأثناء تناول الطعام ينادي عليهم المراكبي طالبا المشاركة في الطعام، فيوافقان على إطعامه مقابل السماح لهما بالتنزه في مركبه، وتمت الصفقة، وانطلقا في البحر يمرحان، وأثناء التجديف طلبت منهما الدجاجة، والديك، والأوزة، والخروف أن يركبوا معهم للتنزه، فوافقا، ولكن عندما طلب الجمل الكبير الركوب، رفض الجميع ذلك؛ لأن المركب الصغير لن يقوى على حمله، فمد الجمل رجله وركب بالقوة،  فأنقلب القارب في البحر، وغرق الجميع، لم تنجُ سوى الأوزة لأنها تجيد العوم.
يقول عالم النفس الأميركي الشهير Brun  Bettelheim، إن الحكاية الشعبية هي أفضل ما يقدم للطفل إذا خلصناها من بعض الشوائب والتفاصيل التي لا تصلح للطفل، وهذا فعلته الكاتبة غراء مهنى في قصتها. 
تحاول القصة بأسلوب علمي، أن تقدم القيم الثقافية، فقدمت بعض المعلومات عن الدجاج، وعن آذان الديك في الفجر، ومهارة الأوزة في العوم، وفائدة صوف الخروف. ومن خلال الإطار الفكري طرحت بعض القيم  منها:

القصة بها رابطة سببية، حيث يؤدى كل حدث إلى آخر يكون نتيجة له. وهذا يشبه السباحة مع التيار، بينما حفظ الحقائق غير المترابطة يشبه السباحة ضد التيار

تقدير الموقف: وهذه القيمة برزت في إصرار الجمل على ركوب المركب الصغير، ورغم التحذير، أقدم على تنفيذ رغبته بالقوة، مما تسبب في غرق الجميع، وعلميًا تُعد عملية تقدير لاتخاذ القرار السليم حيال المشكلة التي تواجهنا.
وعملية تقدير الموقف تحتاج إلى خيال علمي، وحدساً سليماً، وبصيرة نيِّرة، وهذا المفهوم يستخدم على نطاق واسع فى العلوم العسكرية، ثم امتد منها لاحقًا إلى مختلف مجالات الحياة، السياسية والاجتماعية والأمنية والنفسية والثقافية، وهذه القيمة المهمة، تم صياغتها ببساطة شديدة، عندما أبرزت القصة نتجية تصرف الجمل العشوائي، والذي أدى إلى غرق الجميع، وأن عدم تقدير الموقف لا يضر صاحبه فقط، بل يتعدى الضرر إلى المجتمع بأثره.
إن تقدير الموقف شديد الأهمية سواء على المستوى الشخصي، أو الأسري، أو القومي، ويفيد في إدارة الأزمات، فثمة علاقة بين تقديرات المواقف وإدارة الأزمات، إذ تنبع المهمة الأساسية في منع الأزمة من الحدوث. وذلك في إطار مستويات أربعة هي: المنع من خلال توقع المشكلة ووضع الحلول، والتحضير والاستعداد في ظل قرب حدوث الأزمة، ومرحلة الرد على الأزمة، وذلك للتعامل مع المشكلة بنجاح، العودة لمرحلة الوضع الطبيعي السابق لحدوث الخطر.
بث هذه القيمة من خلال الأدب، وبشكل يجمع بين الخيال، والمتعة، والقلق، وعرض النتيجة، ستجعل هذه القيمة سلوكًا بشريًا لكل طفل قرأ القصة.
أهمية تعلم السباحة: لقد عرضت القصة هذه الأهمية بشكل بالغ التأثير، فقد كانت قيمة هذا التعلم تساوي الحياة، فالأوزة الناجية من الغرق؛ قد نجت لأنها تعلمت العوم، وهذا المعنى قد استقر في ذهن الطفل دون شرح، ومن ثم سيخلق الدافع الذاتي لديه لتعلم السباحة.
السباحة كرياضة تسهم في بناء العضلات، وتضمن سلامة التكوين الجسماني، لأن مقاومة الماء تؤدي إلى بذل جهد معتدل من العضلات والذي لا يجعلها فقط أكثر قوة ولكن يساهم أيضا الى حد كبير في زيادة مرونتها. أضف إلى ذلك بأنها تنشط جميع العضلات في الجسم وخاصة الظهر، عضلات البطن والساقين. وتساعد مرضى الربو في تقوية الرئتين، وزيادة قوة تحملهما. بالإضافة إلى الفائدة الكبيرة لجهاز الدم, القلب والرئة،  وتساعد على خفض الوزن, والاستقرار وإعادة التأهيل من الإصابات. 
وأهمية السباحة، فهي في الحياة الاقتصادية؛ بأنها شرط أساسي للمشتغلين بمهنة الصيد، ولا يوجد صياد لا يجيد السباحة.
وفي المجالات العسكرية؛ تُعد شرطًا من شروط القبول بالكليات والمعاهد العسكرية، والشرطية.
والقصة بها تناص مع التراث العربي، وتطابق بعض التعليمات التي أصبحت من روائع التراث العربي الإسلامي، فقد قال عمر ابن الخطاب – رضي الله عنه -  منذ أكثر من 14 قرنًا من الزمان: "علموا لأبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل".
القصة تتمتع بالتوازن، وهذا يتفق مع رأي جوان آيكن حين قالت: "إلتزام مؤلفي قصص الأطفال بالتوازن والتكامل المنطقي فى بث القيم فى مجالات القصة المختلفة، وليس الاهتمام بمجال دون الآخر، لأن القصة هى "نوع من القدرة على الإقناع. فإذا حكيت لك قصة، فمن المؤكد أنك سوف تستمع إليها. فمتابعة قصة أمر سهل، وبالتالي يسهل تذكرها، أكثر من تذكر سلسلة من الحقائق غير المترابطة؛ لأن القصة بها رابطة سببية، حيث يؤدى كل حدث إلى آخر يكون نتيجة له. وهذا يشبه السباحة مع التيار، بينما حفظ الحقائق غير المترابطة يشبه السباحة ضد التيار". 
ومن ثم يمكن النظر نحو هذا المضون في قصة "الفأر والفأرة"؛ على أنه  يساعد في تمرير الثقافات المفيدة لبناء المجتمعات،  عبر أدب الطفل.