مسارات الاشتباك: الأبعاد الثقافية لحرب غزة

إلى جانب الحرب العسكرية في غزة، تشتعل حرب تفسير الحرب بأبعادها الثقافية والإعلامية.

تُعدّ حرب غزة 2023 واحدة من أكثر الصفحات دموية في الزمن الراهن، حيث نشهد صراعًا مريرًا بين المستوطنين اليهود والسكان الأصليين، استعان الصهاينة بإسناد من اقوى جيوش العالم، بينما لم يقف مع الفلسطينيين سوى عدد محدود من حركات المقاومة.

وإلى جانب الأبعاد العسكرية والسياسية، اتّخذت هذه الحرب منحى ثقافيًا ملفتا، فقد سعى المستوطنون إلى تبرير جرائمهم ضد الانسانية والظهور بصورة الضحية، كما سعوا الى تشويه صورة المقاومة، ومحاولة اثارة الخلافات بين فصائلها.

اعتقد المستوطنون اليهود بحقهم "الطبيعي" في السيطرة على أراضي فلسطين مما أدى إلى سعيهم الحثيث لطرد السكان الأصليين عبر مراحل زمنية متتالية، مستخدمين مختلف الأساليب الإجرامية، وصولاً إلى حرب الإبادة الجارية حالياً.

لم تقتصر حرب غزة على المواجهات العسكرية المباشرة، والتدمير الممنهج للبنية التحتية، وقتل الاطفال والنساء، بل اتّخذت أيضًا أشكالًا ثقافية ونفسية مُمنهجة، سعى المستوطنون خلالها إلى إضعاف روح المقاومة.

ويُعدّ صراع الإعلام والثقافة ساحةً حاسمةً في خضمّ الصراعات الراهنة، حيث سخرت اسرائيل إمكانياتها في سبيل حسم هذه الحرب، مستعينةً بجيش من الإعلاميين والمثقفين، ناهيك عن العملاء الذين يستهدفون إضعاف روح المقاومة من الداخل.

وان كانت الترسانة الاعلامية العربية الداعمة للكيان الصهيوني اصبحت مكشوفة امام الجميع، فان الاقلام والاصوات غير المحسومة اعلاميا حتى الان تشكل خطرا كبيرا على المقاومة، فهي تتحرك باسم الدين او باسم الضحايا في غزة لتوهين المقاومة.

ومن المعلوم ان المقاومة في غزة لم تعد مقتصرة على الفلسطينيين فقط، وانما اصبحت محورا يجذب اليه كل أطراف ما يسمى محور المقاومة، بل وتشمل اطرافا اخرى تساند الحق الفلسطيني من خلف منبر الجمعة وعلى صفحات الجرائد وفي ساحات الاعتصام.

وبغض النظر عن التصنيف المذهبي او الموقف السياسي من بعض أطراف هذا المحور، فمن الواضح أن الآراء حيال ما يجري في غزة تتنازعه أربعة مسارات:

1- مسار صانع اللعبة: هناك من يرى إنّ خطوات جبهة المقاومة مدروسة وتهدف إلى تهيئة مسرح العمليات لمعركة حاسمة قادمة، لا مفرّ منها، يدركها كل من يتابع عن كثب تطورات الأحداث في ساحة المعركة.

2- مسار المواجهة: ويرى آخرون أن غارات المقاومة اللبنانية في الشمال، وإغلاق مضيق باب المندب من قبل أنصار الله هو جزء لا يتجزأ من المواجهة المباشرة التي تقودها حماس، وذلك ضمن إمكانياتهم المتاحة ووفقا للقوانين الدولية.

3- مسار النأي بالنفس: يرى البعض أن الصمت والتجاهل هو الموقف الشرعي من مذابح غزة، لذا لم يصدر عنهم أي تصريح او بيان يدعو للتضامن مع المقاومة. وبينما يؤيدهم البعض، الا ان البعض الآخر يصفهم بالشيطان الأخرس.

4- مسار محامي الشيطان: ويتهم آخرون جبهة المقاومة او بعض اطرافها بالمسؤولية عن الأحداث الجارية في غرة، ويوجهون لها اصابع الاتهام عن كل المآسي التي تجري هناك، ومن هذا الفريق تبرز الاصوات المناهضة للمقاومة.

يُلزمنا الجرح النازف في غزة اتّخاذ موقفٍ حازمٍ، سواءً عبر المشاركة الميدانية أو الجهاد الثقافي والفكري، فإذا لم يتمكن الفرد من اتّخاذ أيٍ من هذين الموقفين، فعليه على الأقل الالتزام بالصمت المبدئي المُناهض للإبادة الجماعية، حتى لا يتحوّل إلى خنجر في خاصرة غزة.