مسرحية تاريخية لم يكتبها أحمد شوقي

القدر لم يمهل الشاعر الكبير بعدما لفتت انتباهه سيرة السلطانة رضية بسبب حياتها الدرامية وفكر أن يكتب عنها مسرحية شعرية، أو رواية نثرية.

ورد ذكر السطانة رضيَّة في بعض كتب التراث. ولفت أمر هذه السلطانة الشاعر أحمد شوقي بسبب حياتها الدرامية، وفكر أن يكتب عنها مسرحية شعرية، أو رواية نثرية، على غرار مسرحياته السابقة: مصرع كليوباترا، وأميرة الأندلس، وقمبيز، والست هدى، وعنترة، والبخيلة، وعلي بك الكبير، وعذراء الهند.

وأخذ شوقي يعد العدة لذلك، ويستلهم الفكرة، ويخطط، ويجمع ما ورد عنها بدقة، وكان في يقينه أن هذه المسرحية لن تكتمل، لسبب أو آخر، ولا بأس أن يضع بعض سيرتها، ربما يفطن إليها غيره فيكتب عنها، إذا لم يمهله القدر.

كانت رضية شقيقة السلطان ركن الدين الذي ورث المُلك بعد موت أبيه السلطان شمس الدين، وافتتح حكمه بالتعدي على أخيه معز الدين فقتله، فأنكرت رضية ذلك عليه، فأراد قتلها، وفي يوم جمعة خرج ركن الدين إلى الصلاة، فصعدت رضية على سطح قصر قديم مجاور للجامع الأعظم الذي يصلي فيه ركن الدين، ولبست عليها ثياب المظلومين، وكانت باللون الأحمر، ونادت الناس السائرين للصلاة، وكلمتهم من أعلى السطح، وقالت لهم: إن أخي قتل أخاه، وهو يريد قتلي. وذكَّرتهم بأيام أبيهم السلطان شمس الدين، وفعله الخير وإحسانه إليهم، فثاورا عند ذلك على السلطان ركن الدين، وهو في المسجد، وقبضوا عليه، وأتوا به إليها، فقالت لهم: القاتل يقتل قصاصا بأخيه. وكان لها أخ صغير هو ناصر الدين، فاتفق الناس على تولية رضية حكم البلاد.

واستقلت السلطانة رضية بالحكم أربع سنوات، وكانت تركب الخيل، كما الرجال ولا تستر وجهها، ثم اتهمت بعبد حبشي لها، فاتفق الناس على خلعها وتزويجها، فخلعت وزوجت من قريب لها، وولّي أخوها ناصر الدين الحكم، واستقل به. لكنها لم ترض هذا، واتقفت مع زوجها وتهيآ لقتال أخيها، فعلم ذلك، وجهَّز جيوشه، وانهزم عساكر رضية، ففرّت بنفسها، وفي طريق الهرب، أدركها الجوع وأجهدها الإعياء، فقصدت فلاحًا رأته يحرث الأرض، فطلبت منه ما تأكله، فأعطاها كسرة خبز، فأكلتها وغلب عليها النوم، وكانت في زي الرجال، فلما نامت، نظر إليها الفلاح، فرأى تحت ثيابها ما يشير إلى أنها أنثى، فأخذ يتأملها ويتأمل نومتها، فوقعتْ في قلبه موقعا حسنا.

وصبر ساعات حتى قامت من نومها، فوجدته جالسا بجوارها، فارتبكتْ وقلقتْ، ولكنه طمأنها، وأخذ يتحدثان. واتفقا أن تجلس عنده وتحكي له حكايتها، فعطف عليها، ولم يجد عنده ما يخاف عليه، ولا عندها.

لكن ضيق حال الفلاح، دفعهما إلى التفكير في بيع فرسها، فذهب الفلاح إلى السوق، لعرض الفرس، فأنكر أهل السوق أمره، وأتوا به إلى الحاكم، فضربه حتى اعترف وأقرَّ بوجود راضية عنده، ودلَّهم على مكانها، فتوجه جنود السلطان ناصر الدين إلى المكان الذي كانت به، وقتلوها، ودُفنت هنالك، وأخذ الفلاح يبكي عليها بكاءً شديدًا، وبني عليها قبة، وبعد زمن أصبح قبرها يُزار ويُتبرك به.

لم يمهل القدر أمير الشعراء أحمد شوقي لكتابة هذه المسرحية، أو هذه الرواية، فقد رحل في 14 أكتوبر/تشرين الاول 1932 وترك فكرة هذا العمل بين أيدينا.